تعددت العروض في المغرب التي تحكي مأساة عطيل الشكسبيرية، وصراعه التراجيدي مع الآخر، الذي رأى في لونه الأسود وأصله المغربي ما يجعله دون منزلة. آخر هذه العروض جاء بعنوان “في انتظار عطيل” وقدم على مسرح محمد الخامس وسط مدينة الرباط من دراماتورجيا وسينوغرافيا وإخراج لعبدالمجيد الهواس وتقديم فرقة “أفروديت”. ومثل العرض محمد بوتخريز، رضا بنعيم، عبدالرحيم التميمي، زهرة لحواوي، سلمى مختاري وأميمة بلا. وشارك الفنيون رفيقة بن ميمون في اختيار الأزياء، نورالدين غنجو في إدارة الخشبة وعثمان سلامي في التقنيات الفيديوية، فيما تولى سيف الدين آيت موسى الإشراف على المؤثرات الصوتية. وتناول العرض الجديد مسألة الهوية والأصل المغربي، في مقابل هوية الأوروبي، إضافة إلى العفّة الشرقية مقابل العقلانية والتصرف البرغماتي، كمبدأ لتسوية الخلافات. وركز المخرج على مسألة “الشرف” لدى الشرقي وما يمثله من قيم، كونه يضيف “رؤيا جديدة” ذاتية للنص الذي كتبه الشاعر الإنكليزي وليم شكسبير العام 1603، مما أعطى ما يبرر العرض على جمهور مغربي، باعتبار أنَّ “عطيل” جاء من بيئة مغربية تمجّد الشرف. وحاول العرض إبراز المشاعر الشرقية المكبوتة لعطيل، ومعاناته من غيرة قاتلة على زوجته “دزديمونة” من عشيق مفترض، هو معاونه في الجيش القائد “أكاسيو”. لكن المسرحية في نسختها المغربية قالت من خلال التركيز على شخصية “أياغو” شيئا مغايرا، عما قاله شكسبير في مسرحيته المشهورة “عطيل” مفاده أنَّ لا حب في هذا العالم، بل توجد مَحُض رغبات محمومة، والمال هو السيد في العالم، ولا سيادة للقلوب فيه. وبدا أنَّ “أياغو” أو مبدأ الشر، الذي يمثله، هو المنتصر في أغلب مشاهد العرض. وهذا مناقض تماما للمشاعر الرقيقة والحب العاصف بين دزديمونة وعطيل قبل الزواج وبعده، الذي صوره شكسبير في مسرحيته. وبذلك أراد المخرج المغربي الإشارة إلى جملة من المتغيرات في عالمنا اليوم، منها ضوابط العلاقة بين المرأة والرجل، التي تغيرت من ذاك الزمن، وحتى زمن إعداد مسرحية “في انتظار عطيل”. وبدا عطيل المغربي مغايرا لعطيل الشكسبيري، ولا يشبهه إلا بالاسم، ليثبت لجمهوره أنَّ “انتظار عطيل” في عرضه له ما يبرره. هو بالضبط ما كان ينتظره أبطال “صومئيل بيكيت” في مسرحيته الشهيرة “في انتظار غودو”. انتظار المُخلّص الذي سيعود بالعالم إلى وضعه الصحيح ويحرر الناس من عبوديتهم للمال والمصالح، وينقي ضمائرهم ويعيد للحب الحقيقي مكانته بين البشر. ويصير للعبد السابق، الذي كأنه عطيل موقعه الحقيقي، كقائد عسكري محنك دحر أعداء مدينة البندقية وأغرق أسطول العدو. ويقدر كفرد متميز بين البيض من أهل البندقية وبعد ذلك ينبذ كأجنبي طارئ. والمشاعر الفياضة التي تابع بها الجمهور المغربي مشاهد المسرحية تنبئ عن معايشة حقيقية لمشاعر الألم لـ”عطيل” الذي ترك أرض منبته في المغرب، ليعامل من قبل الآخر بهذه الدونية في مدينة البندقية. ولكل واحد من هذا الجمهور سببه المنطقي، وتجاربه الخاصة، أو تجارب أحد أفراد عائلته أو أقاربه في دول المهجر الأوروبي. وتحكي المسرحية عن تعلق عطيل بدزديمونة، ولكن والدها “برابانتيو” لا يوافق على هذا الحب بين أسود وبيضاء جميلة، معتبرا أنَّ من المستحيل أن يتساوى سواد الليل وبياض النهار، ولا يمكن له تقبّل اقتران ابنته به. ويستثمر المخرج وسائل حديثة، كالمذياع ليعلن من خلاله لأهل البندقية الانتصارات العسكرية لعطيل على خصوم البندقية، وترقيته إلى أعلى رتبة عسكرية في الجيش. يوغر ذلك صدر أياغو وغيره من الحاسدين لما وصل إليه، المغربي من شأن في البندقية، حيث أنه صار حلما لكل فتاة. ويزداد ولع الفتاة “دزديمونة” المفتونة بعطيل وشجاعته ونبله، وما يثار حول بلاده من أساطير، فيجعلها ذلك تستعجل الزواج منه من دون موافقة أبيها. يستغل “أياغو” حامل لواء عطيل هذه العلاقة المتوترة بين أبيها “برابانتيو” و”عطيل” ليوغر صدر عطيل ضد الجميلة دزديمونة. ولا يكتفي بذلك بل يدخل في مؤامرته زوجته “إميليا” ويطلب منها أن تسرق منديلا ورثه عطيل عن أمه وأهداه لزوجته، فيجن جنون عطيل بعد أن يجد المنديل في غرفة “أكاسيو”. فتكتمل مؤامرة أياغو ضد عطيل، ويحل الخراب بقتله لزوجته. ويأتي اعتراف “إميليا” متأخرا لعطيل بأنها من أعطت المنديل لزوجها. ووظف المخرج اللغة العربية الفصحى واللغة العامية المغربية في النص الشكسبيري ليوصل رسالة إلى المشاهد العربي والمغربي عن أنَّه “يتحدث عن مأساة مغربي”، وبذلك خلق التعاطف بين المشاهدين والعرض. ونجح في استخدام الكورس ليوصل آراء متعارضة في مدينة البندقية، حول ما يحدث على الخشبة، كما كان للموسيقى والسينوغرافيا والإضاءة والديكور البسيط في العرض دور مؤثر.
مشاركة :