بعد أيام من إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أنه يريد سحب قوات بلاده من سورية، قام جيش النظام السوري بضرب إحدى ضواحي دمشق بقنابل، قال عمال الإسعاف إنها كانت كيماوية. وفي غضون ساعات، انتشرت صور الضحايا في منازلهم، ما يهدد بجعل ترامب يغير حساباته في سورية، وربما يتورط بعمق في حرب الشرق الأوسط، التي أراد الابتعاد عنها. وكتب تغريدة، قال فيها «كان هناك العديد من الموتى، بمن فيهم النساء والأطفال، في هجوم كيماوي غير عقلاني»، وتوعد النظام السوري بدفع الثمن. وقال المستشار الأمني الداخلي للرئيس، توماس بوسيرت، إن فريق مجلس الأمن القومي كانوا يناقشون ردوداً محتملة، ولم يستبعد شن ضربات صاروخية. - انسحاب الأميركيين من سورية سيسبب صداعاً لبوتين، الذي أعلن مراراً أن «المهمة أنجزت»، لكنه لم يتمكن من إعادة القوات الروسية إلى الوطن. - رد ترامب الغاضب على الضربة الكيماوية الأخيرة في دوما، عكس ردة فعل شبيهة بما فعله، إثر مقتل العشرات في شمال شرق سورية، العام الماضي، بعد هجوم كيماوي. موقف متضارب ويبدو أن الهجوم الكيماوي على ضاحية دوما، القريبة من دمشق، يوم السبت الماضي، وضع الرئيس في مواقف متضاربة، في ما يتعلق بمستقبل الولايات المتحدة في سورية. فمن ناحية، أكد ترامب سابقاً نيته الانسحاب من سورية، في أسرع وقت ممكن. ومن ناحية أخرى، تعهد بمعاقبة الأشرار، وبناء عليه فإن انسحابه من سورية سيجر عليه الكثير من الانتقادات في الداخل والخارج. وعندما أوقف ترامب تمويل نحو 200 مليون دولار، كانت مخصصة للقوات الأميركية في سورية، وأعلن عن نيته سحب تلك القوات، سارع مساعدوه إلى إبلاغه بأن هذا الانسحاب السريع ستكون له مساوئ كثيرة. وكان خصوم الولايات المتحدة قد رحبوا بسحب ترامب قواته، بيد أن حلفاء واشنطن في المنطقة رفضوا ذلك. وهم يرون أن القوات الأميركية يجب أن تبقى لموازنة الوجود الروسي، الذي يعتبر سورية قاعدة استراتيجية له في الشرق الأوسط، وإيران التي تقوم مع وكلائها بتشييد بنية تحتية لها في سورية أيضاً. ويمكن أن يترك انسحاب القوات الأميركية الباب مفتوحاً لعودة تنظيم «داعش» الإرهابي إلى أجزاء من سورية، وهو السبب الرئيس لوجود الولايات المتحدة هناك. وليس هناك ما يمنع ترامب من توجيه ضربات صاروخية إلى غرب سورية، حيث وقعت الهجمات الكيماوية، وفي الوقت نفسه يعمل على سحب القوات الأميركية، البالغ قوامها 2000 جندي، والتي كانت مهمتها الرئيسة ضرب «داعش»، لكن التأرجح بين الانسحاب أو الانخراط عميقاً في المنطقة، دون وجود استراتيجية واضحة للمنطقة، من شأنه أن يربك الحلفاء والأعداء معاً. وقال بعض السياسيين، ومن ضمنهم السيناتور الجمهوري عن ولاية أريزونا، جون ماكين، إن حديث ترامب عن الانسحاب شجع الرئيس السوري بشار الأسد على استخدام الأسلحة الكيماوية. ولم يكن من الواضح، يوم الأحد الماضي، ما إذا كانت تغريدة الرئيس ترامب تعكس تخطيطاً جدياً من أجل توجيه ضربة عسكرية، أو تغيير حسابات الرئيس حول ضرورة سحب القوات الأميركية من سورية. لكن رد ترامب الغاضب على الضربة الكيماوية الأخيرة في دوما، عكس ردة فعل شبيهة بما فعله إثر مقتل العشرات في شمال شرق سورية العام الماضي، بعد هجوم كيماوي. وفي غضون ثلاثة أيام من الهجوم، وجه ترامب ضربة بالصواريخ إلى قاعدة جوية، انطلق منها الهجوم. لكن ضربات الصواريخ الأميركية في شهر أبريل الماضي كانت استثناء، إذ رفضت الولايات المتحدة التدخل في الحرب السورية، رغم حدوث ضربات عدة، نجم عنها سقوط عدد أكبر من الضحايا. وقال المستشار السابق عن الشرق الأوسط في إدارات أميركية ديمقراطية وجمهورية، أرون ديفيد ميللر، معلقاً «تجاهلت إدارة ترامب هجمات تقليدية على المدنيين، وأخرى كيماوية، نجم عنها مقتل عدد أكبر بكثير مما نجم عن الهجوم الأخير». وأدت سبع سنوات من الحرب إلى تفتيت سورية، وتدخل العديد من القوى الأجنبية، التي سعت إلى دعم مصالحها. وخلال هذه الفترة، قامت إيران وروسيا بتقديم دعم كبير للرئيس الأسد. وفي البداية، كانت الإدارة الأميركية تستعد لمغادرة السلطة، وقدمت بعض الأسلحة والأموال، لكنها فقدت الأمل في إطاحة الأسد منذ زمن بعيد. حماية المكتسبات وتوجد القوات الأميركية في شمال شرق سورية حالياً، حيث أقامت حلفاً مع ميليشيات كردية، تدعى «قوات سورية الديمقراطية» لمحاربة تنظيم «داعش»، الذي فقد معظم المناطق التي كان يسيطر عليها، الأمر الذي منح حلفاء أميركا سيطرة على مناطق كبيرة، وقاموا بتأسيس إدارة محلية واصطدموا أحياناً بقوات النظام السوري، وحلفاء روسيا وإيران. وبناء عليه فإن أنصار بقاء القوات الأميركية في الإدارة الأميركية، يرون أن بقاءها يعمل على حماية هذه المكتسبات. وكان الجدل الدائر في واشنطن، مفاده أن ترامب يريد سحب القوات الأميركية بعد هروب «داعش» من معظم مناطقها، لكنّ القادة العسكريين كانوا يرون عكس ذلك، إذ إن بقاء الجيش الأميركي يساعد على استقرار هذه المناطق وإعادة اللاجئين إليها، إضافة إلى الإسهام في إعادة البناء. ورأى القادة العسكريون أن التحالف مع «قوات سورية الديمقراطية» هو مكسب استراتيجي لأميركا. وقال قائد التحالف ضد «داعش»، اللواء بول فانك، في فبراير الماضي، خلال لقاء مع القيادة العسكرية في شمال سورية: «كنا هناك دائماً من أجلهم، وسنبقى كذلك». وقامت تركيا بغزو منطقة عفرين الكردية في شمال سورية، الشهر الماضي، وهددت بالزحف شرقاً إلى حيث توجد القوات الأميركية، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى محاربة أعضاء من حلف الناتو بعضهم بعضاً. أكبر المستفيدين وبالطبع، فإن أكثر المستفيدين من الانسحاب الأميركي هو ايران، وهي دولة يعتبرها ترامب مسؤولة عن العديد من المشكلات في الشرق الأوسط وتعهد بمعاقبتها. ورحبت روسيا أيضاً بانسحاب القوات الأميركية. وقال نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الروسي، أندريه كليموف: «كلما كان تدخل الأميركيين أقل، كان ذلك أفضل للجميع». وبالطبع، فإن انسحاب الأميركيين سيجعل روسيا في وضع القوة العظمى، التي لا منازع لها في الشرق الأوسط، وسيزيد توهج سمعة بوتين، باعتباره أستاذ المناورة على المسرح الدولي. لكن من ناحية لابد من الإشارة إلى أن انسحاب الأميركيين سيسبب صداعاً لبوتين، الذي أعلن مراراً وتكراراً أن «المهمة أنجزت» في سورية، لكنه لم يتمكن من إعادة القوات الروسية إلى الوطن. ويمكن أن يؤدي انسحاب القوات الأميركية إلى تورط روسيا في فاتورة إعادة البناء، حيث تم تدمير العديد من المدن، ومعظم البنية التحتية. وكان بوتين قد دعا إلى «استثمارات ضخمة» من الدول الغنية، للمساعدة في إعادة بناء سورية، وقال إنه يريد منهم «أن يكونوا فاعلين عملياً، وليس كلامياً»، لكن الدول الغربية من غير المحتمل أن تقدم المساعدة، طالما أن الأسد بقي في السلطة. وكان الجدل حول قرار البقاء أم الانسحاب، هو تجربة الأميركيين المريرة في العراق. وفي عام 2011، وبعد سنوات من القتال المرير هناك، أعلنت القوات الأميركية انتصارها على المعارضة العراقية، (انضم قسم كبير منهم لاحقاً إلى تنظيم «داعش»)، وانسحبت إلى بلادها. وبعد مرور ثلاث سنوات على ذلك، عاد مسلحو «داعش»، واحتلوا ثلث العراق، وجزءاً كبيراً من سورية.
مشاركة :