«فكر 16»: الفقر والبطالة والتـدخّلات الخارجية والإرهاب أهم جذور الفوضى في العالم العـربي

  • 4/12/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

شهدت فعاليات اليوم الثاني من مؤتمر «فكر 16» المنعقد في دبي بعنوان «تداعيات الفوضى وتحديات صناعة الاستقرار»، أربع جلسات متزامنة، تمحورت حول بحث جذور الفوضى وأسبابها ومظاهرها ونتائجها في العالم العربي. واتخذت الجلسات عناوينها من الأسباب المختلفة للفوضى: «الفقر والتفاوت والبطالة» و«اختلال العمل السياسي»، و«التدخلات الخارجية»، و«التطرف والإرهاب». وشارك في الجلسات 20 خبيراً من أرجاء الوطن العربي. اختلال آليات العمل السياسي وفي التفاصيل، تناولت جلسة «اختلال آليات العمل السياسي»، العوامل السياسية وتقصير المؤسسات المعنية في التعبير عن المطالب الشعبية وضعف المشاركة العامة فيها. وتحدث خلال الجلسة أستاذة العلوم السياسية، الدكتورة فاديا كيوان، التي اعتبرت أن العمل السياسي يتمحور حول إدارة الشأن العام الوطني والشؤون الدولية ذات الاهتمام المشترك لكل الشعوب، مبينة أسباب عدم الاستقرار العائدة إلى أحداث سبتمبر 2001 وتصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. واعتبرت أن معالجة هذا التصدع تكمُن في إعادة التواصل بين الحكام والشعوب. من جانبه، رأى المفكر العراقي، الدكتور عبدالحسين شعبان، أنه كلما انحدر الكلام على السياسة ازدادت الحاجة إلى إيلاء اهتمام أكبر بها كعلم. وتوقف عند تحديات الدول العربية والإسلامية، مختصراً أهم التحديات التي تُواجهها، منها الشرعية السياسية وأحد مظاهرها ما أُطلق عليه «الربيع العربي»، وقد جلب معه الفوضى، ثم الحداثة السياسية والكوابح التي تعترض طريقها من جانب الثقافة التقليدية السائدة والمؤسسة الدينية، والمواطنة الحيوية والجامعة التي تندرج بعنوانها: مبادئ الحرية والمساواة والعدالة. ورأى أستاذ علم الاجتماع في جامعة البحرين، الدكتور باقر النجار، أن العالم العربي يُحاط بأمم ومجتمعات، استطاعت تجاوز كبواتها وإخفاقاتها الاقتصادية والسياسية، وتحديداً مجتمعات شرق آسيا وبعض المجتمعات الإفريقية وأميركا اللاتينية، مشيراً إلى أن هذه الأمم فرضت نمطاً جديداً من العلاقة مع الخارج سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً. من جانبه، قدم أستاذ معهد العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر، الدكتور عمار جفال، قراءة في الخطاب الاحتجاجي لما يُسميه بـ«الانتفاضات الشعبية»، التي بدأت في تونس وامتدت إلى دول عربية أخرى، متوقفاً عند المعوقات المشتركة للعمل السياسي في العالم العربي. وانتقدت أستاذة الحضارة العربية والإسلامية في جامعة تونس المنار، الدكتورة ناجية الوريمي، ضعف مفهوم «المواطنة»، لافتة إلى أن الواقع العربي يشهد اليوم أكثر من أي وقت مضى تحولات وتطورات مُربِكة، تُطرح على المثقفين والخبراء وصُناع القرار، تتطلب مقاربات واعية بضرورة الوقوف على مختلف العوامل والأوضاع التي جعلت طريق النهوض العربي متتالي العقبات، لعل آخرها عقبة «الفوضى» و«الاضطراب» و«اللانظام». التدخلات الخارجية وتناولت جلسة «التدخلات الخارجية» الدور التركي والإيراني في النزاعات العربية من خلال سعيهما للتدخل في الشؤون الداخلية العربية، فضلاً عن دور الكيان الصهيوني في استغلال وضع المنطقة. وخلال الجلسة، رأى الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، الدكتور مصطفى البرغوثي، أن ما يحكم الصراعات والاتفاقات في عصرنا الحاضر هي المصالح، معتبراً أن المواجهة مع إسرائيل هي الأخطر بين الدول الإقليمية والدول العظمى (الصين، الولايات المتحدة، روسيا)، على اعتبار أن طموحاتها لا تقتصر على فلسطين، مؤكداً أنها تستفيد من الخلافات العربية العربية، ولا تريد حلاً وسطاً مع العرب بل تطبيعاً كاملاً من دون مقابل. فيما رأى مدير المعهد العالي للعلوم السياسية والإدارية في جامعة الروح القدس – الكسليك، السفير الدكتور ناصيف حتى، أن هناك قوتين جارتين للنظام الإقليمي العربي (إيران وتركيا)، استيقظ لديهما الدور الإمبراطوري، فقررتا العودة إليه بعناوين واستراتيجيات مختلفة. وتحدث الرئيس السابق لمجلس المستشارين في المغرب، الدكتور محمد الشيخ بيد الله، في مداخلته عن مدى إمكانية مقاربة الفوضى وما يقع الآن أمام أعيننا من دون العودة إلى اتفاق سايكس بيكو، ومؤتمر برلين لتقسيم إفريقيا، ومؤتمر الصخيرات لتقسيم المغرب، ووعد بلفور المشؤوم. وأوضحت رئيسة مركز الإمارات للسياسات، الدكتورة ابتسام الكتبي، أن التدخلات الإيرانية والتركية في النزاعات العربية ستكون من الملفات الأساسية التي ستناقشها القمة العربية الـ29 التي ستستضيفها السعودية في 15 الشهر الجاري في الظهران. ورأت أن هذا التدخل يعكس تزايد الأخطار التي يتعرض لها الأمن القومي العربي، فهناك تدخلات إقليمية تستهدف النَّيل من أمن الدول العربية واستقرارها، تأتي من قِبل إيران وإسرائيل وتركيا، ومن الأهمية بمكان، ومن أجل مواجهة هذه التدخلات والتحديات، العمل على استعادة كل ثقل عربي ممكن. وفي ما يتعلق بلبنان، أشارت إلى أن التوجه السعودي - الإماراتي يكون بدعم مؤسسات الدولة، وهذا يعني عدم بناء سياسة خليجية إزاء لبنان على أساس ما يصدر من مواقف عدائية عن «حزب الله» أو غيره. وتحدث رئيس مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية في السعودية، الدكتور محمد بن صقر السلمي، عن تدخل دول الجوار العربي وتأجيج الصراعات العربية، واعتبر أن إيران تأتي على رأس دول الجوار المؤججة للصراعات الداخلية العربية. ورأى أن إيران تقوم بدور أساسي في الصراع السوري الداخلي، وتُذكي التباعد السني الشيعي بين الفصائل العراقية، وتُصدع البنية الوطنية اللبنانية عبر سياسات «حزب الله» التابع لها. أما على صعيد الصراعات العربية الخارجية، فهي تعمل على زيادة التباعد بين قطر والدول العربية الأربع الرافضة لدعم الإرهاب، وزيادة تواجدها الاقتصادي والسياسي في قطر، والعمل على إنشاء تحالف معها يضم غيرها من الدول الخليجية. ورأى أن تركيا تأتي في المرتبة الثانية بعد إيران، فهي تؤدي الدور ذاته في سورية، وإن كان على الجبهة الأخرى، وتدعم فصائل الإخوان المسلمين في كل من مصر وليبيا وتونس، وتتبنى الموقف الإيراني نفسه من الأزمة القطرية. وتحدث أمين عام جامعة الدول العربية السابق، نبيل العربي، عن خطورة الإرهاب العشوائي الذي تعانيه المنطقة العربية، مستشهداً بقول لبن غوريون مفاده أن «قوة إسرائيل ليست فحسب بأسلحتها بل بالفوضى في الدول العربية». ولفت إلى أن إسرائيل رفضت مبادرة السعودية عام 2002، وهي تعتمد سياسة الاستفادة من الوقت. الفقر والتفاوت والبطالة وعُقدت الجلسة الثانية بعنوان «الفقر والتفاوت والبطالة»، أدارتها نائب المدير للشؤون الإدارية في جامعة السوربون في أبوظبي الدكتورة فاطمة الشامسي. وناقشت الجلسة الأسباب الاقتصادية التي تخلق البيئة المواتية للفوضى والاضطراب، وقضايا الفقر والحرمان النسبي، والبطالة وانخفاض مستويات المعيشة والتفاوتات الاقتصادية. وعرضت مديرة الجلسة إحصاءات عامة عن الفقر في الوطن العربي، وطرح عضو مجلس إدارة بنك لبنان والمهجر في البحرين، الدكتور جاسم المناعي، السؤال الأساسي حول العلاقة بين الفقر والتفاوت والبطالة من جهة، والفوضى والاضطرابات من جهة أخرى، وأكد أنه لا يمكن استبعاد عامل الفقر عن أسباب الفوضى في المنطقة، لكنه ليس العامل الوحيد. وقدم رئيس قسم التنمية الاقتصادية والفقر في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، الدكتور خالد أبوإسماعيل، مداخلة تفصيلية عن تحديات التنمية في الدول العربية، مقسماً إياها إلى منظورين: أولهما رواية تقليدية تعتبر جذور الفوضى غير مرتبطة بالأسباب الداخلية، ورواية أخرى لا تعتبر جذور النزاعات مرتبطة بالسياسات الاقتصادية وضعف الحوكمة. ورأت وزيرة التخطيط والتنمية السابقة في الكويت، الدكتورة رولا دشتي، أن الفوضى وعدم الاستقرار والإحباط في عالمنا العربي وتراكم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، كالفقر والبطالة وتفاوت توزيع الدخل، هي نتيجة تضافر مجموعة أسباب، منها أنظمة غير مؤمنة بالإصلاح، وسوء إدارة حكومية، وضعف مؤسسات وغياب الحوكمة الرشيدة، والفساد والمحسوبية، والنظام الاقتصادي غير الفاعل، واعتماد القطاع الخاص على الحكومة، وقوى عاملة غير مؤهلة. ورأت أن المجتمع العربي يدفع ثمناً باهظاً جراء كل ذلك. التطرف والإرهاب وعقدت الجلسة الثالثة بعنوان «التطرف والإرهاب»، حيث ناقشت موضوع التطرف والإرهاب، والعوامل التي أدت إلى ظهورهما وانتشارهما وتداعياتهما الاجتماعية والأمنية والسياسية. وتضمنت مداخلات أستاذ الفلسفة في جامعة الملك الحسن الثاني في المغرب الدكتور عبدالإله بلقزيز، ومؤسس ورئيس مركز الخليج للأبحاث الدكتور عبدالعزيز بن صقر، والأستاذة في جامعة منوبة في تونس الدكتورة آمال قرامي. ورأى الباحث الدكتور حسن مَدن (من البحرين) أن ظاهرة العنف تجتاح عالمنا العربي، وتبلغ حد الحرب الأهلية في بعضها، مشدداً على أن هذا السيناريو يهدد بلداناً أخرى، تعاني مواجهات واحتقانات أمنية وسياسية حادة. كما رأى أن ثمة ترابطاً وثيقاً بين العنف السياسي والاجتماعي والثقافي. وشدد على أن التعصب هو موقف فكري وسياسي مبني على تعبئة نفسية خاطئة. واعتبر سفير السودان لدى الأردن وفلسطين والأمين العام الأسبق لمنتدى الفكر العربي في عمان الدكتور الصادق بخيت الفقيه، أن التطرف والإرهاب ليسا مجرد قنابل وإطلاق نار وقتل جماعي، بل مشكلة مفاهيم وسلوك، عازياً عدم اتفاق الجميع على تعريف موحد للإرهاب إلى ما يصفه بـ«النفاق السياسي». ودعا مؤسسات الدولة لإيجاد معالجات فكرية وأيديولوجية، تستدعي خطة عقلانية طويلة المدى، لمواجهة التطرف والإرهاب بجانبيهما المادي والمعنوي. وتوقف الدكتور عبدالإله بلقزيز، عند ظاهرة التهميش والإقصاء الاجتماعيين، مؤكداً أن التجربة أثبتت أن الكثير من المتطرفين ينتمون إلى بيئات اجتماعية ميسورة، معتبراً أن غياب الديمقراطية للتعبير عن المطالب والمصالح تجعل الناس تبحث عن ملاذات أخرى، والدين واحد من تلك الملاذات. أما العامل الثالث فهو أزمة النظام التعليمي والتربوي والثقافي في المجتمع العربي، حيث تحولت المدارس والجامعات إلى مصانع لتوليد التشدد والتعصب والانغلاق، معتبراً أن هناك أجيالاً نشأت على هذه الثقافة. من جهته قدم الدكتور عبدالعزيز بن صقر، مداخلة اعتبر فيها أن الفوضى في المنطقة العربية ظهرت منذ حوادث ما يُسمى بثورات الربيع العربي، لكنها كانت موضوعة في سيناريوهات مسبقة تقع ضمن توجهات السياسة الأميركية. ودعا إلى ضرورة الحفاظ على ما تبقى من دول المنطقة والحيلولة دون الزج بها في أتون الفوضى، وتفعيل العمل الجماعي العربي المشترك، وتفعيل دور جامعة الدول العربية. وتحدثت الدكتورة آمال قرامي، عن السياسة الواجب اعتمادها للحد من ظاهرة انخراط النساء في التطرف العنيف، ورأت أن دواعي التحاق الفتيات والنساء بالجماعات المتطرفة تختلف باختلاف السن والطبقة الاجتماعية والمستوى التعليمي والثقافي والانتماء الجغرافي.

مشاركة :