أوضح تقرير للمخابرات رفعت فرنسا عنه صفة السرية اليوم السبت، أن باريس استخلصت من تحليل تقني لمصادر متاحة للجميع، و«معلومات مخابراتية موثوقة»، أن قوات تابعة للحكومة السورية نفذت هجوما كيماويا على مدينة دوما في السابع من أبريل/ نيسان. وفيما يلي ترجمة عربية للنص الكامل للتقرير كما نشرته وزارة الخارجية الفرنسية باللغة الإنجليزية:وقعت عدة هجمات كيماوية فتاكة في مدينة دوما عصر يوم السبت السابع من أبريل/ نيسان 2018، ونحن نعتقد وبدرجة عالية من الثقة أن النظام السوري نفذها. في أعقاب استئناف النظام السوري لحملته العسكرية وكذلك عقب مستويات عالية من نشاط القوات الجوية فوق مدينة دوما في الغوطة الشرقية، تحدثت تقارير متزامنة من المجتمع المدني ووسائل إعلام محلية ودولية منذ عصر السابع من أبريل/ نيسان، عن واقعتين جديدتين لاستخدام مواد سامة. قالت منظمتان طبيتان أهليتان تنشطان في الغوطة، (هما الجمعية الطبية السورية الأمريكية واتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية)، واللتان تتصف معلوماتهما عموما بالمصداقية، في تقارير علنية، إن الضربات استهدفت بصفة خاصة البنية التحتية الطبية المحلية يومي السادس والسابع من أبريل/ نيسان. وخلال الساعات الأولى من المساء لوحظ تدفق هائل لمرضى على المراكز الصحية في الغوطة الشرقية (لا يقل بأي حال عن 100 فرد)، تظهر عليهم أعراض تتفق مع أعراض التعرض لعنصر كيماوي، وتم توثيق ذلك. ويعتقد أن عشرات من الناس، أكثر من 40 فردا، وفق عدة مصادر، توفوا جراء التعرض لمادة كيماوية. وتمثل المعلومات التي جمعتها فرنسا مجموعة من الأدلة التي تكفي لتحميل النظام السوري مسؤولية الهجمات الكيماوية في السابع من أبريل/ نيسان.وقعت عدة هجمات كيماوية في دوما في السابع من أبريل/ نيسان 2018. حللت الأجهزة الفرنسية شهادات وصورا ومقاطع فيديو ظهرت تلقائيا على مواقع متخصصة، وفي الصحافة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي في الساعات والأيام التي أعقبت الهجوم. كما تم أيضا تحليل شهادات حصلت عليها الأجهزة الفرنسية. وبعد فحص مقاطع الفيديو وصور الضحايا التي نشرت على الإنترنت تمكنت الأجهزة من أن تستنتج، وبدرجة عالية من الثقة، أن الأغلبية العظمى حديثة وليست مفبركة. ويؤكد النشر التلقائي لهذه الصور عبر جميع شبكات التواصل الاجتماعي أنها ليست لقطات فيديو مركبة أو صورا يعاد استخدامها. وأخيرا، فإن بعض الكيانات التي نشرت هذه المعلومات تعتبر ذات مصداقية عموما. وحلل خبراء فرنسيون الأعراض التي أمكن رصدها في الصور ومقاطع الفيديو المتاحة لعموم الناس. وقد تم تصوير هذه اللقطات ومقاطع الفيديو إما في أماكن مغلقة داخل مبنى توفي فيه نحو 15 شخصا، أو في مستشفيات محلية استقبلت مرضى عليهم آثار تعرض لمواد كيماوية. ويمكن وصف هذه الأعراض على النحو التالي:شعور بالاختناق أو صعوبات في التنفس.أقوال عن رائحة كلور قوية ووجود دخان أخضر في المناطق المعنية.إفراز زائد للعاب والرغاوى (خاصة من الفم والأنف).زرقة في الجسد.حروق جلدية وحروق في القرنية. لم تظهر أية حالات وفاة نتيجة إصابات ناجمة عن عنف بدني. كل هذه الأعراض من سمات الهجمات بأسلحة كيماوية وخاصة بعناصر خانقة وعناصر فوسفورية عضوية أو حمض سيانيد الهيدروجين. وبالإضافة إلى هذا فإن ما يبدو من لجوء الخدمات الطبية لموسعات الشعب الهوائية، كما ظهر في التسجيلات المصورة يعزز فرضية التسمم بمواد خانقة.نظرا لاستمرار العمليات العسكرية في الغوطة الشرقية في السابع من أبريل/ نيسان، أو نحو ذلك، فإننا نعتقد وبدرجة عالية من اليقين أن النظام السوري يتحمل المسؤولية. وتشير معلومات مخابراتية موثوق بها إلى أن المسؤولين العسكريين السوريين نسقوا ما بدا أنه استخدام أسلحة كيماوية تحتوي على الكلور في دوما في السابع من أبريل/ نيسان. وقع هجوم السابع من أبريل/ نيسان 2018، في إطار حملة عسكرية أوسع نفذها النظام على منطقة الغوطة الشرقية. ومكنت هذه الحملة التي انطلقت في فبراير/ شباط 2018، دمشق الآن من استعادة السيطرة على الجيب بأكمله. وعلى سبيل التذكرة، فإن القوات العسكرية الروسية العاملة في سوريا تتيح للنظام التمتع بتفوق جوي واضح، مما يعطيه حرية العمل العسكري الكاملة التي يحتاجها لهجماته العشوائية على المناطق الحضرية. وتضمن التكتيك الذي تبنته الفصائل الموالية للنظام الفصل بين الجماعات المختلفة (أحرار الشام، وفيلق الرحمن، وجيش الإسلام)، من أجل تركيز جهودها واقتناص اتفاقات استسلام يجري التفاوض عليها. ومن ثم بدأت الجماعات المسلحة الرئيسية الثلاث مفاوضات منفصلة مع النظام وروسيا. وأبرمت أول جماعتين (أحرار الشام، وفيلق الرحمن)، اتفاقات أسفرت عن إجلاء ما يقرب من 15 ألف مقاتل وأسرهم. وخلال هذه المرحلة الأولى، تضمنت استراتيجية النظام السوري السياسية والعسكرية شن حملات عسكرية عشوائية متتالية على السكان المحليين اشتملت أحيانا على استخدام الكلور، ووقف العمليات لإجراء مفاوضات. وبدأت المفاوضات مع جيش الإسلام في مارس/ آذار، لكنها لم تكن حاسمة تماما. وفي الرابع من أبريل/ نيسان، وافق جزء من جماعة جيش الإسلام (حوالي ربع الجماعة، وفقا للتقديرات)، على اتفاق الاستسلام وتم نقل المقاتلين وأسرهم إلى إدلب (نحو 4000 شخص، مع الأُسر). غير أن ما بين 4500 و5500 مقاتل من جيش الإسلام، معظمهم في دوما، رفضوا شروط التفاوض. ونتيجة لذلك، وبدءا من السادس من أبريل/ نيسان، استأنف النظام السوري بدعم من القوات الروسية قصفه الكثيف للمنطقة، منهيا وقفا للعمليات البرية والجوية كان ساريا منذ بدء المفاوضات في منتصف مارس/ آذار. كان هذا سياق الضربات الكيماوية التي جرى تحليلها في هذه الوثيقة. وفي إطار هذا السياق، يكون استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية منطقيا من وجهتي النظر العسكرية والاستراتيجية معا: من الناحية التكتيكية، يستخدم هذا النوع من الذخائر لإخراج مقاتلي العدو الذين يحتمون بالمنازل وللاشتباك في قتال بالمناطق الحضرية في أجواء أنسب للنظام. وهذا يعجل بالنصر، وله أثر مضاعف يساعد في التعجيل باستسلام الحصن الأخير للجماعات المسلحة. أما من الناحية الاستراتيجية، فإن الأسلحة الكيماوية وبخاصة الكلور، والتي جرى توثيقها في الغوطة الشرقية منذ أوائل 2018، تستخدم بصفة خاصة لمعاقبة السكان المدنيين الموجودين في مناطق يسيطر عليها المقاتلون المعارضون للنظام السوري، ولبث أجواء الخوف والرعب التي تدفعهم للاستسلام. ولأن الحرب لم تنته بالنسبة للنظام، فإنه يلجأ لهذه الضربات العشوائية لإظهار أن المقاومة لا تجدي وليمهد الطريق أمام بسط السيطرة على آخر بؤر المقاومة المسلحة. ومنذ عام 2012، استخدمت القوات السورية مرارا نفس النمط من التكتيك العسكري: فاستخدمت المواد الكيماوية السامة أساسا خلال الحملات الأوسع في المناطق الحضرية، كما حدث في أواخر 2016، خلال استعادة حلب، حيث استخدمت أسلحة الكلور على نحو منتظم، بالإضافة إلى الأسلحة التقليدية. والمناطق المستهدفة، مثل الغوطة الشرقية، كلها أهداف عسكرية رئيسية بالنسبة لدمشق.الأجهزة الفرنسية ليس لديها معلومات تدعم فرضية أن الجماعات المسلحة في الغوطة كانت ستسعى لحيازة أسلحة كيماوية، أو أنها كانت بحوزتها فعلا. كما أن الأجهزة الفرنسية ترى أن فبركة الصور التي جرى تداولها على نطاق واسع منذ يوم السبت الموافق السابع من أبريل/ نيسان، أمر يصعب تصديقه، لأسباب منها أن الجماعات الموجودة في الغوطة لا تملك الموارد اللازمة لتنفيذ عملية اتصالات بهذا النطاق.منذ أبريل/ نيسان 2017، والنظام السوري يستخدم أسلحة كيماوية ومواد سامة في عملياته العسكرية بشكل متزايد.يحتفظ النظام السوري ببرنامج أسلحة كيماوية سري منذ 2013. وتعتقد الأجهزة الفرنسية أن سوريا لم تعلن عن كل مخزوناتها وقدراتها لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية لدى انضمامها مؤخرا على استحياء لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في أكتوبر/ تشرين الأول 2013. ومن الجدير بالذكر أن سوريا تحاشت الإعلان عن كثير من أنشطة مركزها للدراسات والبحوث العلمية. ولم توافق إلا مؤخرا على إعلان أنشطة معينة لمركز الدراسات والبحوث العلمية وليس كلها. وفي البداية لم تعلن عن موقعي برزة وجمرايا، وأخيرا فعلت في 2018. ترى الأجهزة الفرنسية أنه يجب الانتباه بشدة لأربعة أسئلة طرحتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية على النظام السوري، ولا تزال بلا إجابة، وبخاصة في سياق هذه الحالات الأخيرة التي استخدمت فيها الأسلحة الكيماوية في سوريا:المخزونات المتبقية المحتملة من غاز الخردل ومادة «دي.إف» (التي تستخدم في إنتاج السارين).الأسلحة الكيماوية المحدودة القدرة التي لم يعلن عنها، والتي ربما استخدمت مرات عديدة إحداها خلال الهجوم على خان شيخون في أبريل/ نيسان 2017.علامات وجود غاز الأعصاب «في.إكس»، و«السارين»، بمواقع إنتاج وتحميل.علامات وجود مواد كيماوية لم يعلن عنها قط ومنها الخردل النيتروجيني وغاز الخردل «لويسايت»، وغاز الأعصاب «سومان»، وغاز «في.إكس». منذ 2014، نشرت مهمة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتقصي الحقائق عدة تقارير تؤكد استخدام أسلحة كيماوية مع مدنيين في سوريا. وأجرت آلية التحقيق المشتركة التابعة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وهي الآلية المعنية بهجمات الأسلحة الكيماوية، تسعة تحقيقات في وقائع قيل، إنها استخدمت خلالها. وفي تقريريها لشهر أغسطس/ آب، وشهر أكتوبر/ تشرين الأول 2016، عزت آلية التحقيق المشتركة ثلاث حالات استخدم خلالها الكلور إلى نظام دمشق، وعزت حالة واحدة استخدم فيها غاز الخردل إلى «داعش»، لكنها لم تنسب أي هجوم من هذا النوع لأية جماعة سورية مسلحة.وقعت سلسلة من الهجمات الكيماوية في سوريا منذ الرابع من أبريل/ نيسان 2017. أورد تقييم وطني فرنسي نشر في السادس والعشرين من أبريل/ نيسان 2017، عقب هجوم خان شيخون كل الهجمات الكيماوية في سوريا منذ 2012، مصحوبا بتقييم لمدى ترجيحها وفقا للأجهزة الفرنسية. هذا الهجوم نٌفذ على مرحلتين، في اللطامنة في 30 مارس/ آذار، ثم في خان شيخون بغاز السارين في الرابع من أبريل/ نيسان، مما أودى بحياة أكثر من 80 مدنيا. رأت السلطات الفرنسية في ذلك الوقت أن من المرجح جدا أن القوات المسلحة وقوات الأمن السورية هي المسؤولة عن الهجوم. اطلعت الأجهزة الفرنسية على 44 زعما باستخدام أسلحة كيماوية ومواد سامة منذ الرابع من أبريل/ نيسان 2017، يوم الهجوم بالسارين على خان شيخون. من هذه المزاعم الأربعة والأربعين ترى الأجهزة الفرنسية أن الأدلة التي جمعت حول 11 هجوما تعطي مبررا لاعتبار أنها ذات طبيعة كيماوية. ويعتقد أن الكلور استخدم في معظم الحالات، وتعتقد الأجهزة أيضا أن غاز أعصاب ساما استخدم في حرستا في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017. وفي هذا السياق، يمكن ملاحظة زيادة كبيرة في حالات الاستخدام منذ عدم تجديد آلية التحقيق المشتركة التابعة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، بسبب الفيتو الروسي بمجلس الأمن الدولي. ولوحظت أيضا بوضوح زيادة كبيرة في الهجمات بالكلور منذ بدء الهجوم على الغوطة الشرقية وتم إثباتها. وسبقت سلسلة هجمات ذلك الهجوم الكبير في السابع من أبريل/ نيسان 2018، وفي إطار حملة أوسع (8 هجمات على الأقل بالكلور في دوما والشيفونية وحمورية). هذه الحقائق بحاجة للنظر فيها على ضوء أسلوب الحرب الكيماوية الذي ينتهجه النظام السوري، والذي تم توثيقه جيدا منذ الهجمات على الغوطة الشرقية في 21 أغسطس/ آب 2013، وعلى خان شيخون في الرابع من أبريل/ نيسان 2017. وفي إطار زيادة مستمرة في العنف مع المدنيين في جيوب ترفض سلطة النظام، وفي انتهاك لالتزاماتها الدولية رغم التحذيرات الواضحة من أعضاء مجلس الأمن الدولي ومنظمة حظر الأسلحة، تسعى دمشق لاكتساب ميزة عسكرية تكتيكية في الداخل، والأهم ترويع السكان لهدم كل المقاومة المتبقية. وبالإمكان ملاحظة أنه منذ هجمات السابع من أبريل/ نيسان 2018، وجماعة جيش الإسلام تتفاوض مع النظام وروسيا على الخروج من دوما، مما يظهر نجاح هذا التكتيك. وعلى أساس هذا التقييم الشامل والمعلومات التي جمعتها أجهزتنا، ومع عدم وجود تاريخ للعينات الكيماوية التي حللتها مختبراتنا، فإن فرنسا تعتبر: (أ) وبدون أدنى شك أن هجوما كيماويا استهدف المدنيين في دوما في السابع من أبريل/ نيسان 2018. و(ب) أنه ما من سيناريو منطقي بخلاف أن القوات المسلحة السورية نفذت هجوما في إطار حملة أوسع في الجيب الواقع بالغوطة الشرقية. القوات المسلحة وقوات الأمن السورية تعتبر أيضا مسؤولة عن أعمال أخرى في المنطقة في إطار نفس هذه الحملة في 2017 و2018. وقدمت روسيا دعما عسكريا نشطا لا يمكن إنكاره للعمليات الرامية لاستعادة الغوطة. وبالإضافة إلى ذلك وفرت غطاء سياسيا مستمرا للنظام السوري لاستخدام الأسلحة الكيماوية، في كل من مجلس الأمن الدولي ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، على الرغم من النتائج المناقضة لذلك التي خلصت إليها آلية العمل المشتركة. هذا التقييم سيخضع للتحديث مع جمع معلومات جديدة.
مشاركة :