أي متابع لما يجري حالياً في مدينة القدس المحتلة يدرك يقيناً بأنّ هناك محاولات إسرائيلية جادة لافتعال أزمة داخل المسجد الأقصى حتى تبادر في استغلالها لسن تشريعات جديدة تحرم الفلسطينيين من الصلاة بحرية في الحرم القدسي ومن ثم تغيير معالمه الإسلامية استكمالاً لمساعيها الرامية إلى تهويد المدينة. فمنذ احتلال القدس الشرقية عام 67 شهد الحرم وما يحيط به من أحياء عربية انتهاكات إسرائيلية اختلفت أساليبها باختلاف منفذيها إلا أنها أدت في المحصلة إلى نتيجة واحدة وهي الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية. في أغسطس عام 69 قام الإرهابي دِنيس مايكل روهان مدعوماً بعصابات يهودية متطرفة بإشعال النار في الجامع القبْلي الواقع في الجهة الجنوبية للمسجد الأقصى ما أدى إلى إحراق كامل محتويات الجناح الشرقي منه بما في ذلك منبر صلاح الدين وأجزاء من قبته الرصاصية المميزة. السلطات الإسرائيلية وإن ادعت بأن دنيس مختل عقلياً إلا أنّ اعترافاته تدل على أنّ ما قام به ليس عملاً فردياً قام به شخص مجنون بل كان مدفوعاً بمعتقدات يهودية محرّفة تدعو إلى تدمير المقدسات الإسلامية في القدس تمهيداً لإقامة هيكل سليمان المزعوم، وهو الهدف الذي تأسست من أجله جماعات صهيونية في إسرائيل وحتى الولايات المتحدة كحركة أمناء الهيكل التي بدأت نشاطها قبل هذه الحادثة بعام. يستمد النظام الصهيوني شرعيته من خلال دعوة اليهود في العالم إلى الهجرة إلى الأراضي الفلسطينية باعتبارها أرض الميعاد، وأن مدينة القدس هي عاصمة إسرائيل الأبدية لذلك لن يتوقف عند اختلاق المزيد من المقدسات اليهودية فحسب بل سيسعى لطمس الهوية الإسلامية من أجل شرعنة الاحتلال أمام المجتمع الدولي وحتى لليهود أنفسهم. على الرغم من أهمية ذلك لبقاء الدولة المحتلة تعجز إسرائيل وهي التي دمرت قطاع غزة بما فيه من بيوت ومساجد عن هدم مساحة محدودة من الأرض دون رسم استراتيجية طويلة الأمد لتغيير واقعها الديموغرافي وحتى التاريخي فهي تدرك جيداً بأن أي محاولات مستفزة من هذا النوع قد تقود إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة تحرم الإسرائيليين من فرصة العيش بأمان بين شعوب فقدت الأمل في التوصل إلى سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط. في الأخير.. لابد من التنبيه إلى أنّ الكيان الصهيوني قادر على ابتكار ما يلزم من خطط وممارسات لتمرير مؤامراته على المسجد الأقصى، ولعل من أشدها مكراً استفزاز الشباب الفلسطيني لارتكاب أعمال عنف تصب في مصلحة الاحتلال، وهذا ما سنتناوله بالتفصيل في مقال الأحد المقبل من تغاريد.
مشاركة :