قراءة في نتائج جولة الأمير «محمد بن سلمان» في أمريكا

  • 4/19/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

اختتم ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» يوم الأحد 8 أبريل زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، والتي بدأها يوم 20 مارس، واستغرقت 3 أسابيع، رافقه فيها عدد من كبار المسؤولين السعوديين ومجموعة من رجال الأعمال، التقى خلالها كبار المسؤولين السياسيين، والماليين والأكاديميين، والإعلاميين الأمريكيين. وشملت زيارات لعدد من المراكز الاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية، تم خلالها توقيع العديد من الاتفاقيات والبرامج الثنائية، ومذكرات التفاهم والصفقات في قطاعات مثل السياحة والطاقة والتكنولوجيا، مرورًا بصناعة الخدمات، فضلا عن أنها سعت لتأسيس أرضية مشتركة بين البلدين حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية. وعلى الرغم من أن زيارة ولي العهد السعودي لم تكن الأولى من نوعها للولايات المتحدة، فإنها كانت الأكثر أهمية حتى الآن؛ كونها تمثل أكثر زيارة دبلوماسية شاملة قام بها زعيم أجنبي للولايات المتحدة منذ زيارة «نيكيتا خروشوف»، رئيس الوزراء السوفيتي الأسبق في ذروة الحرب الباردة عام 1959. ومع أن زيارة «خروشوف» كان الهدف منها هو تخفيف التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة، إلا أن زيارة محمد بن سلمان كما يراها «سعد السبيعي» بالمجلس الوطني للعلاقات العربية الأمريكية بواشنطن تأتي لتوطيد «العلاقة الاستراتيجية الوثيقة والتي لطالما كانت حيوية لأمن وازدهار كلا البلدين وكذلك للسلام والاستقرار الإقليميين»، وهو ما أكده الأمير محمد بن سلمان في حواره مع مجلة «تايم» الأمريكية من أن «الولايات المتحدة الأمريكية إحدى أقدم حلفائنا في العالم بأكمله، ونحن أقدم حلفائها في الشرق الأوسط»، وما صرح به الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بـ«أن العلاقة بين البلدين جيدة أكثر مما كانت عليه في أي وقت مضى.. بل وستتحسّن أكثر». ومع ذلك، فإن ولي العهد لم يقم بهذه الزيارة لمجرد التأكيد على هذه الفكرة، لكن هدف البلدين هو تعزيز العلاقات الثنائية المتبادلة على كافة الأصعدة الاقتصادية والدبلوماسية والاجتماعية. وكما أوضح «السبيعي»، فإن سياق الزيارة ذو أهمية، حيث إن «العلاقة التاريخية لم تكن أبدًا أكثر أهمية مما هي عليها اليوم وذلك لسببين متشابكين، هما التغير في المشهد الأمني المعقد في منطقة الشرق الأوسط والتغيرات التي تحدث داخل المملكة». فبهدف تعزيز الشراكة السياسية والاقتصادية بين البلدين للمساهمة في تنفيذ رؤية السعودية 2030، القائمة على بناء اقتصاد متنوع يعتمد على التقنية بشكل أساسي، وتوسيع محفظتها الاستثمارية بالخارج؛ التقى الأمير محمد بن سلمان بعدد من الرؤساء التنفيذيين ومديري كبرى الشركات الأمريكية. كما قام بتوقيع مذكرة تفاهم مع الصندوق الياباني لإنشاء أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم لإنتاج 200 جيجاوات بقيمة إجمالية تصل إلى 200 مليار دولار، وهو المشروع الذي وصفته الصحافة العالمية بأنه سيجعل المملكة «أكبر منتج للطاقة النظيفة في العالم، ما يمكن أن يكون «بترول السعودية الجديد». وقالت عنه صحيفة «ليزيكو» الفرنسية، إنه «صفقة القرن». وكانت مصادر قد توقعت أن يوفر المشروع نحو 150 مليار ريال سنويا، بالإضافة إلى توفير 100 ألف وظيفة. وفي إطار الحراك الذي يقوده ولي العهد، زار الوفد السعودي مدينة بوسطن؛ لمناقشة قضايا التعليم مع معهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا، وفي «هيوستن» بحث تعزيز التعاون في مجال الطاقة، بينما كانت زيارته لكل من «لوس أنجلوس» و«سياتل» و«سان فرانسيسكو» في إطار توسيع استثمارات التكنولوجيا المتبادلة مع شركات مثل «أوبر»، و«جوجل»، و«آبل»، و«مايكروسوفت» و«تيسلا موتورز» و«أمازون» للتجارة الإلكترونية، و«بوينج» لصناعة الطائرات، و«لوكهيد مارتن» للصناعات العسكرية. فضلا عن زيارته لنيويورك وواشنطن؛ لإجراء مناقشات دبلوماسية. ومن ثمّ، مهدت هذه الزيارة الطريق أمام تعزيز التعاون السياسي والاجتماعي؛ ما جعل المراقبين يصفونها بـ«الزيارة التاريخية الناجحة»، حيث قام ولي العهد بإدارة «عملية توسيع إطار الثروة السيادية من أجل علاقات اقتصادية أعمق تتخطى الصفقات النفطية»، مثل الاستثمار القومي في الشركات التكنولوجية الأمريكية، فضلا عن سعيه للحصول على استثمارات داخل المملكة لتحقيق أهداف التنويع الاقتصادي، وهو ما أشارت إليه صحيفة «جارديان» البريطانية، من أن «زيارة ولى العهد السعودي لأمريكا سعت إلى زيادة الاهتمام بالاستثمار السياسي والاقتصادي في الرياض». ومن ثمّ، شهدت الزيارة توقيع العديد من اتفاقيات التعاون الاقتصادية والشراكة الاستراتيجية بين السعودية والولايات المتحدة، ويصل عدد الوظائف المتوقع توليدها في البلدين أكثر من 750 ألف وظيفة وباستثمارات تتجاوز 400 مليار دولار في الجانبين، فيما وصلت نسبة الإنجاز في مذكرات التفاهم بين البلدين إلى 35%، وهو ما أكده «محمد اليحيى»، المحلل السعودي في «المجلس الأطلسي في واشنطن»، لصحيفة «نيويورك تايمز» من أن هذا يشير إلى «أن هناك تعاونا عميقا بين البلدين». ووفقا لمراقبين، فإن الزيارة أعطت زخما وسلطت الضوء على السعودية التي أظهرت سعيها لامتلاك التكنولوجيات الجديدة والالتحاق بدرب الدول المتقدمة؛ حماية لأمنها القومي من جهة، وتطوير نفسها من جهة أخرى. ولعل ما نشرته وكالة «بلومبرغ» من أن السعودية تسعى لدخول نادي الطاقة النووية ببناء 16 مفاعلا نوويا بكلفة تزيد على 80 مليار دولار خير دليل على ذلك، وذلك لتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، رغم امتلاكها ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم. وكان ولي العهد قد صرح بأن العلاقات بين السعودية وأمريكا امتدت إلى أعوام طويلة، وبنيت على الثقة والشراكة الاستراتيجية، مضيفا في كلمته في حفل الشراكة السعودية الأمريكية: «نحن في المملكة نعيش مرحلة التغيير، مرحلة اقتناص الفرص التي نطمح لأن نعمل فيها مع شركائنا». إضافة إلى الجانب الاقتصادي من العلاقات، تتشارك السعودية والولايات المتحدة في قيم ومصالح مشتركة في مجال الأمن العالمي والإقليمي في ظلّ مواجهة كلا البلدين لتهديدات أمنية من إيران وقواتها بالوكالة؛ وخاصة بعد أن سعت في الأعوام الأخيرة لتنفيذ عقيدة سياسة خارجية عدوانية ومخرّبة رامية إلى توسيع نفوذها وسيطرتها عبر منطقة الشرق الأوسط، عبر توظيف جماعات بالوكالة، مثل حزب الله اللبناني والحوثيين والتنظيمات الطائفية الأخرى؛ لإطالة أمد الصراع في دول مثل سوريا واليمن والعراق ولبنان. وبالتالي أصبح بالنسبة لواشنطن والرياض العمل على تراجع القدرات الإيرانية في المنطقة أولوية أمن قومي. ومثلت هذه القضية عنصرا رئيسيا في الاجتماع بين الأمير محمد بن سلمان وترامب في بداية الزيارة، حيث سعيا لإيجاد سبل لمواجهة إيران في سوريا والعراق واليمن. وكان الأمير قد اعتبر في لقاء مع محرري صحيفة «الواشنطن بوست»، أن «حل مشاكل الشرق الأوسط سيجعل من المنطقة أوروبا جديدة». وعلى نطاق أوسع، تترابط المصالح الوطنية لكلا البلدين من حيث الرغبة في القضاء على التهديدات الإرهابية العابرة للحدود الصادرة من قبل جماعات عبر الشرق الأوسط، عزز من ذلك ما نشرته صحيفة «ذا هيل» الأمريكية، من أن «استقرار السعودية -الطويل الأمد- يُعد من المصالح الأساسية المتعلقة بالأمن القومي للولايات المتحدة، وعدم استقرارها، يشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها». وأثناء الزيارة تم بحث عملية السلام بين العرب وإسرائيل ولم تخرج كل لقاءات ولي العهد السعودي سواء مع الرئيس «ترامب» أو أعضاء إدارته أو لقاءاته الإعلامية مع شبكات التلفزيون والصحافة عن مبادئ وإطار المبادرة العربية للسلام التي تم إقرارها في بيروت عام 2002. وشجب الأمير «محمد بن سلمان» العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وترحم على الشهداء الذين سقطوا في يوم الأرض. ورأى الباحثون في مجال الشؤون الأمنية والاستخباراتية أن الزيارة تعد بمثابة «فرصة لزيادة تعزيز العلاقات بين البلدين»، والتي شهدت بعض التوتر والخلافات في السابق، وهو ما عبر عنه وزير خارجية السعودية «عادل الجبير» في تصريحه للصحفيين في واشنطن، بأن الزيارة «تُعد مؤشرًا على أن العلاقات السعودية-الأمريكية وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق». فيما ينعكس عمق هذه الجولة أيضا في الزيارات الثقافية التي أجراها الأمير، حيث زار «كاليفورنيا» والتقى عددا من الرموز الثقافية الأمريكية، إلى جانب ممثلين عن شركة «ديزني» المتخصصة في صناعة أفلام الرسوم المتحركة، وهو ما يمثل جهودًا متضافرة لاكتساب الخبرات تحضيرًا لصناعة الإعلام والأفلام في المملكة والتي يسعى ولي العهد لتشكيلها وتوسيعها من خلال مبادرات التنمية الثقافية في إطار «رؤية المملكة 2030»؛ وهو ما تجلى في افتتاح دور للسينما في المملكة. ووفقا لمحللين، فإنها جاءت في سياق «تزايد التقلبات التي تشهدها حالة الأمن العالمي، ومن ثمّ مثلت «تعزيزًا للمبادرات التي من المرجح أن تجعل الشرق الأوسط والعالم أكثر أمنًا في مواجهة التهديدات المنبثقة من إيران ووكلائها من القوى الإقليمية». كما أن الجهود الرامية إلى التفاهم المجتمعي بين البلدين ستضيف الكثير من العمق للعلاقات الثنائية، وهو ما أشار إليه «جون دوك أنتوني» المدير التنفيذي للمجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية»، بقوله: «إن «الزيارة تعبر عن شراكة ذات مصالح متبادلة، تجذرت جديًا من خلال الاحتياجات والاهتمامات المشتركة، حيث استغلت الفرصة كليا لمواصلة نمو تلك المصالح، كما أنها وضعت أساسًا قويا لاستمرارية هذا التطور والنمو». فضلا عن أنها حققت نتائج إيجابية أهمها «إعادة تشكيل صورة الرياض أمام العالم»، وفقًا لما ذكرته صحيفة «الجارديان» البريطانية. وكانت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، قد قالت: إن «محمد بن سلمان أعاد كتابة التاريخ السعودي». ومن خلال ذلك، تعتبر زيارة ولي العهد السعودي للولايات المتحدة، والتي تأتي في أعقاب زيارة قام بها إلى بريطانيا، سعى من خلالها إلى توسيع تعاون ثنائي مماثل؛ دليلا على رغبة السعودية في التواصل مع الغرب في إطار رؤيتها 2030 التي تنتهج استراتيجية التحديث الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وخاصة بعد أن أثارت السياسات الإصلاحية المتضمنة في تلك الرؤية رغبة مشتركة لدى الولايات المتحدة بتحقيق المزيد من التوافق بين الحليفين التاريخيين. على العموم، نجح ولي العهد السعودي في إقامة جسر جديد من الرياض لواشنطن.. جسر يجسد تاريخ العلاقات بين البلدين، ويدشن لمرحلة جديدة من العلاقات الاستراتيجية والتي تحقق مصالحهما المشتركة، وتخلق مصالح متبادلة متأصلة بين كلا الدولتين.

مشاركة :