أردوغان يدعو إلى التخلص من رئيس حكومة «دولة شقيقة»

  • 4/11/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

منذ عشرين سنة تقريباً، وبالتحديد منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم التركي في 2002، لم تشهد العلاقات بين تركيا والولاية العثمانية السابقة التي أضحت دولة مستقلة (كوسوفو) مثل هذا التوتر، ومثل هذا الخروج عن العرف الديبلوماسي الذي يدفع رئيس دولة (أردوغان) إلى حضّ شعب دولة أخرى على إسقاط رأس السلطة التنفيذية في دولة أخرى (كوسوفو) لأنه احتج على تدخل الاستخبارات التركية في شؤون بلاده وقيامها بخطف وترحيل ستة مواطنين أتراك يعملون في مدرسة تابعة لشبكة مدارس الداعية فتح الله غولن في كوسوفو في يوم الخميس 29 آذار (مارس) المنصرم. كان الخبر الأول المفاجئ في ساعات الصباح توقيف ستة أتراك من مديري ومدرّسي مدرسة «محمد عاكف» المعروفة التابعة لمؤسسة «غُلستان» التي هي جزء من الشبكة التعليمية الدولية للداعية فتح الله غولن، فقد كشفت الطبعات الإلكترونية من الصحف الكوسوفية (كوها ديتوره، زيري، إكسبرس... إلخ) عن قيام الشرطة الكوسوفية بتوقيف الأتراك الستة خلال توجه بعضهم إلى العمل أو في حضور طلابهم، مع امتلاكهم إقامات نظامية وعدم ارتكابهم أي مخالفة لقوانين الإقامة أو العمل، وتسليمهم فوراً للطرف التركي (الاستخبارات التركية التي كانت حاضرة) الذي قام بترحيلهم في طائرة خاصة. وكشفت الصحف عن أسماء هؤلاء الستة ومراكزهم: مصطفى درم المدير العام لمدرسة «محمد عاكف» في بريشتينا ونائب المدير العام يوسف كارابينا، مدير مدرسة «محمد عاكف» في جاكوفا قهرمان دنيز والمدرسان في هذه المدرسة جيهان روزكان وحسن غوناكانا.   المفاجآت والدلالات جاءت التصريحات الأولى الصادمة من كبار المسؤولين في الدولة، فقد خرج رئيس الحكومة راموش خير الدين مذهولاً ليعترف بأن لا علم له بما جرى في الدولة التي هو رأس السلطة التنفيذية فيها، باعتبار أن نظام الحكم فيها نيابي، وكذلك كان الأمر مع الرأس الثاني (رئيس البرلمان) قدري فيصلي الذي اعترف بعدم معرفته أو إعلامه بما حدث في كوسوفو خلال يوم «الخميس الأسود». وما لم يقله رئيس البرلمان قاله مستشاره بليريم لطيفي بأنه «لا يجوز اعتقال أحد من دون إجراءات قضائية، وبالتالي فإن ما حدث يعد انتهاكاً للدستور والقوانين». ولكن الموقف الأشد جاء من وزير الخارجية، المعروف بعلاقته الجيدة مع تركيا التي زارها أخيراً، عبر بيان قوي اللهجة يدين بأقسى العبارات ما حدث باعتباره «ينتهك المعايير الديموقراطية المعاصرة». وفي غضون ذلك جاءت المفاجآت الأخرى مع نشر صور المواطنين الأتراك الستة «بعد ترحيلهم إلى تركيا» ليتبين مع تحليل الصور أنها كانت من داخل السفارة التركية في بريشتينا، قبل أن يتم نقلهم بسرية إلى مطار بريشتينا ونقلهم في طائرة خاصة في غفلة عن كبار المسؤولين. وفي وضع كهذا لم يكن أمام رئيس الحكومة سوى أن يقيل في صباح اليوم التالي (الجمعة 30/3/2018) وزير الداخلية فلامور سيفا ورئيس الوكالة الكوسوفية للاستخبارات AKI دريتون غاشي التي كانت متورطة في العملية.   «إخوة أردوغان» في كوسوفو وفي الوقت الذي كانت فيه الأنظار تتجه إلى الخطوة التالية، بعد أن كُشف أن رئيس الجمهورية هاشم ثاتشي هو الوحيد العارف والمشارك في ما حدث، جاءت المفاجأة من تركيا حيث شن الرئيس أردوغان هجوماً عنيفاً على رئيس الحكومة الكوسوفية لاحتجاجه على «خطف» الأتراك الستة وترحيلهم بهذه الطريقة إلى تركيا. ففي هذه الكلمة التي بثّت مترجمة إلى الألبانية أيضاً، انتقد أردوغان رئيس الحكومة خير الدين لإقالته المسؤولين المذكورين واصفاً إياه بأنه «لعبة تحركها خيوط الآخرين». ولم يكتف أردوغان بذلك بل احتد وقال موجهاً الكلام إلى خير الدين :»إن موقعك (كرئيس حكومة) ستخسره قريباً.. كيف لك أن تقبل بوجود هؤلاء الذين قاموا بمحاولة انقلاب في تركيا التي تعتبر كوسوفو دولة شقيقة؟»، ليصعّد الخطاب بحض الكوسوفيين على إسقاطه :»إن أخوتي الكوسوفيين لم يعودوا يرون فيك أي صدقية، وإن أخوتي الكوسوفيين سيجعلونك تدفع الثمن»! وعلى رغم أن خير الدين لم يشأ الرد مباشرة بل انتهز بعد يومين فرصة للاحتفال بالبطل القومي الألباني إسكندر بك الذي قاوم «الاحتلال العثماني» لبلاده ليوجّه الرد المتوقع على أردوغان في مقابلة مع «صوت أميركا»، فاعتبر ما حدث «نوعاً من خطف البشر من كوسوفو»، ووجه حديثه إلى أردوغان بالقول: «إننا لا نتدخل في الشؤون الداخلية لتركيا، كوسوفو دولة مستقلة وعليهم (الأتراك) أن يحترموا الدستور والمؤسسات في بلادنا» (كوها 2/4/2018). وفي غضون ذلك جاءت مواقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتدعم رئيس الحكومة في معارضته للتدخل التركي في الشؤون الداخلية لكوسوفو. فقد أصدر الاتحاد الأوربي في اليوم الثاني (3/4/2018) بياناً اعتبر فيه أن «اعتقال وترحيل ستة مواطنين أتراك يتمتعون بإقامات نظامية في كوسوفو يتعارض مع المبادئ الأساسية للاتحاد الأوربي». ومن ناحية أخرى، أيدت الخارجية الأميركية دعوة رئيس الحكومة إلى إجراء تحقيق لكشف ملابسات هذا الاختراق التركي لكوسوفو.   حملة تشهير أردوغانية ضد خير الدين هذا الموقف لرئيس الحكومة خيرالدين برفض «التدخل التركي في الشؤون الداخلية في كوسوفو» أطلق حملة تشهير في الصحافة التركية المؤيدة لأردوغان ضد خير الدين، الذي لم يقبل بـ «الأخوة» التي يروج لها أردوغان بين الأتراك والألبان: «ليس أخاً لي، أنا ألباني ويمكن أن أعتبره صديقاً أو شريكاً، ولكن ليس أخاً». وشهّرت صحيفة «يني أكيت» المؤيدة لأردوغان بخير الدين، مركّزة على تعاطيه الكحول وعدم تديّنه مستشهدة بتصريح يقول فيه :»ولدت مسلماً ولا أعرف لماذا أنا مسلم، لم أكن في الجامع مرة واحدة في حياتي» (زيري 4/4/2018). ولكن المــراقبين يعتبرون أن صدقية كل من أردوغــــان وخير الدين في الميزان الآن بعد هذه «المواجهة»، فخير الدين لم يعد يتمتع بغالبية برلمانية كافية في البرلمان الكوسوفي (52 صوتاً من أصل 120)، ولكن أحزاب المعارضة ذات التوجه القومي العلماني القوي في كوسوفو («الرابطة الديمـــوقراطية» التي أسسها الراحل إبراهيم روغوفا وحزب «تقرير المصير» الذي يـــرأسه ألبين كورتي) يمكن أن تؤمن له الــتغطيــــة المطـــلــــوبة بحكم موقفها المعارض للأردوغانية. والدليل على ذلك تصويت الغالبية في الجلسة الطارئة للبرلمان التي امتدت حتى ساعات متأخرة من ليل 4/4/2018 على تشكيل لجنة تحقيق برلمانية تملك صلاحية الاطلاع على كل الملفات وإصدار التوصيات. ففي هذه الجلسة الطارئة التي خُصّصت لمناقشة «خطف» المواطنين الأتراك من أنصار غولن لم يكن هناك سوى صوت معارض هو النائب فكريم دامكا الذي يمثل الأقلــــية التركية في كوسوفو (أقل من 1 في المئة) الذي اعتبر أن هؤلاء الأتراك الذين تـم تسليمهم للاستخبارات التركية «جزء من منظمة إرهابية» (كوها ديتوره 5/4/2018). ومن ناحية أخرى، لا يمكن الرئيس أردوغان أن يقبل بعد تصريحاته النارية بوجود أو استمرار خير الدين رئيساً للحكومة بعد عدم استجابة «الإخوة الكوسوفيين» لدعوته إلى إسقاط خير الدين، ولذلك سيحاول بالاعتماد على رئيس الجمهورية هاشم ثاتشي (الذي امتدحه في تصريحاته لتعاونه في العملية المذكورة) أن يحدث هزة داخل الائتلاف الحكومي تؤدي للدعوة إلى انتخابات مبكرة تسبقها حكومة انتقالية. ولكن مثل هذه الخطوة إن جرت يمكن أن تجعل الموقف من تركيا الأردوغانية موضوعاً رئيسياً في الحملة الانتخابية، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تحالف أحزاب على هذا الأساس بالنظر إلى المزاج العام الذي تعبّر عنه الصحافة المحلية. فقد نشرت الصحف مثلاً تصريح رئيس الكتلة البرلمانية لحزب «المبادرة لأجل كوسوفو» دريتون سلماني الذي قال: «لم نتحرر (من صربيا) لكي نقع في احتلال آخر (تركي)» (إكسبرس 4/4/2018) . ومن ناحية أخرى فقد دعت «حركة تقرير المصير» التي فازت بأكثر الأصوات في انتخابات 2017، إلى البدء بإجراءات عزل رئيس الجمهورية لانتهاكه الدستور بتجاوز صلاحياته وتسهيله تنفيذ العملية التي أدت إلى «خطف» المواطنين الأتراك. النتيجة المؤكدة لكل ذلك أن ما حدث مع «خطف» المواطنين الأتراك الستة أساء إلى صورة كوسوفو في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حيث خرجت احتجاجات أمام السفارات الكوسوفية، وهو لن يتكرر بعد الآن مع وجود أكثر من مئتي تركي من أنصار غولن يعملون في المؤسسات التعليمية والثقافية الموجودة في كوسوفو.

مشاركة :