مع استمرار فعاليات «مسيرة العودة الكبرى» للأسبوع الثاني على التوالي، بمشاركة واسعة من كافة أطياف الشعب الفلسطيني.. فإن قراءة تطورات المشهد الراهن، داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ـ بحسب تحليل الدوائر السياسية في الغرب ـ تؤكد حقيقة أن «هاجس العودة» أصبح شاغل الفلسطينيين الأوحد، وتصدّر مسيرات المقاومة الشعبية بعد نحو 70 عاما من نكبة اغتصاب الوطن في العام 1948.. وفي المقابل يتصاعد «هاجس القلق» الإسرائيلي من قنبلة موقوتة تهدد كيان الدولة اليهودية. ويشير الباحث البريطاني، مايكل ج. لانس، إلى أن «مخيمات العودة» التي أقامها الفلسطينيون، بالقرب من السياج الإسرائيلي الفاصل عن قطاع غزة، تقابلها داخل البلدات والمستوطنات الإسرائيلية الجنوبية، مشاعر قلق ورعب، رغم محاولات «تطمين» من قوات الجيش الإسرائيلي، وتهديدات وزير الدفاع، للجانب الفلسطيني.. وقال الباحث والمحلل السياسي البريطاني، إن القلق داخل المجتمع الإسرائيلي، دفع كثيرون للمطالبة بالبحث عن حل سياسي للمواجهة، والاستعانة بالأصدقاء للتأثير على الفلسطينيين بضبط النفس والتوافق على مفاوضات سلمية مع إسرائيل!! ويؤكد تقرير صادر عن مركز دراسات متخصص في شؤون العالم العربي، في العاصمة البلجيكية بروكسل، أن القضية الآن داخل إسرائيل، ورغم كل محاولات الترهيب والتهديد والعنف، ورغم الرصاص الذي يحصد أرواح الشهداء، ليست مقاومة فلسطينية شعبية عبر المسيرات بالقرب من الحدود، ولكن عندما كسر الفلسطينيون جدار الصمت حول «حق العودة» الذي أقرته الشرعية الدولية قبل نحو 70 عاما، وكأن الفلسطينيين، أعادوا قضيتهم للمربع واحد، دون التفات للحلول المرحلية. و في المقابل نقلت صحيفة «هآرتس» العبرية، عن ضباط كبار قولهم إنهم يشعرون بالقلق إزاء إمكانية تطور شبه حرب استنزاف على حدود غزة في ظل المظاهرات الحاشدة. كما تخشى أوساط إسرائيلية من ارتفاع عدد الإصابات في الجانب الفلسطيني لأن من شأنه أن يخرج المجتمع الدولي من عدم اكتراثه بما يحدث وتجديد الضغط الدبلوماسي على إسرائيل.. ونقلت «هآرتس» عنهم أيضا إن القيادة السياسية الإسرائيلية ليست مهتمة بتصعيد القتال في قطاع غزة، سواء بسبب الثمن المتوقع للنزاع أو بسبب التطورات ضد إسرائيل على الجبهة الشمالية، حيث توطد إيران من وجودها في سوريا، بموافقة روسيا. وانقسم المعلقون الإسرائيليون في تحليلهم ورؤيتهم لما يتعلق بمسيرات العودة، ويخشى البعض من التهديد الإستراتيجي، للمسيرات التي تحمل «نداء العودة» مما دفع الجيش بتبني منطق القوة المفرطة لكسر إرادة الفلسطينيين بالنار، الذين يطالبون بعد سبعة عقود بكل فلسطين، وأنها حق لأبناء فلسطين مهما طال الزمن.. الأمر الذي وصفه سياسيون ومحللون، «قنبلة موقوته» في وجه دولة الاحتلال، التي تعاني حاليا من دويّ (اختراق حاجز الصمت) حول حق العودة،باعتباره حلما فلسطينيا لن تسرقه منهم كل قوى العالم. ويرى المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل، أن التظاهرات وكثرة عدد القتلى بنيران القناصة، أعادت طرح الموضوع الفلسطيني على جدول الأعمال الدولي، محذرا من أنه إذا تواصلت الاحتجاجات، فمن شأنها أن تولد ضغطاً على إسرائيل، رغم الدعم الجارف لها من قبل الإدارة الأمريكية.. بينما يؤكد المحلل العسكري بصحيفة «يسرائيل هيوم»،يوآب ليمور، أن الأحداث المقبلة ستلامس بشكل مباشر سكان الضفة الغربية، مع التركيز على يوم الأسير، وذكرى النكبة، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ومن الضروري أن يخصص مجلس الوزراء وقتًا لهذا الموضوع هذا الأسبوع، ليس للحلول التكتيكية كما في الاجتماع الأخير، ولكن لمناقشات استراتيجية حقيقية، قبل أن تخرج الأحداث عن السيطرة . المهم اليوم، كما يرى المحلل السياسي،أيمن يوسف أبولبن، أن الفلسطينيين قد حطّموا جدار الصمت ورفضوا القبول بالأمر الواقع، وأعلنوا أن هاجس العودة إلى وطنهم الأصلي هو شغلهم الشاغل، وأنهم ما زالوا يحتفظون بحقوقهم التاريخية، وذكرياتهم ورائحة أرضهم، وأن أحداً لن يسلبهم هذا الحق.. وفي المقابل تعيش دولة الاحتلال في كابوس ليس بسبب جيوشٍ تُرابط على حدودها، ولكن بسبب مخاطر تهاوي فكرة الدولة الصهيونية نفسها.
مشاركة :