دمشق - تشهد قواعد الجيش السوري الثلاثاء حالة استنفار لدى كافة وحداتها غداة تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب برد قوي وقريب، ملوحا بالخيار العسكري بعد تقارير حول هجوم كيميائي وتوجيه أصابع الاتهام إلى دمشق. وتتوعد دول غربية منذ يومين بـ"رد قوي"، وتحدث ترامب عن قرار مهم في "وقت قصير جدا"، فيما أكدت فرنسا أنها سترد في حال تخطت دمشق "الخط الأحمر"، بعد أن تحدث مسعفون عن سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى في هجوم كيميائي مساء السبت في مدينة دوما. وحذرت موسكو حليفة دمشق من "خطورة" الاتهامات، معلنة في الوقت ذاته أنها ستقدم مشروع قرار دولي للتحقيق في الأمر ردا على مشروع آخر قدمته واشنطن، فيما دعت الحكومة السورية الثلاثاء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية للدخول إلى دوما والتحقيق "حول ادعاءات استخدام السلاح الكيميائي". وأفاد المرصد السوري لحقوق الانسان الثلاثاء بأن "قوات النظام ومسلحين موالين لها تواصل استنفارها منذ مساء الاثنين تحسبا لضربات محتملة" تهدد بها الدول الغربية. وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن "عممت قيادة أركان الجيش منذ منتصف الليل تنفيذ استنفار لمدة 72 ساعة على كافة القطاعات العسكرية، المطارات والقواعد" في كافة المناطق الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية وبينها دمشق. وأضاف "هذا الشيء لا يحصل إلا ردا على التهديدات الخارجية. هناك تحصينات وتدريبات للانتشار السريع". ومنذ ورود أول التقارير حول الهجوم الكيميائي، اعتبرت دمشق الاتهامات "فبركات" ولطالما نفت استخدام الأسلحة الكيميائية طوال سنوات النزاع منذ العام 2011، كما تؤكد أنها دمرت ترسانتها في 2013 بموجب قرار أميركي روسي إثر اتهامها بهجوم أودى بحياة المئات قرب دمشق. وخلال جلسة لمجلس الأمن الاثنين، قال ممثل سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري إن الهدف من "الاتهام الباطل" هو "تهيئة الأجواء للعدوان على سوريا على غرار ما فعلته الولايات المتحدة وبريطانيا من جريمة عدوانية موصوفة بحق العراق في العام 2003". وفي البيت الأبيض، قال ترامب الاثنين "نحن بصدد اتخاذ قرار بشأن ما سنقوم به في ما يتعلق بالهجوم المروّع الذي حصل قرب دمشق والذي سيتم الرد عليه، وسيتم الرد عليه بقوة". وأضاف أن القرار سيتخذ "في وقت قصير جدا"، بينما لم يستبعد وزير دفاعه جيمس ماتيس توجيه ضربات عسكرية. ومنذ يومين، تنسق الولايات المتحدة مع فرنسا بشكل أساسي، بعدما هددت الدولتان خلال الفترة الأخيرة بتوجيه ضربات في حال توفر "أدلة دامغة" على هجمات كيميائية في سوريا، خاصة أنه ظهرت منذ بداية العام حالات اختناق وأعراض ضيق تنفس في عدة مناطق أبرزها الغوطة الشرقية قرب دمشق. وقال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية الثلاثاء "إذا ثبتت المسؤوليات وإذا تم تجاوز الخط الأحمر فسيكون هناك ردّ"، بعد مكالمة هاتفية جديدة أجراها الرئيسان الفرنسي ايمانويل ماكرون والأميركي ليلا. وأضاف أن الرئيسين "تبادلا معلومات تؤكد مبدئيا استخدام أسلحة كيميائية"، مشيرا إلى أنهما اتفقا على التحدث مجددا في الساعات الـ48 المقبلة. كما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الداعم للمعارضة السورية، إن منفذي "المجزرة سيدفعون بالتأكيد ثمنا باهظا". وكانت موسكو قد نفت بدورها استخدام دمشق أسلحة كيمياوية، محذرة من سيناريو جاهز لفبركة هجوم كيمياوي مزيف بقصد توريط النظام السوري والتهيئة لتدخل عسكري دولي. وتساءلت روسيا التي تنفي امتلاك النظام السوري لأسلحة كيمياوية، ما الذي يدفع القوات السورية لشن هجوم كيمياوي في هذا التوقيت فيما تفرض سيطرتها على 95 بالمئة من الغوطة الشرقية ولم يبق أمامها إلا جيب صغير هو دوما. وأفاد المرصد السوري عن "21 حالة وفاة السبت جراء الاختناق واصابة 70 آخرين" في دوما، من دون أن "يؤكد أو ينفي" استخدام الغازات السامة. لكن منظمة الخوذ البيضاء (الدفاع المدني في مناطق سيطرة الفصائل)، تحدثت عن أكثر من 40 قتيلا ومئات الاصابات. اجتماع ثان لمجلس الأمن وفي أجواء من التصعيد الكلامي بين موسكو والدول الغربية، يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا ثانيا الثلاثاء حول سوريا حيث من المفترض أن يعرض للتصويت مشروع قرار أميركي لتشكيل "آلية تحقيق مستقلة تابعة للأمم المتحدة" حول استخدام السلاح الكيميائي في سوريا. ومن المرجح ألا توافق موسكو على القرار وهي التي استخدمت الفيتو 11 مرة لصالح دمشق. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الثلاثاء إن "خطورة المزاعم الجديدة تستدعي تحقيقا شاملا يجريه خبراء محايدون ومستقلون ومحترفون". وفي المقابل، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الثلاثاء أن بلاده ستقدم مشروع قرار آخر يطالب بالتحقيق في الأمر. وقال "نحن مهتمون بأن يشارك الخبراء المستقلون في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية" في هذا التحقيق غداة تأكيده أن خبراء عسكريين روس توجهوا إلى دوما ولم يجدوا "أثرا" لمواد كيميائية. وأضاف لافروف "ليتمكن محققو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من القيام بواجباتهم"، عليهم "بالضرورة التوجه إلى المكان". وأعلنت المنظمة الدولية الاثنين أنها تحقق في الأمر. واتهم الكرملين الثلاثاء الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بأنها "ترفض مواجهة الحقيقة". وقال المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف "سلوك الطرق المختصرة واطلاق الأحكام من دون أي تحقيق هي تقاليد قديمة". واعتبر أن التهديد بردّ قوي "يقلص بالتأكيد هامش المناورة بالنسبة للجهود الدبلوماسية". وتأتي التطورات الأخيرة بعد مرور عام على ضربة أميركية استهدفت قاعدة عسكرية في وسط سوريا ردا على هجوم كيميائي اتهمت الأمم المتحدة قوات النظام بتنفيذه وتسبب في مقتل العشرات في بلدة خان شيخون شمال غرب البلاد. وغداة التقارير حول الهجوم الكيميائي، أعلنت دمشق عن اتفاق مع فصيل جيش الاسلام المسيطر على دوما لإجلائه منها، وبدأ تنفيذه بعد ساعات قليلة. وخرجت مساء الاثنين 65 قافلة محملة بمئات المقاتلين والمدنيين باتجاه الشمال السوري. وتتواصل العملية حتى خروج آخر المقاتلين المعارضين من المدينة. وعلى جبهة أخرى، وثق المرصد السوري الاثنين مقتل 22 مدنيا على الأقل، بينهم 12 طفلا في انفجار بمدينة ادلب في شمال غرب البلاد. كما قتل تسعة آخرون لم يعرف ما إذا كانوا من المقاتلين أو المدنيين.
مشاركة :