وجهت العقوبات الأميركية الأخيرة ضد شركات ومؤسسات ورجال أعمال روس ضربة موجعة للسوق الروسية، وذهب البعض إلى تسمية يوم أمس بـ«الاثنين الأسود» على خلفية الخسائر التي تسببت بها تلك العقوبات لكبار الأغنياء الروس، والتي زادت عن 11 مليار دولار (حتى النصف الأول من يوم أمس).ومع بدء التداولات في السوق أمس، تراجع الروبل الروسي خلال ساعات إلى أدنى مستويات خلال عام 2018 وكذلك سجلت مؤشرات البورصات الرئيسية في موسكو تراجعا حاداً، فضلا عن هبوط ملموس على أسهم عدد كبير من شركات روسية عملاقة، ومؤسسات ائتمانية كبرى، حتى من تلك التي لم تشملها العقوبات الأميركية.وكانت الولايات المتحدة أعلنت نهاية الأسبوع الماضي عن عقوبات جديدة شملت 38 شخصية روسية اعتبارية وطبيعية، وتلك الشخصيات هي سبعة من كبار أغنياء روسيا و14 شركة يملكونها، و17 مسؤولا روسياً. وبررت واشنطن تلك العقوبات بـ«استمرار السلوك الروسي غير المسؤول في العالم كله»، وبصورة خاصة أشارت إلى الوضع في أوكرانيا وسوريا، واتهمت الشخصيات المدرجة على قائمة العقوبات بأنهم «يلعبون دورا رئيسيا» في دعم تلك الممارسات.ولأن العقوبات الأميركية جاءت مساء الجمعة بعد إغلاق السوق الروسية، فقد ظهرت نتائجها منذ الساعات الأولى صباح أمس الاثنين، وخلال التداولات أخذ الروبل الروسي يتراجع بسرعة، وحتى بعد ظهر أمس هبط أمام اليورو بنسبة 3.71 في المائة، وتراجع حتى 74.03 روبل لكل يورو، وكان قد سجل مثل هذا المستوى آخر مرة في مطلع أغسطس (آب) 2016. كما تراجع الروبل أمام الدولار الأميركي بنسبة 3.54 في المائة، ولأول مرة منذ خريف عام 2017 تجاوز عتبة الـ60 بسعر 60.24 روبل لكل دولار، حتى بعد ظهر أمس الاثنين. كما هبطت مؤشرات كبرى البورصات الروسية، وفي ساعات ذروة الهبوط تراجع مؤشر بورصة موسكو بما يزيد على 9 في المائة، بينما تراجع مؤشر (RTS Index)، المؤشر الرئيسي لسوق الأوراق المالية الروسية نحو 11 في المائة تقريباً.أما الشركات التي طالتها العقوبات الأميركية، فقد منيت بخسائر كبيرة أمس نتيجة هبوط أسهمها الحاد في السوق. وعلى سبيل المثال خسرت أسهم شركة «روسالا» الروسية العملاقة للألومنيوم نحو نصف قيمتها، وعلى خلفية تحذير الشركة عن عجز تقني في تسديد بعض القروض بسبب العقوبات، تراجعت أسهمها نحو 46.9 في المائة. ومعروف أن هذه الشركة واحدة من أكبر المنتجين عالميا للألومنيوم، ودخلت ضمن قائمة أغلى عشرين شركة روسية، ويرأسها حاليا رجل الأعمال الروسي الشهير أوليغ ديريباسكا، المقرب من الكرملين، والمدرج على قائمة العقوبات الأميركية. كما لحق الضرر مؤسسات أخرى يسيطر عليها ديريباسكا، مثل مجموعة (En+) التي تراجعت أسهما بنسبة 18.25 في المائة، ومجموعة «غاز» بنسبة 0.07 في المائة.كما هبطت أسهم مؤسسات وشركات أخرى، مثل مصرف «سبير بنك» الروسي العملاق الذي هبط سعر سهمه نحو 20 في المائة، وشركة «روسنفت» هبطت قيمة أسهمها بنسبة 11.04 في المائة، و«نوفاتيك» بنسبة 11.4 في المائة، ومؤسسة «ميتشيل» للمعادن بنسبة 31.99 في المائة، مقارنة بسعر السهم عند آخر إغلاق يوم الجمعة.ودفعت العقوبات مجموعة «رينوفا» التي يسيطر عليها رجل الأعمال فيكتور فيكسيلبيرغ، المقرب أيضاً من الكرملين، والمدرج اسمه على قائمة العقوبات الأميركية، إلى تخفيض حصتها في مؤسسة «سلوتسر» «Sulzer» السويسرية لإنتاج الآليات والمعدات، إلى ما دون الحصة المتحكمة، أي من 63.42 في المائة من الأسهم تملكها «رينوفا» حالياً، حتى 48.83 في المائة من الأسهم، وذلك تفاديا لتأثير العقوبات على الشركة السويسرية. وتعمل مجموعة «رينوفا» في مجالات الطاقة والمعادن وتصنيع الآليات، ومجالات صناعية أخرى. وتنوي الشركة الروسية بيع أسهم قيمتها 37.8 مليار روبل روسي، للشركة السويسرية نفسها، إلا أن الصفقة لن تتم إلا بعد أن تحصل «سلوتسر» على تأكيدات بأن نتائج الصفقة لن تشملها العقوبات.وبشكل عام، أثرت العقوبات الأميركية على معظم من شملتهم من شخصيات طبيعية واعتبارية، وشمل التأثير أسعار أسهم شركات روسية في بورصات لندن وهونغ كونغ. وقدرت «فوربس» إجمالي الخسائر التي أصابت 50 شخصية من كبار الأغنياء في روسيا نتيجة العقوبات الأميركية بنحو 11.7 مليار دولار أميركي. وقالت «فوربس» إن رؤوس أموال المواطنين الروس المدرجين على قائمتها لكبار الأغنياء أخذت تهبط بالتزامن مع هبوط مؤشرات سوق المال الروسية.وكانت قيمة خسائر رجل الأعمال أوليغ ديريباسكا هي الأكبر، وبلغت خلال يوم واحد نحو 1.3 مليار دولار، أو أكثر من ربع ثروته التي كانت تقدر بنحو 6.7 مليار دولار، بينما تراجعت حسب تقديرات «فوربس» يوم أمس الاثنين حتى 4 مليارات فقط. كما بلغت خسائر فلاديمير بوتانين، المالك الرئيسي لشركة «نوريلسك نيكل»، نحو 1.3 مليار دولار، إلا أن بوتانين غير مدرج على قائمة العقوبات الأميركية. وتبحث الحكومة الروسية حاليا كيفية تقديم الدعم للشخصيات والشركات الروسية التي تضررت نتيجة العقوبات.
مشاركة :