القاهرة- كشفت مصادر مطلعة لـ”العرب” أن حماس تستثمر في المكاسب السياسية التي حققتها من مسيرات العودة الكبرى، للتهرب من المصالحة مع حركة فتح. وأضحت قيادات الحركة ترى أن الضغوط التي تمارس عليها من جهات مختلفة، ليست ذات قيمة، وستواصل المضي في طريق التصعيد الشعبي لتأكيد أنها الرقم الصعب على الساحة الفلسطينية. وأضافت المصادر أن حماس تراهن على المزيد من الهبوط في شعبية الرئيس الفلسطيني محمود عباس مقابل تصاعد نفوذها عبر قفزها على مسيرات العودة التي دعا إليها الشباب الفلسطيني. ونفت المصادر القريبة من الملف الفلسطيني، قيام القاهرة بالضغط على حماس لوقف مسيرات العودة استجابة لمطالب إسرائيلية وأميركية، مقابل فتح معبر رفح الحدودي بشكل دائم. ويقول مراقبون إن القاهرة تسرّع من وتيرة خطواتها، بدعم عربي، لتحقيق مصالح الشعب الفلسطيني والتصدي لمحاولات إخضاعه لإرادة الولايات المتحدة وإسرائيل والتسليم بالأمر الواقع عبر صفقة القرن. ولم يستبعد هؤلاء أن يكون التشدد الذي تظهره حماس قريبا من تقديرات أملتها عليها كل من قطر وتركيا وإيران لتعقيد الموقف، ومحاولة إحراج القمة العربية المقبلة في الرياض منتصف أبريل الجاري، وجعلها تنخرط في مناقشة القضية الفلسطينية على حساب ملفات إقليمية أخرى، بينها الموقف من إيران. ومقرر أن يقوم وفد أمني مصري بزيارة قطاع غزة قريبا جدا، في محاولة لإقناع حماس بضرورة العودة إلى المصالحة، لأن ترميم الجدار الفلسطيني ووحدة فصائله من أساسيات التصدي لخطة التسوية الأميركية المعروفة بـ”صفقة القرن”. ويأتي الحراك المصري بعد وقت قصير من إعلان أكثر من قيادة حمساوية أن المصالحة لم تعد قائمة، ولا يمكن الاستمرار فيها وفق الطريقة التي يريدها الرئيس عباس. وقال صلاح البردويل عضو المكتب السياسي للحركة السبت إنه لا رجوع للمصالحة بمعنى التمكين، ولن يستطيع أحد فرضها على حماس، مشددا على أن هذا المصطلح انتهى عصره والحركة متمسكة بالشراكة في القرار والمؤسسات الوطنية. حماس تسعى لأن تحظى بمكانة الممثل الشرعي للفلسطينيين، لكن الدول العربية المعنية لن تقبل بوصول الأمر إلى هذه المرحلة وأكد سمير غطاس الباحث والخبير في الشؤون الفلسطينية أن حماس بما تفعله أصبحت جزءا من صفقة القرن، لأنها تعمل على استمرار فصل غزة عن الأراضي الفلسطينية، والسيطرة على القطاع لأنه يمهد الطريق أمامها لتصبح بديلا للسلطة في التفاوض مع الأطراف الدولية. وأضاف لـ”العرب” أن الحركة أصبحت تنتظر متغيرين، الأول أن واشنطن لوّحت بأن أبا مازن جزء من المشكلة وبدأت تعمل على إنهاء حكمه، وبالتالي فهي بانتظار نتائج هذا المتغير لتكون بديلا جاهزا. والمتغير الثاني أن هناك مشروعا يدعو إلى فصل غزة عن أي تسوية مستقبلية، بحيث يكون القطاع شبه دولة مفصولة عن الضفة، ما شجعها على التمادي في رفض المصالحة، وشراء الوقت انتظارا لمتغيرات جديدة، مدعومة من إيران للخروج من أزمتها. وتبدو حماس غير عابئة بالتحركات العربية الرامية إلى التصدي للتسوية الأميركية، ولا تهديدات السلطة بفرض عقوبات على غزة، بعدما قدمت نفسها لسكان القطاع على أنها الحاكم الفعلي والمسؤول عنهم، ومستعدة لتقديم مساعدات مالية، طالما وقفوا بجانبها في مواجهة حصار السلطة ومحاولات واشنطن وإسرائيل فرض واقع جديد عليهم. وصرفت حماس 3 آلاف دولار لكل قتيل و500 دولار لكل جريح، في خطوة لاحتكار المسيرات، وإلغاء دور باقي المؤسسات والتنظيمات والفاعلين على الساحة ممن كان لهم دور في نجاح مسيرة العودة. وأوضح معارضون لقرار حماس بصرف تعويضات لضحايا المسيرات، أنها أرادت ألا يظهر الموقف كأنه حراك شعبي، بل يتم تصويره على أنه حراك حمساوي، ما يوحي بأنها ما زالت تمتلك نفوذا في غزة. وتساءل البعض على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذا كانت حماس تمتلك هذه الأموال، فلماذا لم تستثمرها طوال الأشهر الماضية لتحسين الأوضاع المعيشية بالقطاع؟ وتحاول الحركة إقناع الشارع الفلسطيني بأنها قادرة على التصدي لصفقة القرن، في ظل ما تعتبره “هوان السلطة الشرعية”، وهو ما بدا من تصريحات أعضاء في الحركة بأن مسيرات العودة نجحت في أن تقبر الصفقة. وقال مسؤول مصري مطلع لـ”العرب” إن حماس تسعى لأن تحظى بمكانة الممثل الشرعي للفلسطينيين، لكن الدول العربية المعنية لن تقبل بوصول الأمر إلى هذه المرحلة، وتتمسك بأن تكون سلطة أبي مازن الواجهة الدولية التي يتم التعامل معها في القضايا المصيرية. وأضاف أن هناك تمسكا مصريا سعوديا إماراتيا أردنيا برفض صفقة القرن إذا كانت غير مقبولة للسلطة باعتبارها الممثل الشرعي، وهناك ضغوط عربية مكثفة لتعديل الصفقة، نافيا وجود أي ضغوط عربية على السلطة لقبول الخطة الأميركية كما هي، مقابل إغراءات من أي نوع. وأكد أن “التسوية الأميركية كانت مرتبطة إلى حد كبير بعاملين، الأول ضعف الموقف العربي وعدم اكتراثه بالقضية الفلسطينية، والثاني استمرار التصدعات والانقسامات بين فتح وحماس، لكن التقارب العربي القوي مؤخرا، والتركيز على الواقع الفلسطيني، وتسمك مصر، مدعومة من السعودية والإمارات، بالمصالحة أحدث ارتباكا لدى واشنطن.
مشاركة :