كل الذين عاصروا حقبة الخمسينات من القرن الماضي يتذكرون بكل تأكيد، إن كانت الذاكرة لديهم حاضرة وتمام التمام، كيف كان الانضباط في مدارس الأمس حين كان الطالب يذهب إلى المدرسة مبكراً خوفاً من خيزرانة التأخير، عن طابور الصباح، وخوفاً أيضاً من مدرس الفصل لعدم كتابة الواجب المنزلي، أو لعدم حفظ آية قرآنية أو قصيدة شعرية حتى في ساعة الفرصة للأكل التي تمتد إلى نحو ساعة كان الطلاب خلالها يقضونها وهم في تجمعات هنا وهناك يتبادلون الأحاديث والضحك، وكل واحد منهم بيده زجاجة المرطبات مع سندويتش المقصف كما كان يطلق عليه. مدارس الأمس أعطت الطالب والطالبة حينها مزيجاً من الاحترام للمدرسة والخوف من العقوبة في آن واحد، أضف إلى ذلك الخوف من البيت وما ادراك ما البيت، حيث الأب بسلطته على الأبناء وحرصه على تربيتهم وسلوكهم القويم داخل المدرسة وفي الشارع العام، كل هذه المشاهد التي كان يعيشها جيل الخمسينات أوجدت فيهم روحاً من المسؤولية الدراسية وبناء الذات واحترام الأنظمة واللوائح داخل المدرسة وخارجها،، ولذا فقد كانت المدارس آنذاك ميداناً للانضباط والصداقة والاحترام بين الاساتذة والطلاب على السواء، ولم تكن هناك اعتداءات على الاساتذة ولا بين الطلاب انفسهم، ولم تكن هناك حبوب هلوسة أو سيجارة كيف وهو أمر أدى إلى بناء الكثير من طلاب الأمس مستقبلهم الدراسي بل انهم مازالوا حتى يومنا هذا يدينون بالتقدير لاساتذتهم الذين تلقوا الدراسة على أيديهم. مدارس اليوم وللاسف لم تعد مثل ما كانت عليه مدارس الأمس.. لا اعني البناء والأثاث والكتب وغيرها، بل أعني نوعية الطلاب وحتى نوعية الاساتذة،، لا تستعجل وطول بالك شوية،، وبعد ذلك تأمل حالات الاعتداءات الدموية بين بعض طلاب وحتى طالبات اليوم.. وتأمل الاعتداءات التي يتعرض لها بعض الاساتذة من جانب اولئك الذين يدعون أنهم طلاب مدارس، وتأمل ايضا مواقف بعض اولياء الامور الذين يناصرون الابن على الخطأ والتمادي فيه على المدرس، وحتى على الطالب الاخر من مقولة نظرية: اذا طقك طقه. بدلا من الاخذ بلغة التفاهم والحوار. كيف وصلت مدارسنا الى هذا المستوى من العنف الذكوري والانثوي في آن واحد ثم ومن المسؤول عنه؟ هنا السؤال الأهم. لا نلقي كل اللوم على المدرسة بل على البيت الذي يأتي منه الابناء الى الشارع، والى المدرسة. البيت هو.. سبب خراب الابناء والمغذي للعنف بين الطلاب لعدم الرقابة والمحاسبة، ولعدم غرس روح الاحترام الواجب من الابناء تجاه المدرسين وتجاه بقية الطلاب داخل المدرسة. اضف الى ذلك تهاون الوزارة في اتخاذ اجراءات رادعة تجاه أي سلوك طلابي غير مقبول وليس مكانه المدرسة حقل التعليم والتربية والالتزام. ما تعانيه مدارسنا من حالات العنف اسبابه معروفة، والحلول معروفة وسهلة سواء من جانب البيت او ادارات المدارس والوزارة قبل ذلك التي عليها ان تطرد وتحرم من الدراسة كل من يمارس العنف بالمدرسة، وكل من يتعاطى ما هو ممنوع بالمدرسة، وايضا محاسبة ولي الامر لأنه سبب ضياع الابناء والا ما تفسير طالب متفوق وصاحب اخلاق عالية وطالب صايع لم تعرف التربية ولا الاخلاق اي طريق اليه، فبات من اصحاب الشوارع اكثر منه صاحب مدرسة وتعليم. * * *• نغزة: التربية المنزلية للأبناء اشبه ببائع الطيب والحداد.. الاول تأخذ منه روائح طيبة، وهو ما يمثل الابناء تجاه المجتمع. والاخر لا تجد منه سوى الشرار المتطاير، وهذا اشبه بالبيت الذي لا يحسن تربية الابناء، فيصبحون بالتالي عالة على المجتمع.. طال عمرك.يوسف الشهاب
مشاركة :