دمشق – اعتبرت كل من فرنسا وبريطانيا اللتين شاركتا في هجوم أميركي على مواقع في سوريا، أنه حان الوقت لعملية سياسية برعاية أممية لحل الأزمة في هذا البلد الذي يشهد صراعا متعدد الأطراف منذ العام 2012، إلا أن لندن هددت بشكل مبطن النظام السوري بإمكانية عودة استهدافه في حال استخدم الكمياوي مجددا. وقامت كل من واشنطن وباريس ولندن فجر السبت بعملية محدودة في سوريا استهدفت مواقع عسكرية ومراكز بحوث علمية يفترض أنها تحتوي على مخزونات كيمياوية للنظام، وذلك ردا على هجوم بغاز سام وقع في السابع من أبريل في مدينة دوما التي كانت آخر معاقل الفصائل المعارضة قرب دمشق، وتحمل الدول الثلاث مسؤوليته لدمشق. وحملت الضربة رسالة مزدوجة إلى روسيا مفادها أن استخدام الأسلحة الكمياوية من قبل النظام لم يعد بالامكان التغاضي عنه، والأهم أن محاولات حسم الملف عسكريا لصالحه ليس مسموحا به، وأنه لا بد من تسوية تأخذ في عين الاعتبار مصالح جميع الأطراف. وكان النظام السوري نجح بدعم من روسيا وإيران في تحقيق إنجاز وصف بالاستراتيجي بسيطرته على معاقل المعارضة في الغوطة الشرقية القريبة من دمشق، وسط تحليلات تفيد بأن درعا أو إدلب ستكون المحطة التالية وهذا سيعني حسم الملف كليا لفائدته وحلفائه. ويشير مراقبون إلى أن روسيا بالتأكيد ستعيد حساباتها لجهة شن عملية عسكرية في إدلب (شمال غرب) أو درعا (جنوب) لأن ذلك سيعني تصعيدا جديدا قد يختلف عن الهجوم الأخير لناحية بنك أهدافه وربما يؤدي إلى صدام معها، يحاول جميع الأطراف تجنبه. ورأى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان أنه بعد الضربات على سوريا، يعود لروسيا أن تضغط على حليفها الرئيس بشار الأسد للبحث عن مخرج للأزمة السياسية. وقال لو دريان في مقابلة أجرتها معه صحيفة “لو جورنال دو ديمانش” “نأمل الآن أن تدرك روسيا أنه بعد الرد العسكري (…) علينا أن نضم جهودنا للدفع في اتجاه عملية سياسية في سوريا تسمح بإيجاد مخرج للأزمة”، مؤكدا أن “فرنسا تعرض مساهمتها للتوصل إلى ذلك”. بوريس جونسون: إذا شن الأسد هجوما جديدا عندها سندرس الخيارات مع الحلفاء وشدد على أن “مصير إدلب يجب أن يحسم في إطار عملية سياسية تتضمن نزع أسلحة الميليشيات”. وأوضح “بحسب استراتيجيتنا، فإن تحريك العملية السياسية يفترض مشاركة جميع الأطراف السوريين والإقليميين”، وينبغي بذل كل ما في وسعنا لمنع الوجود العسكري الإيراني في سوريا من أن يقود إلى امتداد النزاع إلى خارج الحدود السورية”. ولعب الدعم الذي تلقاه النظام من روسيا وإيران دورا محوريا في قلب الموازين لصالحه منذ 2015، بعدما حققت الفصائل المعارضة المدعومة من دول الخليج وتركيا والدول الغربية انتصارات متتالية بين 2012 و2013. ويشكل الوجود الإيراني أحد التحديات التي تقلق القوى الغربية والإقليمية على حد سواء، ويعتبر تحجيم هذا الوجود مطلبا رئيسيا بالنسبة لتلك الأطراف. وتبنى وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون وجهة نظر نظيره الفرنسي جان إيف لو دريان لجهة تأكيده ضرورة إطلاق عملية سياسية جامعة في سوريا. وأكد جونسون أنه لا بد من الضغط على الرئيس بشار الأسد من أجل الجلوس إلى طاولة التفاوض. وبشأن الهجوم الذي شاركت فيه بلاده والذي يثير جدلا كبيرا في بريطانيا قال “لا يسعنا معرفة كيف سيرد النظام السوري على الضربات الصاروخية”، منوها بأن تلك الضربات لن تغير دفة الصراع. وأشار إلى أنه “ليس هناك اقتراح على الطاولة حاليا بشن المزيد من الهجمات لأن نظام الأسد لن يكون من الحماقة حتى يشن هجوما كيمياويا آخر”. وتابع “إذا حدث هذا وعندما يحدث فمن الواضح أننا سندرس الخيارات مع الحلفاء”. وتبقي بريطانيا فرضية العودة إلى شن هجمات سيفا مسلطا على النظام وداعمته روسيا التي فشلت الأحد في تمرير مشروع قرار يدين الهجوم الثلاثي. وحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني حسن روحاني الأحد من أنه “إذا تكررت أفعال مماثلة في انتهاك لميثاق الأمم المتحدة فإن هذا سيحدث من دون شك فوضى في العلاقات الدولية”، بحسب بيان للكرملين. ويرى مراقبون أن الدعوات الفرنسية والبريطانية لجهة إطلاق عملية سياسية جدية تبقى أمرا مشكوكا في حصوله، خاصة في ظل العلاقات المأزومة بين الغرب وروسيا، لافتين إلى أن ذلك لا يعني أن موسكو ستستطيع التصرف بحرية مطلقة في المجال السوري، حيث سيكون عليها بالتأكيد التفكير جيدا في الوجهة العسكرية التالية، مع تقدير إمكانية تحرك غربي جديد يكون أشد. وذكرت وكالات الأنباء أن بوتين وروحاني اتفقا على أن الضربات الغربية أضرت بفرص التوصل إلى حل سياسي في سوريا.
مشاركة :