لازال العالم بأسره يحبس أنفاسه انتظارا للضربات الأمريكية الموجهة إلى سوريا، في الوقت الذي تحرك فيه الولايات المتحدة وبعض حلفائها مجموعات من قطع عسكرية مؤثرة تفوق قدراتها التدميرية قدرات الجيش السوري بكل تأكيد، كما تفوق قدرات القوات الروسية المرابطة هناك. علاوة على ذلك، فإن القوات الروسية الموجودة في قواعد طرطوس وحميميم العسكرية قد لا تكفي ليس لحماية المواقع السورية فحسب، بل لحماية القواعد الروسية نفسها حال وقوع ضربات أمريكية لتلك القواعد. ومن الواضح أنه سوف يكون من المستحيل تأمين العسكريين الروس في سوريا، أو القيام بضربات انتقامية تحول دون الهزيمة الإقليمية الكاملة للقوات الروسية هناك، دون الاستعانة بالقوات المسلحة الروسية الواقعة داخل حدود روسيا في العمليات العسكرية. ستعيد الاستعانة بقوات إضافية الصراع إلى بداياته، ولكن على مستوى أعلى، فالولايات المتحدة الأمريكية تحشد حلفائها، ومن المحتمل أن تبعث بعدد أكبر بكثير من القوات إلى المنطقة. وبالوضع في الاعتبار أن حلف الناتو، بطبيعة الحال يتفوق على روسيا ببضعة أضعاف، يصبح من السهل علينا استنتاج هزيمة روسيا في أي حرب شاملة مع الناتو حال استخدامها الأسلحة التقليدية، على الأقل في ساحة الحرب الإقليمية البعيدة. فروسيا قد تتفوق في ساحاتها القتالية، لكن هناك، في سوريا التي تفصلها عن روسيا البحار والأراضي التابعة للناتو، فالهزيمة محققة. في تلك الحالة تصبح الفرصة الوحيدة لروسيا للخروج من مأزق الهزيمة هذا، استخدام السلاح النووي. الأمر الذي سوف لا يحطم آمال الولايات المتحدة الأمريكية في الندية العسكرية فحسب، بل سيحولها لحظيا إلى طفل شقي يلهو، ذلك أن حتى سيناريو الهزيمة في سوريا سوف يترك لروسيا أهدافا أمريكية كثيرة يمكنها استهدافها نوويا في المنطقة، بينما لن يصبح هناك للولايات المتحدة الأمريكية أي أهداف روسية بالمرة. يبقى السؤال المطروح فقط: هل تقدم روسيا فعليا على استخدام السلاح النووي؟ وأين بالتحديد؟ تنص العقيدة العسكرية الروسية على استخدام روسيا للسلاح النووي فقط حال تعرضها لهجوم نووي ضدها، أو حال تعرضها لاعتداء باستخدام أسلحة تقليدية من شأنه أن يضع وجود الدولة الروسية محل تهديد. والآن: ماهو ثمن احتمال الهزيمة الروسية في سوريا بالنسبة لروسيا؟ في واقع الأمر، فإن تلك ليست المرة الأولى التي تضطر فيها روسيا إلى الإجابة عن سؤال كهذا، كانت المرة الأولى حينما كان الاعتداء من جانب جورجيا ضد أوسيتيا الجنوبية، حينما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتسليح وتدريب الجيش الجيورجي، وأصدرت الأوامر له بمهاجمة الحليف الروسي، بغرض تجربة رد فعل موسكو على ذلك الاعتداء. لم يكن من روسيا آنذاك إلا التصدّي لذلك العدوان، على الرغم من إدراكها الكامل أن التصدّي كان يعني مواجهة مباشرة مع الغرب، بكل ما يمكن أن تحمله هذه المواجهة من تداعيات ومخاطر اقتصادية وعسكرية. إن جوهر المسألة هو أن روسيا آنذاك كانت قد تعلمت من درس توحيد الألمانيتين، حينما وعد الغرب بأن “حتى ألمانيا الشرقية” لن تستخدم لأغراض عسكرية لصالح الناتو، ثم كانت النتيجة أن الناتو تمدد حتى أصبح على حدود روسيا. لقد تسبب التنازل للغرب أملا في النوايا الحسنة والشراكة الطيبة في انهيار الاتحاد السوفيتي، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 40% ، وركود اقتصادي وفقدان لمواقعنا وعشرين عاما من المعاناة غير المسبوقة لمواطنينا. إن خيار روسيا اليوم لا يتعلق بالدفاع عن اهتزاز في هيبتها، أو عن الأسد أو حتى قاعدة عسكرية في طرطوس، إن أمام روسيا اليوم خيار صعب إمّا أن توقف الغرب الآن، أو يصبح التنازل الروسي بالنسبة للغرب نجاحا لأسلوب الضغط العسكري كمنهج يمكن استخدامه في المستقبل. لقد بدأ النظام الموالي للولايات المتحدة الأمريكية في أوكرانيا في تكثيف ضرباته في مدن منطقة الدانباس، وإذا لم تتصدى روسيا بصرامة في سوريا، فإن الحرب القادمة سوف تكون تطهيرا عرقيا للمواطنين الروس في أوكرانيا. هناك العديد من الصراعات المجمّدة على أطراف روسيا وداخلها ، والتي يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تزودها ببعض المواد القابلة للاشتعال. لذلك فإن انتصار الولايات المتحدة الأمريكية على روسيا في سوريا لن يتوقف، قبل أن تحتل الولايات المتحدة الأمريكية موسكو، ما يعني أن العدوان الواسع للولايات المتحدة على سوريا باستخدام الأسلحة التقليدية يمثل تهديدا حقيقيا وفعليا لوجود الدولة الروسية، وأعتقد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدرك ذلك تماما. إنني لا أعتبر نفسي محللا عسكريا، ولا أعرف خطط القوات المسلحة الروسية حال توجيه ضربات في سوريا، لكنني أرى من وجهة نظري كمواطن عادي أنه يتعين على القيادة العسكرية الروسية أن تضع في اعتبارها وبكل جدية استخدام السلاح النووي في مراحل مبكرة من الصراع ، ما يمكن أن يضع حدا له، ولو على الأقل من الناحية العسكرية. فتبادل استخدام السلاح النووي ضد أراضي الدول ما بين روسيا والغرب، سوف يفضي منطقيا إلى حرب نووية واسعة تتسبب في فناء البشرية، ولا أتمنى أن يصل الأمر إلى هذا الحد، فروسيا لن تقدم تحت أي ظرف من الظروف لتطور الأحداث في سوريا على المبادرة باستخدام السلاح النووي ضد أراضي أي دولة من دول حلف الناتو، لكن القواعد العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وبالذات تلك المسؤولة عن توجيه ضربات إلى سوريا، يمكن أن تكون أهدافا مشروعة لضربات روسية من وجهة نظري، ذلك أن الشرق الأوسط ملئ بتلك القواعد العسكرية الأمريكية، التي لا تقل عن مساحات بعض دول المنطقة كثيرا. ما يعني أن اندلاع حرب كبيرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا قد يعود بالخسارة لا على الولايات المتحدة أو روسيا، بل على الدول التي تستضيف تلك القواعد العسكرية الأمريكية، ويعني تباعا أن تهديدات الولايات المتحدة الأمريكية ليست سوى تهديدات بمصائر دول وشعوب سوف تستخدمها وتستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية كدروع بشرية في هذه الحرب على نفس منوال استخدام الجماعات الإرهابية في الغوطة وغيرها لأهالي المناطق التي يسيطرون عليها كدروع بشرية. على كل الأحوال لا أعتقد أن ترامب أو أيا من حلفائه يدركون أي لعبة خطرة يلعبون، فهل يدرك العرب ذلك؟ المحلل السياسي الكساندر نازاروف
مشاركة :