تونس – أعلن حزب التحرير ذو المرجعية الإسلامية المتشددة عن تبرئه من رضا بلحاج أحد أبرز قياداته الحزبية التي عملت على الترويج له منذ ظهوره عام 2011. وأكد الحزب في بيان الأربعاء، أن بلحاج لم يعد عضوا في الحزب. وقال محمد مقيديش رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير لـ”العرب” إن “البيان الذي أصدره الحزب يؤكد أن بلحاج لم يعد في خطة ناطق رسمي له، كما أنه لم يعد عضوا فيه”. وأكد أن “بلحاج خارج الحزب منذ وقت ليس بقصير ونشاطه الإعلامي وتصريحاته لا تلزم الحزب”، مضيفا “لولا الظهور الإعلامي لما كشفنا مغادرته الحزب وكنّا سنتركه شأنا داخليا”. ورفض مقيديش التحدث عن الأسباب التي دفعت بهم إلى إبعاد بلحاج، لافتا أنه “ليس ردّ فعل عن تصريحاته التلفزيونية الأخيرة. هو لم يخطئ بل أردنا التوضيح أنه لم يعد ينتسب إلى الحزب… المواقف التي تلزم الحزب هي الصادرة عن المكتب الإعلامي فقط”. علية العلاني: بلحاج أراد أن يلفت الأنظار إلى فكرة لم ترد أبدا في مرجعيات حزب التحرير علية العلاني: بلحاج أراد أن يلفت الأنظار إلى فكرة لم ترد أبدا في مرجعيات حزب التحرير ويأتي هذا الإعلان بعد مضيّ أيام قليلة من تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها بلحاج خلال مداخلة بقناة تونسية خاصة، دعا فيها إلى تولي شخصية مسيحية رئاسة البلاد. وبدا بلحاج مخالفاً لتوجه الحزب الإسلامي الداعي إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد في إطار ما يسمّيه بـ”دولة الخلافة”. وقال “أتمنى أن يكون في أعلى الرُتب الإدارية مسيحي أو غيره من الديانات، فطالما أنه ينتمي إلى الحاضنة الطبيعية لهذه الأمة فلا مشكلة حوله، والمسلمون على مدى تاريخهم لم تكن لديهم مشكلة مع من خالفهم الرأي أو الديانة، بل بالعكس كانت لديهم مشكلات في ما بينهم”. وحاولت العرب الاتصال ببلحاج لكن لم تتمكن من ذلك. ويعتقد مراقبون أن بلحاج حاول من خلال تصريحاته أن يبدو معتدلا وذلك في خطوات مشابهة لحركة النهضة التي تشاركه المرجعية الإسلامية، لكنها أبدت تراجعا نسبيا عن أفكارها خاصة بعد تحالفها مع حزب نداء تونس شريكها في الحكم عقب انتخابات 2014. ويفسر هؤلاء تخلّي النهضة عن مبادئها بسعيها إلى الاستمرار مع ضرورات المرحلة السياسية وللحفاظ على قاعدتها الشعبية حيث يرفض المجتمع التونسي التعصب الديني. وتشير تصريحات بلحاج إلى توجهه نحو التنصّل من أفكار الحزب المتطرفة وطرق باب التجديد الديني. وقال محمد القوماني القيادي بحركة النهضة لـ”العرب” “أعرف رضا بلحاج منذ سنوات، هو شخصية مختلفة عما يعرف عن المنتمين إلى حزب التحرير فهو جامعي مثقف ومطلع على الثقافة الحديثة ولا يمانع في الاجتهاد والتطور”. وأشار إلى أن “إقصاءه من الحزب كان منذ سنتين تقريبا على إثر مشاكل داخلية في الحزب وأيضا لملاحقة السلطة على خلفية الانتماء إلى حزب متشدد”. وفسر قرار حزب التحرير بأن “الأحزاب الأيديولوجية المرتبطة بمرجعيات متشددة ترفض الاجتهادات الشخصية كالتي أقدم عليها بلحاج”. وأضاف “تصريحاته الأخيرة التي تكشف عن تطوره لم تقبلها القيادة التقليدية لحزب التحرير فأقصته”. وتابع “تصريحاته الأخيرة قد يعقبها تجديد وتطور في مرجعياته الفكرية ونتوقّع ذلك في الأيام القادمة وإقصاؤه خطوة تكشف انه خارج هذا الحزب فكريّا”. ويعكس بيان الحزب وجود أزمة صامتة داخل هياكل الحزب الذي دخل في صراع مع السلطة بسبب رفضه الاعتراف بمدنية الدولة. واعتبر علية العلاني الخبير في الجماعات الإسلامية أن “إقصاء بلحاج يترجم عن أزمة تنظيمية داخل الحزب حيث بدا الحزب يفقد قواعده نظرا إلى الأطروحات التي لم تعد تلاقي صدى لدى الرأي العام الديني”. وأوضح العلاني لـ”العرب” أن “حزب التحرير الذي لم يسلط عليه الضوء من مدة أراد لفت الأنظار إليه لكنه لم يحقق أغراضه”. وأضاف “الحزب بتبرئه من بلحاج يكشف اعتراضه على تصريحاته بخصوص تعيين مسيحي على رأس السلطة، إذ أنها ترفض أن يتحدث باسمها في مسائل الحكم. الدعوة إلى تعيين مسيحي يتعارض جذريا مع مرجعيات الحزب التي تقوم على فكرة الخلافة”. وتابع “في هذا الفكر (الخلافة) لا يسند الحكم لمسيحي الذي يعتبر من أهل الذمة، لذلك اعتبرت تصريحات بلحاج خروجا عن هذه المبادئ”. تصريحات بلحاج تشير إلى توجهه نحو التنصّل من أفكار الحزب المتطرفة وطرق باب التجديد الديني ورأى العلاني أن “الموضوع هو سياسي بامتياز بهدف تسجيل حضور بالمشهد السياسي”، وبيّن أن “بلحاج أراد أن يلفت الأنظار إلى فكرة لم ترد أبدا في مرجعيات أي فرع من فروع حزب التحرير”. وحزب التحرير التونسي، فرع لحزب التحرير الذي تأسس عام 1953 في القدس على يد القاضي تقي الدين النبهاني، وترتبط أفكاره في تونس بكافة فروع الحزب في العالم، حيث يدعو إلى “استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة”. وتابع العلاني “بلحاج أراد أن يكون مجددا لمرجعيات الحزب، لكنه وجد نفسه خارج أطره”. ولا يحظى نشاط الحزب بقبول أغلب التونسيين الذين حمّلوه في عدة مناسبات مسؤولية انتشار مظاهر التشدد في البلاد في بعض الفترات. وتنادي عدة أصوات من النخب والمواطنين بإيقاف نشاطه نهائياً، نظراً إلى معارضته لمدنية الدولة التونسية، التي نصَّ عليها الدستور ولتحريضه على الكراهية وبث التفرقة في صفوف التونسيين. وكان القضاء التونسي قد جمّد في مناسبات سابقة نشاط حزب التحرير بعد قضايا رفعتها ضده وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني بسبب عدم احترامه لمبادئ الجمهورية والديمقراطية.
مشاركة :