دبي - تحقق صحيفة نيويورك تايمز منذ دخولها العالم الرقمي عام 1996، نجاحا فريدا وضعت خطة لجني أرباح من نشاطها الرقمي يصل الى نصف مليار دولار خلال الاعوام القليلة القادمة، لكن نجاح هذه الصحيفة العالمية لا يعدّ بالضرورة مؤشرا على نجاح الصحف الإقليمية إذ أثر الإنترنت سلبا عليها، فتراجعت عائداتها وتقلصت فرص العمل فيها. وليست جهات النشر الرقمية أصلا بأفضل حال، ففي نوفمبر الماضي، تراجعت إيرادات شركتي باز فيد وفايس دون المستوى بشكل كبير، وعلى الرغم من التغييرات الجذرية التي أدخلها شركة ماشابل الإعلامية إلى موقعها الإلكتروني، إلا أنها بيعت مقابل جزء بسيط من قيمتها السابقة، وفقا لتقرير منصة “مرصد المستقبل”. وتتجه الأنظار إلى تقنية بلوكتشين كأحد الحلول لمشاكل الإعلام الرقمي، إذ تمكن الناشرين من جني بعض المنافع من الأسلوب الشخصي للوصول للأخبار والذي يجعل الإنترنت أداة قوية لتحصيل المعلومات. وساهمت إتاحة الإنترنت مصادر غنية للمعلومات وسهلة الوصول، في جعل الشبكات المستندة إلى قواعد البيانات مثل فيسبوك وغوغل وتويتر بؤرة لاهتمام الجماهير لأنها تساعد الناس على الاختيار مما يعرض أمامهم. وعوضا عن الدفع لفريق تحريري كي يقرروا ماذا يجب وضعه في الصفحة الأولى لمجلتهم في كل يوم؛ فإن تلك الشبكات تستعين بخوارزميات لتوفر ما دعاه نيكولاس نيجروبونتي من معهد ماساتشوستس للتقنية “ذا ديلي مي” ويقصد بها حزمة من الأخبار أو التجارب أو الأفكار التي يرغب في متابعتها الفرد، سواء كانت أحدث النقاشات الأدبية أو قصة محترف يتسلق طريقه نحو قمة جبل. فرض هيمنة الشبكات الاجتماعية على عائدات المحتوى الرقمي، خسائر على وسائل الإعلام بما فيها الشركات النماذج البارزة بنجاحها في عالم الإعلام الرقمي، لكن تقنية بلوكتشين تقدم حلولا وتمنح الناشرين الفرصة لاستعادة البعض من زمام الأمور إن كانوا مستعدين للتفكير جديًا بإجراء تغييرات جذرية وفرض هذا الواقع خسائر على وسائل الإعلام التقليدية والرقمية وطالت الخسارة أيضا صحيفة بحجم نيويورك تايمز، فعلى سبيل المثال، لا تتجاوز عائداتها من الدعايات الرقمية 200 مليون دولار سنويا؛ أي ما يعادل نصف عائداتها من الاشتراكات السنوية الرقمية، وهذا مبلغ زهيد مقارنة بما تجنيه معظم الشبكات الاجتماعية. ويرى خبراء الاتصال أن لدى تقنية بلوكتشين القدرة على حل كثير من المشكلات التي يعاني منها قطاع النشر، بدءًا من تنظيف الشبكة من المساحات الإعلانية الإضافية وحتى تغيير قابلية البحث والأقفال الاجتماعية المفروضة على هوية المستخدم. لكن أهم قدرات تلك التقنية هي إزالة نهج النشر الانعزالية التي أثبتت رداءتها في العالم الرقمي، ففي جوهرها، صممت التقنية لإيجاد شبكات شبيهة بتلك الموجودة لدى تويتر وفيسبوك، بالإضافة إلى قدرتها على توزيع المنافع والحوافر على نطاق أوسع بكثير. وأشهر استخدامات تقنية بلوكتشين وأبرزها هي عملة بتكوين، ويصعب فهم الكيفية التي تعمل بها التقنية، لكن ما يهم هو أنها تصنع بيئة من الثقة بإلزام أطراف متعددة بالموافقة قبل تسجيل أي تغيرات تطرأ على البيانات المخزنة على الشبكة. وتتجلى قدرة التقنية على حل المشكلات التي يعاني منها قطاع الإعلانات الرقمية، والذي يعج بالوسطاء الذين يديرون أنظمة مبهمة تفتقر إلى الثقة، وباعة المساحات الإعلانية الذي يقدمون -عن قصد أو غير قصد- مخزونًا دعائيًا منخفض الجودة وصعب التدقيق. ويمكن للسوق الإعلاني الذي يستند إلى تقنيات بلوكتشين أن يحسن جودة البيانات المأخوذة من تصفح المستخدم، ومن هذا المنطلق، بدأت شركات مثل “آي.بي.إم” و”إيه.تي.آند.تي” بإلقاء نظرة فاحصة إلى دور التقنية في هذا المجال. كما تمكن هذه التقنية الناشرين أيضًا من أن يزودوا المستخدمين بتجربة تنافس فيسبوك وغوغل أو تحل محلها. إذ قد تتيح بيانات حركة زيارة المتصفحين وعدد مشاهدات الإعلانات، ما يحفز التعاون بين الناشرين الصغار. وفي حال وثقت الصحف والمجلات بالأنظمة اللامركزية، ستتمكن من تزويد القراء بمحتوى على مستوى عال من الجودة عوضا عن المحتوى الرديء، وقد ينعكس ذلك إيجابا على كامل شبكة الإنترنت بتقليص كمية المحتوى منخفض الجودة منها. وتمثل بيانات المستخدم في الأنظمة اللامركزية مكونا رئيسا يكسب محركات البحث والمنصات الاجتماعية قدرة بارعة على بيع الإعلانات، ولا تُحصل تلك البيانات إلا بعد الحصول على موافقات رمزية من المستخدمين، علاوة على أن معظم الفائدة المجنية منها تعود إلى حملة الأسهم. التقنية تصنع بيئة من الثقة بإلزام أطراف متعددة بالموافقة قبل تسجيل أي تغيرات على البيانات المخزنة في الشبكة ويشهد الوضع الراهن آثارا مدمرة تجني ثماره المنصات الاجتماعية ويتكبد خسائره المجلات الرقمية، ومن الممكن أن ينقلب الحال رأسا على عقب، إن وظفت إحدى تطبيقات بلوكتشين. أي العملات المعماة (المشفرة). ويمكن الاستفادة من العملات المشفرة في تقديم حوافز إلى القراء، فبدلًا من أن يقدموا بياناتهم إلى فيسبوك وغوغل، أصبح بإمكانهم الحصول على العملات المشفرة مقابل مشاركة معلوماتهم مع شبكة من الناشرين في إطار مشترك وآمن، ما يزود المستخدمين بالمحتوى الراغبين به، ويقدم دعايات حسنة الاستهداف. وإذا حصل الجمهور على حصة صغيرة من عائدات الدعاية التي يروج لها الناشرون، قد تتوقف حينها النزعة المتنامية نحو حجب الإعلانات واستخدام أدوات مثل “آد بلوك” ويقبل القراء عندها على الإعلانات وهم على علم بأنها ذات جودة عالية وتعود عليهم بالنفع، وسيساعد ذلك الناشرين على منافسة شركات مثل فيسبوك وغوغل. من الواضح أن هذه الخطوة ستعيد هيكلة قطاع النشر الرقمي تمامًا، وتجعل من الناشرين أقرب إلى المتصفحين. وحاليًا تبدو الفرصة مثالية أمام هذا المجال ليزدهر من جديد، وخاصة بعد أن عانى المستخدمون لأعوام من الانتهاكات؛ وأبرزها حادثة فيسبوك، والتي كشفت مؤخرًا أن فيسبوك شارك على نحو غير متعمد بيانات 87 مليون مستخدم مع شركة كامبريدج أناليتيكا، فانخفضت أسهم فيسبوك انخفاضًا كبيرًا، وتداعت ثقة السوق بمنصة ظنوا يومًا أنها ستسود على باقي المنصات. وتوقعت شركة “إي ماركتر” للأبحاث التسويقية أن تخسر شركتي فيسبوك وغوغل سوق الإعلانات في العام 2018، وفي الوقت ذاته بدأت شركتا أمازون وسناب في تحقيق انتصارات جديدة في هذا المجال، ما يعني أن الفرصة ما زالت متاحة أمام الناشرين لاستعادة بعض من زمام الأمور إن كانوا مستعدين للتفكير جديًا بإجراء تغييرات جذرية.
مشاركة :