كتب - إبراهيم صلاح:أكد الدكتور خالد بن راشد الخاطر المتخصص في السياسة النقدية وعلم الاقتصاد السياسي أن حصار قطر حصار فاشل أخلاقياً قبل أن يفشل اقتصادياً، وذلك لعوامل عديدة وليس بدافع العاطفة، وذلك لخصائص اقتصاد مجلس التعاون الخليجي والاقتصاد القطري ومجموعة من العوامل البنيوية. وقال في مقابلة مع قناة الجزيرة: إن اقتصادات دول الخليج العربي غنية جداً ومنفتحة على العالم وكثيفة الموارد الطبيعية ، بالإضافة إلى الموانئ المفتوحة على البحار الدولية، وأيضاً لدى الخليج المطارات مفتوحة على الأجواء الدولية وبالتالي توجد إمكانية تصدير الموارد الطبيعية من غاز ونفط والحصول على دخلهما من مصدر خارجي واستيراد ما يحتاج إليه من سلع استهلاكية ورأسمالية من الخارج. وأكد أن دول الخليج مرتبطة بنفس نوع الاقتصاد ومختصة بتصدير بضاعة واحدة وهي النفط ولا تحتاج إلى بعضها البعض لأن التجارة البينية بينها ضعيفة، وبالتالي الحصار لا يؤثر وفشل اقتصادياً. وأشار الخاطر إلى العوامل والميزات النسبية القوية في الاقتصاد القطري عبر السياسات الاقتصادية السليمة التي اتبعتها البلاد مبكراً خلال العقدين الماضيين. تعزيز الإنتاجوقال: استراتيجية تعزيز الإنتاج وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، أتت أكلها الآن ودعمت صمود واستمرارية الاقتصاد القطري وكانت ركيزة للسياسات المضادة التي اتخذتها قطر بعد الحصار مباشرةً من خلال تنويع مصادر ووسائط الاستيراد ، وفتح خطوط إنتاج جديدة، واستخدام البنى التحتية ذات الطاقات الاستيعابية العالية كميناء حمد ومطار حمد، لتجاوز دول الحصار والوصول إلى مصادر الاستيراد الأصلية وضمان تدفق السلع للمستهلك بالأسعار المناسبة. وأضاف: كما عملت قطر على توسعة الطاقات التخزينية للأمن الغذائي والإمداد اللوجستي من خلال استخدام مدن صناعية ومدن لوجستية، ومدن اقتصادية، ثم زيادة إنتاج الغاز الذي كان مخططاً له مسبقاً، والذي سيعزز من استمرارية واستقرار القطاعين الحقيقي والمالي. تنويع الشركاءوأشار إلى استمرارية قطر في تنويع الشركاء التجاريين والشركاء الماليين والاستثمارات الخارجية وبناء علاقات على مصالح استراتيجية مشتركة مع قوى مؤثرة عالمياً في الساحة الاقتصادية والساحة العالمية، فضلاً عن ضخها ودائع للتعويض عن خروج رؤوس أموال لتعزيز الاستقرار في القطاع الحقيقي والقطاع المالي على وجه الخصوص. ونوّه باستيراد قطر 4 % فقط من المواد الغذائية من المملكة العربية السعودية على عكس ما كان يتردد، ومعظمها متركز في بعض السلع الأساسية للمستهلك كالدواجن والألبان، لافتاً إلى أن تلك السلع سهلة الاستيراد بالطيران وسهلة الإنتاج محلياً كونها غير معقدة. التأثير المتوقعوأوضح د. الخاطر أنه بعد فشل حصار قطر في تحقيق التأثير المتوقع، تواصل دول الحصار حرب اقتصادية دبلوماسية والتي يمكن أن تمتد سنوات طويلة، متوقعاً تصدع حلف الحصار مع تلاشي آثر الحصار بسبب تمسك قطر بثوابتها الوطنية وعدم قبول القيادة الرشيدة أي مساس بالكرامة أو السيادة ومن ورائها الشعب المؤيد لسياسة سموه. الثقة والمصداقيةوأشار د. الخاطر إلى آثار الحصار على قطر، حيث قال: طال الحصار أم قصر لا بد أن نعترف أن للحصار آثار مدمرة على عامل الثقة والمصداقية والذي يمنع أي مشاريع للتكامل الاقتصادي في المستقبل، مشيراً إلى احتمالية أن يطول ذلك التصدع في المصداقية لفترات طويلة حتى تأتي قيادات تستمد قرارها من مصالح شعوبها. وأكد د. الخاطر أن الحصار على قطر يعيد رسم خرائط التعامل المالي والتبادل التجاري بالمنطقة التي كان ينظر لها على أنها واحة آمنة للاستثمارات قائمة على حكم القانون والمصداقية، مشيراً إلى تغير هذا المنظور والذي سوف يشكل حرجاً وتحدياً للنموذج الذي تسوّقه بعض الدول سواء أكانت الإمارات أو حتى في المملكة العربية السعودية في أنها مراكز للأعمال تقدم الخدمات على مبادئ مستقلة. خسائر دول الحصاروقال: الحصار له تأثير على الطرفين، خاصةً بعد قطع التبادل التجاري والأعمال، والتعامل المالي، وقد خسرت دول الحصار مليارات الدولارات -عائد مساهمة شركات القطاع الخاص بها في مشروعات مونديال قطر 2022 -، فضلاً عن حرمان قطاعها الخاص من المساهمة في مشروعات تطوير البنية التحتية في قطر ، بعد أن تم إسناد تلك المشروعات لشركات محلية وأجنبية. وأشار د. الخاطر إلى أن دول الحصار شنت حرباً اقتصادية فاشلة ضد قطر للإضرار باقتصادها الوطني والضغط عليها لقبول إملاءات لا تقبلها الكرامة والسيادة القطرية. وقال: دول الحصار سلكت كل السبل والوسائل غير المشروعة لإيذاء قطر واقتصادها بدايةً بعامل الصدمة، وعامل التوتر السياسي، ورافقه قطع الإمداد بالدولار من دبي، ورافقه حملة إعلامية مسعورة من دول الحصار للتشكيك في قيمة الريال القطري وفي مصداقية الريال القطري للدفع نحو التخلي عنه والتحويل والدفع نحو خروج رؤوس الأموال، ولكنها فشلت وتحولت إلى الأسواق الخارجية وكان هذا إيذاناً بفشل هذه المحاولات، وبالإضافة إلى وجود محاولات لمنع تداول الريال القطري في الأسواق الخارجية تحديداً في بريطانيا بواسطة شخص مجند من قبل حكومة أبوظبي، ثم هناك كان تلاعب بالريال القطري في أسواق دول الحصار، تحديداً في الإمارات للتلاعب بالسندات السيادية القطرية ومحاولة إظهار أنه تم تداولهما بأسعار منخفضة للإيحاء بأن هناك أزمة اقتصادية ودفع المستثمرين للتخلي عن العملة. ضرب العملةوأكد د. الخاطر توقع دولة قطر أن تُستهدف عملتها الوطنية في المقام الأول، وهو أمر طبيعي في حالات الأزمات الاقتصادية الحادة والأزمات السياسية، وأسعار الصرف الثابتة تتعرض لضغوط وبالتالي قامت الحكومة باتخاذ الإجراءات الاحترازية المناسبة، وتدخلت الدولة وضخت ودائع للتعويض عن خروج بعض رؤوس الأموال معظمها لدول الحصار، ومن ثم العامل الأساسي وهو عامل فني أن الريال القطري غير متداول خارج قطر، والصناديق السيادية غير سائلة، حيث إن الريال القطري عملة غير عالمية وغير متوفرة بالكميات المطلوبة لمحاولة المضاربة عليه، وكذلك الصناديق غير سائلة مقتناة من بنوك عالمية تحاول أن تحميها لمردودها الجيد، وبالتالي هي غير متوفرة، ثم عامل الإعلام وهو السلاح الموازي للحملة في ظل أن إعلام دول الحصار فاقد للمصداقية منذ اليوم الأول، فعندما كان يخاطب الجمهور للتشكيك في قيمة الريال القطري والتخلي عن الريال لم يصدقه أحد. قوة القطاع الخاصوأشار د. الخاطر إلى استفادة القطاع الخاص من الأزمة، مؤكداً أن الأزمة عززت قوة القطاع الخاص بعد أن تبنت الحكومة سياسات لتحفيز المنتج المحلي للمنافسة في مجال الإنتاج الحيواني والإنتاج الزراعي والصناعات الخفيفة لتحقيق أكبر قدر ممكن من الاكتفاء الذاتي، مؤكداً أن المستهلك بدأ يلمس تواجد المنتج المحلي في الأسواق من منتجات الألبان والدواجن، وهي من حسنات الأزمة. ونوّه بوجود العديد من خطط الاكتفاء الذاتي في المجالات الممكنة ، بعد النظر في التكلفة والجودة الاقتصادية لاسيما أن مشاريع الاكتفاء الذاتي كثيفة استخدام المياه، وكثيفة استخدام الأراضي المنبتة وكثيفة الأعلاف، مبيناً أهمية الموازنة وأن تكون مدروسة على أسس اقتصادية سليمة حتى لا يتم استنزاف الطاقات والمال العام ونكتشف بعد فترة أنها غير مجدية، مشيراً إلى نسبة الـ 80% في إنتاج الدواجن والتي تعد نسبة جيدة في ظل أن الإنتاج غير معقد، مشيراً إلى إمكانية أن تدخل في شراكات استراتيجية مع المنتجين في دولهم. مستقبل الاقتصادوأكد د. الخاطر أن مستقبل قطر الاقتصادي مشرق لأنه صلب ويعتمد على البنى الإنتاجية في فترة قصيرة، والاقتصاد القطري من أسرع الاقتصادات نمواً خلال الفترة السابقة 12% من عام 2005 إلى عام 2015 بمعدل نمو سنوي. وأشار إلى أن الحصار ساهم في تنويع مصادر الاستيراد وتفجير الطاقات الكامنة في الإدارة والإنتاج فضلاً عن اكتشاف مناطق الخلل ومعالجتها. وأكد أن الحصار بمثابة جرعة تطعيم كانت ضرورية لتقوية الاقتصاد القطري ومنحه المناعة اللازمة والحافز لتحقيق الاستقلال الاقتصادي وزيادة معدلات الاكتفاء الذاتي.
مشاركة :