الأغنية العربية الآن فقيرة شعريا بشكل محزن. كل هذا التاريخ الطويل والممتد من القصائد أضحى لا شيء، كل قصص الحب المبكية التي تداولناها قرونا انتهت إلى الدموع لا غير. الخواطر التي تحتشد بها دفاتر المراهقات والقصائد المخبأة في صدور الشباب العربي المراهق وحلمهم أن يتحولوا إلى شعراء أفضى إلى العدم، ذهب إلى اليباب. الأغنية مرحلة أقل من الشعر وفوق الكلام، ورغم ذلك نراقب هذا الفقر المريع في الكلمات صامتين دون أن نسأل كيف أصبنا بهذا الجفاف؟ كيف أصبحت الأغنية حالة نواح وبكائيات على الأغلب؟ غابت اللمسة الساحرة بين التخيل والوجد فكانت المباشرة الحل الأمثل مخلوطة بشيء من الغريزية. السوق يتحمل جزءا من المسؤولية، طغيان شروطه حول الجميع إلى مجرد قوائم مالية، الآن يتقاعد نجوم الغناء ليتحولوا لمذيعين، بينما يندفع إلى الساحة كل يوم عشرات المواهب تفرخهم برامج معولمة منسوخة من أخرى عالمية، فينطفئون قبل أن تكتمل الدورة البرامجية التي أطلقتهم بانتظار قادمين جدد ورسائل تصويت أكثر حدة. الموسيقيون تحولوا إلى نمط "تكنو"، حيث الخيارات التكنولوجية هي الحل، هذا إذا لم يكن النقل الحرفي جاهزا من موسيقى الأتراك واليونان والروس وكل شعوب الأرض! شيء محزن، محزن بعمق، فالأغنية وجدان الشعوب وهمسها الحضاري الإنساني الذي ينقل مشاعرها وأحزانها وأفراحها، والشعر روح العربي ورفيقه الوحيد في الحب، سفير لياليه الصحراوية الطويلة وصندوق أسراره العميق، وحين يكون الشعر أعلى تتورط الموسيقى، تبدو ثقيلة ومملة، وحين تكون الموسيقى رشيقة فاتنة ونابضة بالحياة يصبح الشعر كلاما منزوع الخيال مباشرا، معادلة فيها من البساطة بقدر ما فيها من التعقيد، لكن يبدو أنها فقدت ولن تعود، وهذا ظن أتمنى أن يكون إثما.
مشاركة :