تجتاح عالمنا العربي موجة من الحوادث التي شغلت الناس عن قضايا هامة كانت إلى وقت قريب هي الشغل الشاغل للعرب والمسلمين على اختلاف اهتماماتهم، وتنوع أفكارهم، وتعدد مذاهبهم، وفي مقدمة هذه القضايا قضية فلسطين، وما تعانيه مقدساتها من استهداف إسرائيلي يسعى لطمس معالمها الإسلامية، وكأن كل هذه الحوادث المرعبة التي يعيشها عالمنا العربي، إنما وجدت لشغل العرب عن قضيتهم الأساس هذه، رغم أن ملايين الفلسطينيين ما زالوا من سكان المخيمات أو المشردين في أنحاء العالم، ورغم الصراع الدموي القائم بين أخوة السلاح في غزة والقطاع، وما يعيشه الفلسطينيون من احتراب فيما بينهم، تاركين العدو يعيث فساداً في الأراضي العربية المحتلة، مما أدى إلى وجود حالة من الإحباط في المشاعر العربية تجاه كل ما هو فلسطيني. والقضية الفلسطينية برمتها أقرب إلى الحل لو أعيد ترتيب الأوراق العربية المبعثرة بين إرهاب القاعديين، وتطرف الداعشيين، وغلو الحوثيين، وجميعها أسهمت في تشتيت الجهود العربية، ومساعي العرب لإنقاذ فلسطين مما آلت إليه، ولو وجهت بنادق هؤلاء الغلاة الطغاة لتحرير فلسطين بدل توجيهها إلى صدور إخوانهم المسلمين لكان الحال غير الحال، وكأنما وجدوا لقطع الطريق في وجه أي جهد عربي أو إسلامي يهدف لإنقاذ فلسطين مما هي فيه من المحن والفتن، وهؤلاء الغلاة الطغاة شاءوا أم أبوا، إنما يسهمون بجهد وافر في تمييع القضية الفلسطينية، ومحوها من أذهان الأجيال القادمة، لأن جرائم هؤلاء الغلاة والطغاة لن تترك مجالا لأحد للتفكير في غير آثارها السلبية التدميرية، التي ستحصد ثمارها تلك الأجيال القادمة، عندما تفقد الإيمان بقيمها العربية، وهويتها الدينية، وانتمائها للخير الذي كان ولا يزال أهم مكاسب أمة صنعت التاريخ، لكنها لم تحافظ عليه، فأصبحت تابعة وليست متبوعة، ومستهلكة وليست منتجة، ومرتعبة وليست آمنة، ومن سخريات القدر أن يكون مصدر رعبها هو أبناؤها الذين انقلبوا على أعقابهم، سلوكاً ومعتقداً، وانحرفوا عن الطريق القويم، تفكيراً وممارسةً، ليصبح الإرهاب والتطرف والغلو عناوين ينضوون تحت لوائها دون خشية من الله، ولا خوف من تأنيب الضمير، ولا إحساس بما يفرضه شرف الانتساب للإنسانية المظلومة بظلمهم، والمأسورة بقيودهم، والمفجوعة بإصرارهم على عودة الزمن إلى قوانين الغابة، حيث يختفي العدل، في وجه القوة الغاشمة. فلسطين الجرح العربي النازف، والوجع الإسلامي الدامي.. تراجع الاهتمام بها إلى الصفوف الأخيرة لدى العرب، في الوقت الذي تتبنى فيه منظمات وهيئات حقوقية في العالم.. مواقف الإدانة والشجب للممارسات الإسرائيلية، وبينما تمتلئ العواصم الغربية بمظاهرات الاحتجاج تجاه أي بادرة إسرائيلية تعسفية في فلسطين المحتلة، يقابل ذلك كله صمت عربي مطبق، وتخاذل إسلامي حاد تجاه فلسطين والفلسطينيين، ولم تفلح الثروات العربية الهائلة في تقديم العون لسكان القدس لمجابهة جهود إسرائيل في تهويد القدس وطمس معالمها العربية وهويتها الإسلامية، بينما تتوالى التبرعات من الصهاينة لإسرائيل من كل بقاع العام، لدعم مساعيها الشريرة لتهويد القدس، وكأن العرب والمسلمين قد شغلوا بالدفاع عن أنفسهم ضد الإرهاب والغلو والتطرف، عن قضيتهم الأولى وهي فلسطين، وهذا الانشغال هو الهدف الأساس لأعداء الأمة، وقد وجدوا ضالتهم في الحركات المتطرفة لتقوم بمهامهم القذرة، وهذه الحركات لا تكتفي بمساعدة العدو في تنفيذ مخططاته، بل هي أيضاً تجلب سخط العالم ونقمته ضد كل ما هو عربي أو مسلم، وما من مستفيد من ذلك سوى الأعداء وفي مقدمتهم إسرائيل التي ترتفع في ربوعها رايات الفرح مع كل هزيمة عربية وإسلامية يحققها الإرهابيون المنتسبون للعرب والمسلمين، وهو انتسابٌ مخزٍ ومعيبٌ لكل العرب والمسلمين، على حد سواء. فلسطين العربية ليست في قبضة إسرائيل فقط، بل هي أيضاً في قبضة الإرهاب والتطرف والغلو الذي تنساق إليه هذه الفئات الضالة والمنحرفة في عقيدتها وفي سلوكها، والتي يعاني منها العرب والمسلمون أكثر من غيرهم، والتي تؤثر سلباً على كل القضايا العربية، وفي مقدمتها قضية فلسطين التي كانت ولا تزال قضية محورية في الشأن العربي والإسلامي، وهو أمر لا يليق نسيانه من جميع العرب والمسلمين، مما يعني ضرورة تكاتف الجهود لمجابهة هذا التحدي المتمثل في الإرهاب بجميع ألوانه وأشكاله ومظاهره، من القاعدة وداعش والحوثيين، ومن كل المتاجرين بقضايا أوطانهم وأمتهم، من الطائفيين والتكفيريين ومن سار في فلكهم.
مشاركة :