دمشق - يعكس تعهد تركيا بالمضيّ قُدما في تحالف مشكوك في متانته مع الجانبين الإيراني والروسي في سوريا، حجم التناقضات التي تدير بها أنقرة علاقاتها، فهي من جهة تصدرت جبهة المؤيدين للضربة الغربية على مواقع للنظام السوري السبت الماضي، ومن جهة ثانية تُبدي حرصها على البقاء ضمن هذا التحالف. وترى أوساط سياسية أن استمرار غموض الاستراتيجية الأميركية في ما يتعلق بالأزمة السورية، والخلاف بشأن المسألة الكردية يضطر أنقرة إلى الحفاظ على علاقة جيدة مع روسيا، وفي ذات الوقت هي تسعى إلى إيجاد تفاهمات مع الغرب في ظل تلاقيهما على رفض النظام السوري القائم، وهذا يجعل مواقفها متناقضة حد التنافر. في المقابل فإن روسيا في حاجة للإبقاء على التنسيق مع الجانب التركي، رغم مراوغاته وانعدام الثقة به، فأنقرة تحتفظ بعدد مهم من الأوراق في المشهد السوري أبرزها سيطرتها على محافظة إدلب (شمال غرب) عبر الفصائل الإسلامية التي تدعمها، فضلا عن حضورها المباشر في ريف حلب (شمال سوريا). وتشير هذه الأوساط إلى أن موسكو تضغط على الجانب الإيراني للحفاظ على هذه العلاقة الملتبسة مع الطرف التركي، التي أثمرت جملة من التسويات لصالحهما سواء في حلب بالعام 2016 وحتى في الغوطة الشرقية حينما تولت إقناع الفصائل القريبة، منها فيلق الرحمن وحركة أحرار الشام، بالرحيل إلى إدلب. وتعهد رئيسا تركيا وإيران الثلاثاء بالمضيّ قُدما في تحالفهما إلى جانب روسيا في سوريا، وفق ما أفادت الرئاسة التركية. وقال مصدر في الرئاسة بعد اتصال هاتفي بين الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره الإيراني حسن روحاني إن “الرئيسين شدّدا على أهمية مواصلة الجهود المشتركة التي تبذلها تركيا وإيران وروسيا… لحماية وحدة أراضي سوريا والتوصّل إلى حل سلمي دائم للأزمة”. روسيا ما تزال تراهن على مساحة من التعاون مع الجانب التركي في سوريا رغم مواقفه الملتبسة والمتناقضة، وتدفع حليفتها إيران إلى التعاطي مع هذا المعطى كأمر واقع، وتحاول أن تلعب دور ضابط إيقاع بينهما ويأتي هذا التعهد بعد أن قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن الضربات التي وجّهت إلى سوريا السبت أحدثت شرخا بين تركيا وروسيا. وكان رجب طيب أردوغان رحّب بالضربات التي نفذتها بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا ووصفها بأنها “مناسبة” ردا على هجوم كيمياوي مفترض في دوما قالت روسيا إنه “مختلق”. وخلال اتصاله مع روحاني، قال أردوغان إن معارضة تركيا استخدام الأسلحة الكيمياوية “أكثر من واضحة” وحذّر من “تصعيد التوتر”. وروسيا وإيران هما حليفتان رئيسيتان لنظام الرئيس بشار الأسد وتدخلهما العسكري يعدّ أساسيا في بقائه في السلطة، بالمقابل تدعم تركيا المعارضة السورية، وخاصة المتطرّفة منها. ورغم وقوف كل من موسكو وأنقرة وطهران على طرفي نقيض بيد أن ذلك لم يمنع من تعاونها في أكثر من ملف، ويشير مراقبون إلى أنه لولا الغطاء الروسي لما كانت تركيا قادرة على القيام بعمليتها العسكرية الأخيرة التي أطلقت عليها “غصن الزيتون” ومكّنتها من السيطرة على منطقة عفرين، خاصة بعد أن اضطرت إلى وقف عملية درع الفرات التي أطلقتها في العام 2016 نتيجة غياب هذا الدعم. ويطمح أردوغان إلى الحصول على تأييد موسكو في تحقيق المنطقة الآمنة التي لطالما نادى بها، منذ تحوّل الصراع في سوريا إلى نزاع مسلح، وقد قوبلت تلك الدعوات بتردد غربي. وقال الرئيس التركي في وقت لاحق إن المساحات التي أصبحت آمنة في سوريا بفضل عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون مهمة ولكنها ليست كافية، مشدّدا على أن بلاده مضطرة إلى تحويل كل المناطق السورية الحدودية معها إلى مناطق آمنة من أجل مستقبلها. وأضاف في كلمة أمام البرلمان التركي أن عدد الذين عادوا إلى كل من جرابلس والباب والراعي وصل إلى 160 ألف سوري، “وسيكون هذا الرقم أكبر بالنسبة للذين سيعودون لعفرين التي نقوم الآن بالتحضيرات الخاصة بعودتهم إليها”. وأوضح أن هناك نحو 3.5 ملايين لاجئ في تركيا ينتظرون العودة إلى أراضيهم، ولهذا يجب تحويل كل المناطق الحدودية السورية مع تركيا إلى مناطق اَمنة “انطلاقا من إدلب إلى تل رفعت، ومن منبج إلى عين العرب ومن تل أبيض إلى رأس العين ولغاية الحسكة”. وفي وقت سابق من الشهر استضاف أردوغان قمة حول سوريا بحضور الرئيسين الإيراني حسن روحاني والروسي فلاديمير بوتين في أنقرة، وكان ذلك اللقاء الثلاثي بعد مباحثات ثنائية في نوفمبر في سوتشي. وكان يتوقّع أن تؤسس هذه القمة لنقلة نوعية على صعيد التعاون بينهم في الملف السوري، وقد أثارت تلك القمة قلق الأوساط الغربية، لجهة ما بدا أنها محاولة من روسيا وتركيا وإيران لاحتكار التسوية السورية وصياغتها بشكل يناسب مصالحهم. ويرى مراقبون أن طموحات أردوغان الجامحة، ونوايا إيران التوسعية من شأنها أن تشكّل تحديّا بالنسبة لروسيا التي تلعب دور ضابط إيقاع بينهما.
مشاركة :