خلال الأسبوع الماضي أقامت جامعة جدة لقاء التوظيف على مدى يومين، وطُلِب من مكتب تحقيق الرؤية أن يشارك في هذا اللقاء للتعريف برؤية ورسالة وأهداف المكتب، إضافة إلى إعطاء بعض الأمثلة بالنسبة لبعض المبادرات التي بدأ العمل عليها من قبل الجامعة تحت مظلة المكتب من إشراف ومتابعة. الذي أدهشني وشدني فعلا خلال هذين اليومين ليس العدد الكبير للشباب الذين حضروا بحثا عن وظيفة، وإنما عدم معرفة هؤلاء الشباب بالقدرات والمهارات التي يمتلكونها، وكيفية توظيفها في خلق الوظائف! وقفت خلف الطاولة التي كانت تحمل شعار المكتب، وخلفي عُلّقت على الجدران مقاطع توضيحية لإستراتيجية الجامعة ومواءمتها لرؤية 2030، كنت مستعدة للرد على أي تساؤل يخص المكتب، ولكن الذي وجدته أن كل من اقترب وسأل كان محور اهتمامه إن كنا نقدم وظائف، هنا كنت أمام خيارين: إما أن أخبرهم فقط عن المكتب، وأرسلهم لتكملة رحلة البحث في باقي أرجاء الباحة، أو أن أقدم المشورة المبنية على خبرتي وقراءاتي في مجال التنمية البشرية، فاخترت ألا أرد أي فرد منهم دون أن أساعد على الأقل في تحريك فكره حتى يبحث عن طرق يمكن من خلالها أن يخلق وظيفة لنفسه، إن لم تكن هدفه الأول، تبقى مصدر رزق إلى أن يحصل على الوظيفة التي يصبو إليها. تحدثت كثيرا، وسألت أكثر، كنت أحاول أن أجعل الشباب من الجنسين يفعّلون خيالهم ويبحثون عن الحلول، لن أدّعي أنني نجحت مع الجميع، ولكن وجدت أن عددا كبيرا ممن وصلوا إلينا، استغربوا كيف لم يفكروا بهذه الحلول من قبل، بل منهم مَن فرح وأخذ يستفسر عن المزيد، من أفكار وسبل للتوصل إلى تحقيق فرصة العمل التي توصلنا إليها معا، لم أخترع الذرة ولم آت بجديد، كلّ ما فعلته هو تحريك ما كان في داخلهم أصلا ينتظر أن يخرج ويُفعّل! والذي أسعدني حقا أن بقية أعضاء فريق مكتب تحقيق الرؤية وإدارة التخطيط الإستراتيجي، التقطوا الخيط وساروا على نفس الطريق، بل ما كان لديهم من أفكار وسبل إقناع فاقت ما كنت أقدمه بمراحل! لن أتطرق إلى أسباب ندرة الوظائف، قد تكون من صانعي سياسات التوظيف، أو ضعف في البنية التحتية، أو محدودية فرص الحصول على التمويل للمشاريع الصغيرة أو المبادرات، إن لم يكن وضع شروط تعجيزية تسحب البساط من تحت الهدف الأساسي من تقديمها للشباب أصلا! الذي أعرفه، وتحدّث غيري عنه مرارا وتكرارا، هو عدم التطابق بين التعليم واحتياجات سوق العمل، والذي في رأيي يعتبر العقبة الرئيسية! المشكلة هي أن نظام تعليمنا يقوم على إعداد خريجين باحثين عن عمل وليس خالقي فرص عمل، ولهذا نجد أنهم حين يدخلون إلى سوق العمل يصدمون، ويقف الكثير منهم عاجزين عن التحرك! هنا يأتي دور القطاع الخاص في المساهمة ببناء ودعم أي خطة ناجحة لمواءمة مهارات الشباب مع متطلبات سوق العمل، ليس هذا فقط، بل يجب أن تتم مشاركة القطاع الخاص أيضا في تحسين التعليم والتدريب المهني، لأنه حين يجد أنه أمام ضغط مالي أو خسارة، أول تحرك له يكون في أن يوقف التوظيف، لأن ذلك أسهل بالنسبة إليه من طرد الموظفين أو العاملين الحاليين، وهنا يقف الشباب الباحثون عن فرص العمل في حيرة من أمرهم، إلى أين يذهبون؟ وإلى من يلجؤون؟ كيف نغلق هذه الفجوة؟ من خلال إشراك الطلبة في الأنشطة التجارية، بدءا من المرحلة الثانوية، ومن ثم المرحلة الجامعية، بحيث يتيح لهم ذلك صقل مهاراتهم وخبراتهم بما يكفي ليتمكنوا من بدء مشروعاتهم الخاصة مباشرة بعد مغادرتهم الجامعة، كلما كان الاحتكاك بسوق العمل مبكرا كان التجهيز والإعداد له أفضل، لأنه بهذا أصبح لديهم تصور واقعي وليس مجرد محاضرات ونظريات! إن إشراكهم في خبرات كل خطوة على طريق العمل الوظيفي أو المهني لن يؤدي إلا إلى تعزيز فرص العمل لهم. هل توفير المزيد من التعليم والحصول على شهادات أعلى دليل على ضمان العمل؟ حال السوق يدلي بغير ذلك! فللنظر إلى نوعية التعليم المتوفرة لدينا، هل هي فعلا مفيدة لمساعدة الشباب، بمعنى من خلال فتح فرص عمل أكبر لهم؟ إن ما نحتاجه اليوم في التعليم هو الاستثمار، إضافة إلى تعليم الأساسيات، والاستثمار في تقديم فرص تدريب على المهارات التي تُمكّن هؤلاء الشباب من الولوج في سوق العمل بمساحة كافية من الإمكانات والقدرات للاختيار، وتغيير مسار التخصص إن احتاج الأمر، ولن يتم ذلك إن لم تتم مشاركة سوق العمل، وعلى تنوعه، وإن لم يكن هنالك حافز من الدولة يدفعهم إلى البدء في تقديم فرص التدريب لطلبة الثانوية والجامعة وخلال فترة الدراسة، حيث نجد أن المفتاح هو في تلك المراحل وليس بعد التخرج! فنحن لا نريد أن ننتهي كما حصل مع غيرنا بأن نجد حاملي شهادات تطبيقية مثل الطب أو الهندسة خلف مقود أوبر أو كريم! إن هذا بحد ذاته ليس إهدارا للموارد فقط، بل إهدار لعمر وجهود شباب واعد، يعتبر الثروة الأساس لأي دولة! *نقلاً عن صحيفة الوطن
مشاركة :