خارج السرب: كيف تصبح فاسداً في خمس دقائق؟

  • 4/11/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

يراودني حلم منذ زمن طويل يدور حول إصدار كتاب "يترزز" بين إخوته الكتب والمجلدات في معرض الكتاب السنوي، والشهادة لله أتت الرياح دوماً بما تشتهي سفني، فشراع الفكر مفرود وموج الإرادة عالٍ، والحبر مراكبي وعال العال، وشايف البحر شو كبير كُبر البحر بحبك يا قلم، ولكن أيضا ما كل ما يتمنى المرء يدركه اليوم مع الاعتذار لمولانا المتنبي، فحتى إن جرت الرياح وهرولت وعملت شقلبة أمامية وخلفية لأشرعة السفن والبحارة وموج البحار، تبقى المعضلة الكبرى أن عواصف ثقافة مجتمعنا- إلا من رحم الله- تعصف في فنجال تخصيب ذرة معارض الكتاب، وتخضيب الرأس بحناء كتب "تيك أوي" لا شأن لها بثقافة توعيها أو تحاول توسيع مداركها!! وهكذا تأجل مشروعي بين "حانا" جريان الرياح مفصولة عن الخدمة مؤقتا و"طوط طوط"، و"مانا" تمنيات "طيط طيط" ضائعة في طرقات الأحلام، حتى راودتني قبل فترة فكرة "مسك عصا الرياح الهادرة والأمنيات المفقودة من النص". الفكرة تتلخص في مجاراة ما يطلبه جمهور "التيك أويين" العرب وإصدار كتاب يدغدغ مشاعر "جنك أفئدتهم" وفي الوقت نفسه يحمل قيمة توعّي قلوبهم حسب نظام "الضد يظهر حسنه الضد"، فمن أراد الفساد فليتبع مسار سطور الكتاب حتى يصل إلى مبتغاه، ومن أراد الصلاح فليسر عكس سيرها، وليأخذ دوار دعاء الوالدين يمينا وتحفظه السلامة. عنوان الكتاب سيكون "كيف تكون فاسداً في خمس دقائق"، وهو عنوان ليس جاذبا للفراش نحو نار التصفح والشراء فقط، بل من تجربة شخصية سيجذب الفراش والمخدات واللحاف وكل أدوات النوم بالعسل، والذي سأدس فيه سم حروفي طبعاً. وملخصه سيكون شرحا مبسطا لكارما الإفساد حسب المسار الإهليلجي ليوغا "عوذا "وبخمس خطوات سأسردها هنا بالمختصر: 1- أغمض عينيك لدقيقة وتذكر أن كل أوراق شهاداتك وخبراتك لا تساوي في ميزان النجاح قصاصة ورق مكتوباً عليها "هذا ولدنا". ستقول طبعاً من زرع حصد ومن جد وجد، وسأقول لك من جد تتكلم يا مزارع الغفلة! افتح عينيك واستوعب يا رجل وخذ لك شهيقا وزفيرا على حساب أمنا الطبيعة. 2- الآن أغلق عينيك لدقيقة وتذكر أن المجتمع الافتراضي والواقعي كليهما سيصلي دوماً وراء إبداعك بخشوع ودموعه تقطر على لحيته، ولكنه قطعاً سيأكل على مائدة بدع التفاهات رافعا رتويتها للشارب ومطمئنا منشنها للحية، نعم كل بدع موائدهم ضلالة صدقت، وعداك العيب والبلوك أيضا، ولكن من قال إن إبداعك كان يوما ضالة المجتمع، لدرجة أن يمد يده لمساعدتك، يا شيخ صح النوم، افتح عينيك وخذ شهيقا وزفيرا مجانا قبل أن يرفعوا عنهما الدعم ويصير مثقال الأكسجين بدينار. 3- الآن أغلق عينيك وتذكر أن فلاناً صديقك الفاشل المتمايل على ورقتك أيام الامتحانات راجياً إياك بحسرة إجابة الصح والخطأ هو ذاته من تراه متربعاً اليوم على قمة الهرم الوظيفي، ويعلمك الصح والخطأ، وأنت كما أنت ما زلت أبا الهول المكسور خشمه أمام كل حلم أو أمنية وهقوة. هو قطعا ليس أفضل منك، ولكن الدنيا حظوظ أو بمعنى آخر خطوط حمراء مكتوب عليك ألا تتعداها يا ولدي فطريقك مسدود مسدود. افتح عينك وخذ لك كالعادة شهيقا وزفيرا ممزوجا بصوت الزفرات المبهر بنكهة "يا ليل ما أطولك". 4- أغلقهما الآن لدقيقة وتخيل أن ما يقف بينك وبين أحلامك هو مجرد ضمير، نعم ضميرك يقف بينك وبين نعيم عالم أموات الضمير تماما كحال كلب سيبروس في الأوديسا الإغريقية لهوميروس الذي يقف بين الأحياء وعالم الأموات في عالم هاديس، محشوم ضميرك طبعا فهو ليس كلبا، لكنه سيبقى قلباً حارساً، حاول أن تزيحه من طريقك نحو الفساد لتصل إلى عالم أموات الضمير وتعيش بسبات ونبات وتخلف عقارا ودولارات. افتح عينيك ولا تنسَ جلب شهيقك وزفيرك من حضن التنهدات، فلا وقت اليوم للعواطف، فعواصف فنجال واقعنا هادرة ولن ترحم أحداً. 5- أغلق عينيك وتذكر أنك وصلت العتبة الأخيرة، وكل ما بينك وبين الفساد الجميل الرائع هو مجرد خطوة، بعدها ستمشي ملكاً في مجتمعك شيطانا في قلبك، وتذكر أن كل ما تحتاجه في هذا الممشى الرائع نحو المجد هو محاولة التلاعب ببعض المصطلحات الطنانة وتطويعها لمصلحتك، واجعل الوطن على لسانك نوطا في معتقدك، وتذكر أن المقصود بمصالح المواطنين "مصاري المواطنين"، واجعل وعودك بضمانة عرقوب، ودافع عن المقدسات وهرول في مارثون النفاق نحو اتهام الذئاب المظلومة، ولا تنسَ تلطيخ قميص يوسفها بدم حياء وجهك الكذب، واستأجر ألف سنمار ساذج ليدق لك مليون مسمار جحا داخل حيطان قضايا مطاطة، تكسب عيشها من عرق طمام مرحومها ومهاترات تتنطط وراء فلاش ومانشيت لتتراقص على "وحدة نقدية ونص". الآن افتح عينيك للمرة الأخيرة، و"كل ملبن" كما تشتهي، ودع الشهيق والزفير والتنهدات والزفرات لضحاياك يا فاسدنا العظيم المبجل.

مشاركة :