سيظل النهائي الثاني للكرة الطائرة والذي جمع بين فريقي المحرق والأهلي عالقا في الأذهان حتى إشعار آخر، وقد أكّدت المباراة ما قلناه في صبيحة يومها أنه لا خلاف على أنّ الأهلي في النهائي الأول قد استحق عن جدارة النتيجة التي سجلها، وكان الطرف الأفضل من جميع النواحي، وأضفنا أنّه رغم الخسارة المستحقة التي مُني بها المحرق، فإن الأخير لم يلعب من الأساس، بل ظلّ متفرّجا، ومن شاهد النهائي الثاني تيقّن أنّ هناك فارقا كبيرا بين المحرّق في النهائيين، في الأول كان متفرّجا يمثل دور الحاضر الغائب، بينما ظلّ في الثاني فاعلا، في هذه الوقفة نحاول أن نسلّط الضوء على بعض اللقطات، التي ربما التقطتها عيون الكثير من المشاهدين، غير أنهم لم يتوقفوا عندها ومساءلتها. خمسة أشواط وأخطاء قاتلة رغم المتعة التي حفلت بها المباراة التي استغرقت خمسة أشواط، فإن الفريقين رغم الجهد الكبير الذي بذلاه فقد ارتكبا أخطاء في توقيت يكون فيها الخطأ ممنوعا، لأنه مكلف، وباهظ الثمن، سواء تعلق الأمر بالهجوم الطائش، أو إضاعة الإرسال، أو سوء الاستقبال، وقد سجلت مواجهة النهائي الثاني كأفضل مباريات هذا الموسم، إذ توفّرت لها كل المقومات التي أظهرتها بالصورة التي كانت عليها، ابتداء من أنّ الفريقين يضمان عناصر تعدّ من خيرة عناصر اللعبة خبرة ومهارة، فضلا عن أنهما يتوافران على اثنين من المحترفين لا يختلف اثنان على كفاءتهما وتأثيرهما على نتائج فريقيهما وهما الدومنيكي ألفيس (الأهلي) والبورتريكي جاكسون (المحرق). ناهيك عن أهمية المباراة للفريقين، وكل من زاويته، فالأهلي كان يريد حسمها من غير اللجوء إلا المقابلة الفاصلة، والمحرّق يريد جرّ المنافسة إلى مواجهة ثالثة، فلاعبو الفريقين كانوا عند مستوى الحدث، وتمكنوا بامتياز مع مرتبة الشرف من حبس أنفاس الحضور حتى الرّمق الأخير من الشوط الفاصل، ومن هذا الجانب نستطيع أن نؤكّد أن الفريقين كانا يستحقان الفوز، وكلاهما لا يستحق الخسارة، غير أنه لا بد من أحدهما أن يخرج فائزا، والآخر خاسرا، وما سجله الفريقان سيضاعف المسؤولية عليهما خلال المواجهة الفاصلة، إذ أنّ الجميع سيتوقع منهما أن يقدما مردودا مماثلا، إن لم يكن أفضل من ذلك، زد على ذلك أنّ الفريقين يتوافران على قاعدة جماهيرية عريضة، ولولا التقنين الذي لجأ إليه اتحاد الطائرة من خلال جعل مشاهدة المباراة من مكان الحدث مرهونا بشراء تذكرة دخول للتحكّم في أعداد الحضور، لاكتظت الصالة بأكثر مما تتحمل، كما رأينا في النهائي الأول. بيدك يا أهلي لا بيد كانت نتيجة الشوط الأول في طريقها لفريق الأهلي أداء ونتيجة، وخاصة أنّ رفاق علي الصيرفي قائد الأهلي قد تقدموا في النتيجة 20-15، وهو فارق ليس بالقليل، غير أنّ المحرق استدرجهم رويدا رويدا إلى الوقوع في الخطأ، فضلا عن ثقة ليست في محلّها، كل ذلك أفسح المجال لزملاء الجوكر فاضل عباس إلى إدراك نقطة التعادل، ومن ثمّ الدخول في أجواء الشوط والمباراة. رغم أنّ لو حاليا لن تقدّم للأهلاوية أيّ فائدة، لو فاز الأهلي بالشوط الأول لسبّب ضغطا كبيرا للاعبي المحرق لن يفوقوا من سباتهم، وربما تنتهي المباراة بنتيجة النهائي الأول، وخاصة أنّ المحرق بدأ الشوط بشيء من الربكة. جوني الأهلي وحدّاد المحرّق قدّم محمد عنان (جوني) لاعب مركز2 في صفوف الأهلي مباراة كبيرة، أتعب من خلالها حوائط صد المحرق التي افتقدت حاسة الحوار معه، ولم تستطع إيقاف هديره الهجومي، وكان من دون منازع رجل المباراة الأول، وربما كان الخيار الأبرز لصانع ألعاب الفريق علي حبيب رغم تعدد الخيارات الأخرى، وبدلا من أن تكافئه المباراة بالفوز، خرج محمولا جراء الإصابة التي ألمّت به. وعلى الطرف الآخر برز حسن الحداد ضارب مركز2 في صفوف المحرق، وجاء بروزه متأخرا، وبالتحديد ابتداء من الشوط الثالث، إذ كان اللاعب مغيبا خلال الشوطين الأولين، وكان تركيز صانع ألعاب الفريق محمود العافية على ثنائي مركز4 فاضل عباس وجاكسون، وثنائي مركز3 حسن ضاحي ومحمد حبيب، ما حدا بحائط صد الأهلي عدم الالتفات إليه، وعاد المحرق إلى جادة الصواب ابتداء من الشوط الثالث عندما أعطى العافية الضوء الأخضر بتنشيط الحدّاد الذي كان عند المستوى، وتمكن من إنهاء أغلب الكرات التي أعدّت له، فكان الحدّاد ورقة فنية تكتيكية، كان المحرق في أمس الحاجة لتحريكها سعيا وراء فكّ الضغط عن ثنائي الأطراف فاضل عباس وجاكسون اللذين عانا من سوء استقبال إرسال الأهلي الموجّه. برافو المرباطي وقارة لعبت خبرة مدربي الفريقين محمد المرباطي (المحرق) ومنير قارة (الأهلي) دورا كبيرا في استمرار إبداع اللاعبين حتى الشوط الخامس (الفاصل) رغم الجهد البدني الذي بذلوه، إذ أنّ محافظة مدربي الفريقين على هدوئهما رغم الأجواء العصيبة، ورغم تفاعلهما مع أحداث المباراة المتقلبة، ورغم تحفظهما على قرارات الحكم خاصة التقديرية، إلا أنهما عرفا بخبرتهما كيف يحافظان على استقرارهما النفسي والانفعالي، ما انعكس ذلك على عناصر فريقيهما، بل رأينا ابتسامة تخرج من المرباطي في أحد أوقاته المستقطعة رغم تأخر فريقه في النتيجة، وهو يتحدث مع لاعبه محمد حبيب، بل رأينا قارة وقد تكرر منه هذا الموقف في أكثر من مناسبة في مباريات سابقة وهو يطالب لاعبيه بالهدوء، وبعدم الدخول مع الحكام في جدال جانبي، فهدوء واستقرار الجهاز الفني ينعكس من دون شكّ على استقرار لاعبي الفريق والجمهور والمباراة بصفة عامة. مواقع التواصل والعافية وجّه المعقبون في مواقع التواصل وخاصة حساب اتحاد الطائرة (الاستغرام) أصابعهم إلى صانع ألعاب المحرق محمود العافية، متهمة إياه بتصنّع الإصابة في الشوط الرابع الذي كان في طريقه إلى الأهلي بحسب تعبيرهم، وكان العافية بحسب تعقيباتهم يستحق أن يوجّه له الإنذار نظرًا إلى إضاعته الوقت، وخاصة أن الكرة كانت في ملعب الأهلي. والقانون يطالب الحكم في مثل هذه الحالات من السقوط بإعطاء صافرة بإيقاف اللعب والسماح لأخصائي العلاج أو الطبيب بالدخول ومعاينة اللاعب، فالحكم بحسب القانون ليس مخولا بالحكم على اللاعب بأنه مصاب من عدمه، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا لا تحضر الإصابة في كثير من الحالات إلا إذا كان الفريق المنافس متقدما في النتيجة، أو يكون السقوط في توقيت حساس جدا؟ ثلاثة جنود غير مجهولين تحمّل الليبرو الثلاثي عباس أحمد وبدر محمد ناصر(المحرق) والخبير أيمن هرونة (الأهلي) عبئا كبيرا في المباراة، إذ لم يقتصر توجيه الأهلي إرساله على ثنائي مركز4 فاضل عباس وجاكسون، بل عرف استقبال عباس، وسعى الأهلاوية إلى هزّه، غير أنه عرف كيف يحافظ على استقراره النفسي قبل استقرار استقباله، على الطرف الآخر، وجّه المحرق إرساله على استقبال أيمن هرونة في بعض الحالات لكشف ألعاب فريقه، غير أنّ هرونة كان يتحرّك يمنة ويسرى وأماما وخلفا لتغطية زملائه والتخفيف عنهم، ولا شكّ أن أيمن طوّع المنطقة الخلفية لصالح فريقه من خلال السيطرة عليها كعادته.
مشاركة :