ذاكرة الشاعر المتقدة

  • 4/12/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

سوسن دهنيم أن تكون قبالة ديوان شعر، فذلك يعني أن تكون أمام ذاكرة، خيال، حياة، طفولة، مشاهد متداخلة لشاعر، تقرأ مشهداً من هنا وموقفاً بعد سنوات خلال سطرين. تقلّب ذاكرته ببصرك، وتنتج فيلماً مصوراً من خيالك أبطاله شخوصك ومشاعرك وأحلامك أنت.من قال إن أكذب الشعر أجمله؟ من قال إن للشاعر الحقيقي قدرة على الكذب أو التجمّل حين يكتب، وإن بإمكانه الانسلاخ من حياته وخياله وذاكرته؟ ذلك ما أوحت به نصوص الشاعر الأردني راشد عيسى خلال لقائه جمهوره في بيت الشعر بالبحرين يوم الاثنين الماضي.كانت قصائده تقطر لوعة مكتنزة بالذاكرة، لكنها في الوقت ذاته تحفز على عدم اليأس، لذا لا غرابة أن يكون عنوان الأمسية: «التداوي بالشعر». كيف لا وللشعر قدرة سحرية على تجفيف الجراح وبلسمة الروح؟ وهو ما أثبته من خلال مواقف تعرض لها في حياته وسردها في تلك الليلة، فما تلميذته التي كانت تعاني حبسة في الكلام وأنطقها الشعر حين أوصاها بحفظ وإلقاء قصيدة كي تحرز الدرجة العليا في المادة، وفعلت، ثم تكلمت بعدها بكل طلاقة، إلا واحداً من الأمثلة التي طرحها إضافة إلى صديقه الشاعر الذي قرأت له طالبة عدداً من أبياته أثناء غيبوبته فقام وكأن شيئاً لم يكن يعانيه.الشاعر راشد عيسى يتحدث عن سحر الشعر بكل يقين لأنه صادق في محبته له، مخلصاً لما يكتبه وما اختاره لنفسه، متأكداً من أنه يشكل خلاصاً من كل المشكلات الجسدية والنفسية، ولهذا جاء شعره قريباً من القلب، مدهشا، ساخراً من الواقع والماضي أحياناً، متهكماً على الأمل والفقر والتشرد، أميناً على القلب والحب، داعياً للفرح.شاعر يكتب عن دمعة نملة، لأنه في يوم ما أكل من النمل والحشرات ما جعله يشعر بالذنب عليها، يكتب عن السلحفاة العرجاء، لأنه حاول ذات رحمة أن يساعد واحدة ولم يعرف كيف يفعل، يكتب عن شجرة التوت لأنها طالما حملته في حضنها نائماً هارباً من القسوة، يكتب عن الحذاء لأنه طالما حلم بحذاء حقيقي قبل أن يصل للصف السادس في الابتدائية حين ارتدى للمرة الأولى «حذاءً يجهل صاحبه الأول والثاني والثالث»، يكتب عن الناقة التي رضع منها وكانت أحن عليه من أمه، عن الكهف الذي ولد فيه بعد الشتات وعن كل حياته وذكرياته وما مر به.هكذا يكون الشعر علاجاً ودواءً وسحراً ومتعة. حين يكون صادقاً متفجراً من تجربة حقيقية عرفت كل مشاعر الحب والحرب، الفرح والحزن، الأمل واليأس، وعاشت الدمعة والضحكة. sawsanon@gmail.com

مشاركة :