ما مدى نجاعة احتواء الحكومة للشباب المتعاطف مع الإسلاميين في مصر

  • 4/9/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة - كشفت تصريحات الإعلامي المصري عماد الدين أديب، القريب من دوائر سياسية وأمنية في مصر، بشأن جماعة الإخوان المسلمين وضرورة الحوار مع المتعاطفين معها في المجتمع المصري وتحقيق تفاهم عام، عن مؤشرات على مرحلة جديدة في التعامل مع الجماعة المصنفة إرهابية في مصر. ورغم الخلاف الذي ظهر أثناء أحد البرامج الفضائية بين إعلاميين ومثقفين مثل الكاتب وحيد حامد مع طرح عماد أديب، إلا أن مجرد معاودة الحديث عن مستقبل الجماعة في مصر ينبه لوجود تصور ما يراد جس النبض بشأنه واختباره لدى الرأي العام المصري. لم تكن تلك الواقعة الأولى في البرامج التلفزيونية المحسوبة على الحكومة، إذ بادر عمرو أديب ولميس الحديدي بطرح الفكرة نفسها وضرورة احتضان الشباب الغاضب والمنتمي إلى جماعات إسلامية من أجل إنهاء التطرف والإرهاب. يجد البعض داخل النخبة المصرية، ومنهم قريبون من النظام، ضرورة حرمان جماعة الإخوان من أرضيتها الشعبية في مصر، وهو ما يهدف إلى جعل أنشطة قادها فاعلون في الخارج بلا أثر وقيمة داخل البلاد. وشدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في خطابه بعد إعلان فوزه بولاية رئاسية ثانية، على أنه “رئيس لكل المصريين”، وهو ما يلفت إلى أن فترته الثانية في الحكم قد تشهد احتواءً لمجموعات وكيانات أضافت زخمًا لمعارضة الإخوان للحكم خلال السنوات الماضية.   مجموعة من الدلالات بدأت تظهر في الأفق خلال الأيام الماضية عن احتمال حدوث مصالحة سياسية من قبل الحكومة المصرية مع منتمين إلى تيار الإسلام السياسي، تزامنت مع تصريحات ودعوات لاستقطاب الشباب الثائر على النظام، والذي يمثل زادا جماهيريا لجماعات التطرف. لكن خبراء يرون أن التصالح لن يخرج عن كونه احتضانا لأفراد وشباب أبدوا تعاطفا مع الإخوان ومحاولة عودتهم إلى كنف الدولة وإبعادهم عن استغلالهم كوقود ضد الدولة والمجتمع وكان مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام والصحافة ونقيب الصحافيين الأسبق، صرح بأن من يهجر فكر جماعة الإخوان ويعلن توبته مرحب به في المجتمع المصري كشريك في الوطن. وتشي بعد الوقائع خلال الفترة القصيرة الماضية إلى أن ملف “المتعاطفين مع جماعة الإخوان” من جملة عدة ملفات عالقة ستكون محط معالجة بغرض تفكيك الكتل الشبابية التي مثلت سندًا معنويًا للإخوان في الداخل. من ضمن هذه الوقائع ما يجري بشأن مجموعات الألتراس الرياضي. فهناك مؤشرات على أن هذا الملف في طريقه إلى الحل بعدما طالب الألتراس بالجلوس مع المسؤولين في مصر للحوار، بما ينتج عنه من عودة قريبة للجماهير إلى الملاعب التي غابت عنها منذ حوالي خمس سنوات، وما أثير بشأن عودة اللاعب المصري الشهير محمد أبوتريكة الذي لحقته اتهامات سابقة، بين التعاطف وتقديم الدعم المادي لجماعة الإخوان. تطرح فكرة الحوار مع الشباب المتعاطف مع جماعة الإخوان في هذا التوقيت مع بداية ولاية الرئيس السيسي الثانية، ليس من باب التمهيد للمصالحة، إنما كأحد الملفات التي من المزمع أن تعالج خلال السنوات المقبلة بهدف تفكيك الكتل الجماهيرية التي ساندت الدعاية التحريضية للإخوان في الخارج. ويرى مراقبون أن المصالحة هنا لا تعني عودة الإخوان إلى الحياة السياسية وممارسة دورهم في الحياة العامة، لكنها تهدف بالأساس إلى ضرب كل معاقل الإخوان الفكرية في المجتمع وقطع الطريق عليهم وقنواتهم التحريضية من خلال إعادة استقطاب الأفراد المتعاطفين معهم. تجري إثارة هذا الملف من قبل إعلاميين متبنين لوجهة نظر السلطة في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي شهدت إقبالًا ضعيفًا من الشباب، علاوة على أعداد كبيرة ممن أبطلوا أصواتهم. يعد الصنفان، بحسب ما جرى من نقاشات حول أرقام النتائج النهائية ومغزاها، من المتأثرين برواية جماعة الإخوان السياسية بشأن المظلومية والحق في السلطة، وإن لم يتبنيا فعليًا منهج الجماعة الأيديولوجي. كما أن هناك من ينظر لضرورة إعادة هندسة المشهد السياسي في المرحلة المقبلة عبر ضبط توازن القوى بين تيار المحافظين التقليديين والليبراليين واليساريين، ما يتطلب تفعيل وترشيد العمل الحزبي، مع إتاحة الفرصة لعمل حزبي إسلامي بعيد عن جماعة الإخوان ومنافس للحزبية السلفية. عزمت الجماعة منذ ثورة 25 يناير عام 2011 على اجتذاب أعداد كبيرة داخل الأوساط الشبابية ممن لم يمروا بمراحل الانتماء التنظيمي، وأغلبهم تعرفوا على جماعة الإخوان عبر الاحتكاك بشبابها التنظيمي عقب أحداث ثورة يناير. وتمكنت قيادات الخلايا النوعية الإخوانية التي تشكلت عقب ثورة 30 يونيو في العام 2013 وبعد عزل الجماعة عن السلطة من تجنيد أعداد قليلة نسبيًا من هؤلاء الشباب من غير ذوي السوابق التنظيمية، واشتركوا فعليًا في العديد من أعمال العنف. وما يلفت النظر من خلال اعترافات هؤلاء الذين يتم ضبطهم وتحويلهم إلى المحاكمة أن بداية تعرفهم على الجماعة كانت مع انطلاق مظاهرات يناير 2011 ثم أثناء الاعتصامات بميداني رابعة العدوية والنهضة قبل فضهما من قبل أجهزة الأمن المصرية. ضرورة حرمان جماعة الإخوان من أرضيتها الشعبية، وهو ما يهدف إلى جعل أنشطة قادتها  في الخارج بلا أثر وقيمة داخل البلاد ولم تنخرط أكبر كتلة من الشباب في العنف ولم يقنعها أداء حزب النور السلفي بأن هناك تمثيلًا سياسيًا للتيار الديني العام، وظلت مقتنعة بأن هناك ظلمًا وقع على التيار الإسلامي، مهما كانت مبررات إقصاء وتهميش جماعة الإخوان واقعية وصحيحة. وهنا يبقى هؤلاء أصحاب الانتماء إلى الإسلام السياسي لقمة سائغة لكل تيار إسلامي يسعى لاجتذابهم، وهو ما يرى فيه مراقبون ضرورة اجتذابهم لصالح الحكومة لضمان عدم استغلالهم في المستقبل من قبل جماعات التطرف. ويطرح دعاة الانفتاح داخل الأوساط الشبابية تصورًا مفاده العمل على تفكيك رواية الإخوان السياسية ودحضها، مع توفير بيئة تنافسية في مرحلة من المنتظر أن تشهد تفكيكًا للجمود الحزبي العام بوجهيه الليبرالي والمحافظ، مع تخطي المرحلة الأولى الصعبة من الفترة الانتقالية عقب ثورتي يناير ويونيو. ويلمح البعض إلى أن المصالحة الصريحة مع جماعة الإخوان لن تتم، وعوضًا عنها ستجري تفاهمات ضمنية عبر تهدئة الخطاب الإعلامي واحتواء العمل المسلح والتبرؤ منه. في المقابل يتخوف الكثيرون من مغبة التمهيد لحوار مع الكتلة المتعاطفة مع جماعة الإخوان، وينظرون إليه باعتباره فتحا لبوابة خلفية تسهّل عودة الجماعة إلى الحياة السياسية والدعوية بشكل غير مباشر. واعتبر تامر الشهاوي -عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان المصري- المصالحة مع الإخوان “إضاعة للوقت في ما لا يفيد”، مشددًا على ضرورة القضاء على البيئة الحاضنة لتلك التنظيمات، وعدم الوقوع في فخ السبعينات من القرن الماضي، بما يمثل خطرًا داهمًا على المجتمع عندما سمح الرئيس الراحل أنور السادات بعودة الإخوان. بينما رحبت قيادات شابة قادت مراجعات البعض من شباب الإخوان الأخيرة في سجن الفيوم بفكرة فتح حوارات مع الشباب المتعاطف، وشددت على أن التجاهل التام لهذه الكتلة الواسعة يبقيها في مساحة من هم على استعداد لما هو أعلى درجة من مرحلة التعاطف في سياق دعم الجماعة. وأوضح عماد علي -وهو واحد ممن قادوا تلك المراجعات- لـ”العرب”، أنه من الضروري حرمان جماعة الإخوان من هذا الزاد الجماهيري عبر طرح الرواية السياسية المغايرة واحتواء الآلاف من الشباب في مشروع سياسي جامع تحت مظلة وطنية. وشدد على أن جماعة الإخوان تتمدد في الفراغ الذي تتركه الدولة ومؤسساتها التعليمية والتربوية والثقافية، لافتا إلى أن الشباب المغيب في تيه الروايات الإخوانية هو نتيجة ضعف أداء مؤسسات الدولة. وطالب خبراء في شؤون الحركات الإسلامية بالإعداد الجيد لمرحلة الانفتاح على هذه المجموعات الشبابية، كي لا تتكرر أزمة حوار الإعلامي عماد الدين أديب مع أحد الإرهابيين من الجنسية الليبية المشاركين في هجوم الواحات العام الماضي.

مشاركة :