أبا محمد.. أرفع عقالي تقديراً

  • 11/23/2014
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

حياتنا اليومية عبارة عن تفاصيل، كأن تنوي أخذ ابنتك الصغيرة للمدرسة، ويقرر أحدهم إعاقة الالتفاف لليمين لأنه لا يرى بأساً في تعطيل من خلفه ريثما تفتح له الإشارة الخضراء، كانت السيارة التي في المقدمة فارهة وبها شاب بذل الكثير من الجهد والمال ليبدو في أحسن مظهر، لكنه سَدَّ مرور ما خلفه من سيارات دون أن يَرّف له جفن، قرر السائق في السيارة التي خلف سيارة الشاب مباشرة استخدام المنبه (الهرن) دونما انقطاع، فيما الشاب الأنيق القابع في السيارة الفارهة لا يلقي له بالاً! وفجأة، ظهر شرطي مرور من خلف سياج من الشجيرات، وأخذ يشير للشاب أن يتحرك، والسائق الذي خلفه لم يبرح ضاغطاً على المنبه. تحرك الشاب الأنيق صاحب السيارة الفارهة مُجبراً، والجميع ينظر له بازداء لتعطيله السير ولأنه لم ينثنِ إلا تحت تهديد العقوبة. لماذا لم يكمل هذا الشاب أناقته باحترامه للطريق ولسالكيه وللنظام؟ ما أحدث الفرق هو وجود شرطي المرور، فهناك من لا ينضبط إلا تحت تهديد العقوبة، وبالقطع فالطريقة الأسلم أن يحترم الجميع النظام ذاتياً، أما التهاون مع مخالفي النظام فسيشجع آخرين على اقتفاء أثر من خالف، وبذلك يصبح التعدي على النظام ممارسة روتينية، ومن ثمةَ نظلم بعضنا بعضاً؛ فالشباب الذي أثرَ تعطيل المرور حتى تفتح له الإشارة، "سَرَقَ" دقائق من كل مَنّ في السيارات التي خلفه! فبأي حق قام بذلك التعدي؟ ليس له حق بالطبع، لكن ظن نفسه في مأمن! لي صديق عاد للتو من السويد، سألته عن تلك البلاد، ترك كل شيء وتحدث عن تقيد السائقين هناك بأهداب النظام لدرجة التنطع! وحتى نصل للالتزام الذاتي لا بد من نشر شرطة المرور ليرتدع من يتجاوز أو يلقى العقوبة كما نص النظام، وقد ورد في الحديث الشريف "إِنَّ اللَّهُ يَزَعُ بِالسُّلْطَانِ مَا لا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ". وليس سهلاً بل قد لا يكون متيسراً نشر شرطة المرور في كل تقاطع وكل شارع، لكن لا بد من إيجاد وسائل لفرض الالتزام أو تلقي العقوبة. وحالياً، يمكن توظيف التقنية لتحقيق ذلك بدقة تفوق ما يمكن ان ينجزه البشر. والشيء بالشيء يُذكر، والتطبيق الساطع أمامنا هو وزارة التجارة وردعها للتجار الذين استمرأوا استغلال المستهلك واستغفاله وغبنه، وكنت قد ذكرت هنا من قبل أن الوزارة ووزيرها الشاب طرحا تطبيقاً على الجوال ووفرا مركز اتصال لتلقي الشكاوي، عفواً ليس لتلقي الشكاوي بل لمباشرتها والتعامل معها بسرعة تَسرّ المستهلك، وتردع التاجر المخالف. قبل أسابيع حدثني أحدهم أنه كان يتبضع من سوبر ماركت، فلاحظ ارتفاع سعر عبوة القهوة سريعة التحضير، فتحدث لمدير المحل مستنكراً، فكان الجواب: هذه أسعارها! اتصل المستهلك من المحل، لتأتيه رسالة متابعة للشكوى خلال دقائق قبل أن يغادر المحل. وتابعنا جميعاً القصة القصيرة المعبرة: تناقلت وسائل التواصل صور مخالفة محل شهير يوم الأربعاء، وأخذ المجتمع يناقش الخميس، وأغلقت فروع عدة للمحل الشهير يوم الجمعة، فأخذ المستهلكون يتناقلون صور الفروع المغلقة! هناك من يظن مخطئاً أن رضا الناس لا يتحقق إلا من خلال العطايا، في حين أن منع الغبن والتجاوز يكفي، وإلا فسيكون المخالف هو في حقيقة الأمر الفائز، باعتبار أنه وبسبب مخالفاته التي لا تردع يحصل عملياً على أكثر مما يستحق؛ فيصل لعمله أولاً رغم أنه يُعطل آخرين عن الوصول لأعمالهم، ويحقق أرباحاً يعلنها في الصحف باعتبارها نجاحاً رغم أنه يبخس زبائنه أموالهم زوراً وبهتاناً.

مشاركة :