لندن – يزداد يوما بعد يوم إصرار الحكومة التركية على انتهاج ممارسات اقتصادية لا يمكن وصفها سوى بالطائشة، في وقت ينبئ فيه تطبيقها لنظريات اقتصادية غير واقعية بتعرض قيمة الليرة للمزيد من التدهور في الأشهر المقبلة. أي تحليل اقتصادي للوضع الحالي في تركيا سيشير بكل تأكيد إلى معدل التضخم، باعتباره سببا رئيسيا لمحنة الليرة، إلى جانب سعي الحكومة اللاعقلاني لتحقيق معدل نمو اقتصادي يتجاوز 5 بالمئة في عام 2018 بعد أن وصلت نسبة النمو إلى 7.4 بالمئة العام الماضي. وكما كشفت بيانات شهر مارس، تزداد ظاهرة “التضخم الناتج عن القصور الذاتي” قوة مع وصول معدل التضخم الأساسي إلى 11.44 بالمئة، كما سجل تضخم أسعار الاستهلاك في تركيا معدلا في خانة العشرات ليصبح من الصعب السيطرة عليه في الفترة القليلة المقبلة، ويأتي كل هذا فيما يواصل الأتراك تحـويل مدخراتهم إلى العملـة الصعبة. ويمكن رصد موجة الهروب من الليرة من خلال حساب نسبة ودائع العملات الأجنبية إلى المخزون النقدي، والتي تقترب الآن من 40 بالمئة مقارنة بنحو 33 بالمئة قبل عام تقريبا. 5 ليرات لليورو الحاجز الذي انحدرت إليه العملة التركية أمس وبلغت أيضا أدنى مستوياتها مقابل الدولار ويضاف إلى ذلك، وجود حلقة مفرغة بين انخفاض قيمة الليرة وارتفاع نسبة التضخم الأساسي بسبب ضغوط زيادة تكاليف استيراد السلع الاستهلاكية. ولا يبدو أن هذه الدائرة ستنتهي قريبا. كما أن معدل تضخم أسعار المستهلكين الذي وصل إلى 15 بالمئة سيستمر في فرض المزيد من الضغوط في ما يتعلق بتراجع القدرة الشرائية للمواطنين. ويبدو من المؤكد أن يؤدي الأداء المزري لليرة في النصف الثاني من شهر مارس، والذي من المتوقع أن يتواصل في الشهر الحالي أيضا، إلى ارتفاعات جديدة في معدل تضخم أسعار المستهلكين على مدى شهرين مقبلين على الأقل. كان من الممكن أن يسهم النمو الاقتصادي في خفض التضخم لو أن صعوده جاء بفضل عوامل دفع طبيعية، لكن وفقا للبيانات الأخيرة، فإن معدلات النمو بدأت في التراجع، بينما تشير مؤشرات ثقة المستهلكين والشركات، والأهم من ذلك، معدلات نمو القروض في البنوك الخاصة، إلى وجود تباطؤ في الطلب المحلي. وفي ظل تكهنات متصاعدة بشأن إمكانية إجراء انتخابات مبكرة في الصيف، أعلنت الحكومة أنها بصدد الكشف عن سلسلة جديدة من الإجراءات الرامية إلى تعزيز النمو الاقتصادي ولو بثمن باهظ. من الصعب تخيل كيف يمكن لهذه الإجراءات أن تؤدي إلى تعزيز الطلب، خاصة مع وصول معدلات الودائع المصرفية إلى 14 بالمئة وتراجع معدلات الإقراض إلى 16 بالمئة. وبالتالي، من الأرجح أن تؤثر الإجراءات الجديدة بالسلب على التوازن المالي في تركيا لأنها ببساطة تفتقر إلى أهداف متسقة ومتماسكة. أردوغان يتحدى النظريات الاقتصادية للفوز في الانتخابات حتى لو أدى ذلك إلى انهيار الاقتصاد التركي أردوغان يتحدى النظريات الاقتصادية للفوز في الانتخابات حتى لو أدى ذلك إلى انهيار الاقتصاد التركي وقد اتضحت الأخطار أمس حين انحدرت الليرة مجددا إلى مستويات قياسية متدنية مقابل الدولار واليورو في وقت هبطت فيه الأسهم بنسبة 2.6 بالمئة، في ظل قلق المستثمرين بشأن التضخم وتوقعات ميزان المعاملات الجارية فضلا عن التوترات الجيوسياسية المرتبطة بالتدخل التركي في سوريا. ولامست العملة التركية أدنى مستوى على الإطلاق عند 4.1394 ليرة للدولار بينما هوت إلى مستوى قياسي مقابل العملة الأوروبية عند 5.1166 ليرة لليورو. ويبدو أن مصدر التهديد الأخطر بالنسبة لليرة هو التفاقم السريع للعجز التجاري التركي. وتشير البيانات الرسمية إلى أن العجز التجاري قفز في أول شهرين من العام الحالي بنسبة 84 في المئة ليصل إلى 15 مليار دولار. وبسبب التأثير الأساسي لمعدلات التضخم، يتوقع المحللون أن تتباطأ وتيرة النمو بدءا من منتصف الربع الثاني. ومع ذلك، لا توجد أي إمكانية لحدوث انكماش في مستويات العجز الخارجي، نظرا لأن الحكومة تدفع في اتجاه تحفيز النمو القائم على الطلب المحلي مهما كانت التداعيات الجانبية الخطيرة. وبدمج هذا التوجه مع اتجاه الأسواق في دول الاتحاد الأوروبي إلى طلب المزيد من السلع التركية، فإن الزيادة المستمرة في واردات السلع الوسيطة المستخدمة لأغراض التصدير، تعني أن نسبة العجز في الحساب الجاري إلى الناتج المحلي الإجمالي ستستمر في الصعود إلى نحو 6 بالمئة بحلول نهاية عام 2018. وهناك أيضا عبء رصيد الدين الخارجي الضخم لتركيا، والذي وصل حاليا إلى 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. ويضاف إلى ذلك الوضع قصير الأمد للاحتياطيات بالعملة الأجنبية في قطاع الشركات، والذي يمثل الآن حوالي 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك متطلبات الاقتراض الخارجي المتداول على مدى 12 شهرا والذي وصل سقفه إلى 230 مليار دولار. كل تلك العوامل الحاسمة من شأنها إضعاف الليرة أكثر وأكثر في الأشهر القادمة.
مشاركة :