لماذا لا يكون التعليم المستمر حقاً للناس في مؤسساتنا التعليمية والتدريبية؟

  • 4/19/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يتميز عصرنا الحاضر بخصائصه المعرفية والتكنولوجية وبما يحمله مستقبله من تغيرات هائلة لا يمكن لأي مؤسسة علمية أن تحصره وتعلمه لطالبي المعرفة ليؤكد بما لا يقبل الشك الدور الأساسي المنوط بفكرة التعليم المستمر ودوره في حياة المجتمعات الإنسانية الحاضرة. وقد بقي الإنسان آلاف السنين معتمداً على نقل الخبرة لمن يأتي بعده إما عن طريق التعلم المباشر من صاحب المهارة أو لاحقا عن طريق الالتحاق بالمؤسسات التعليمية لتعلم المهارة المطلوبة. اليوم لم يعد ذلك كافيا لملاحقة التطورات العلمية والمعرفية وأضحى الإنسان ولكي يلاحق متغيرات العصر مطالبا بالتعلم من أجل التعلم المستمر وبشكل لا يتوقف منذ يولد حتى يموت وعليه فإنّ فلسفة التعليم المستمر تنطلق من العناية بالإنسان نفسه لإطلاق قدراته الخاصة في أيّ زمان وفي أيّ مكان وفي أيّ مرحلة عمرية، وهذا تغير ديمقراطي هائل حيث يكون لكل فرد مهما كان لونه أو عرقه أو عمره أو عمله الفرصة لتعلم مزيد من المهارات التي تمنحه ميزات شخصية واجتماعية ومهنية إضافية تحسن مستوى الحياة التي يعيشها وهذا هو هدف حكومات الأرض في كل مكان في عصرنا الحاضر. هل توفر مؤسساتنا التعليمية، والتدريبية فرصاً كافية للأفراد؛ ليلتحقوا بالمعاهد والجامعات مرة أخرى من أجل التعلم المستمر؟ لا أظن إذ هناك آلاف من القوانين والعوائق التي تحد من قدرة الناس على الالتحاق بدراسات متنوعة أما لمحدودية المقاعد أو لحدود السن حيث لا يقبل الدارس بعد سن معينة أو عدم السماح بالتفرغ من العمل ولو جزئيا وغيرها من العوائق الإدارية التي تحرم الناس فرصة أن يستمروا في النمو عبر التعلم والتدريب كما يحدث في بقية أنحاء العالم. في أحد تقارير اليونسكو دعت المنظمة أن ينصب تعلمنا على تعلم:كيفية التعلم وليس على مطابقة التعليم لاحتياجات سوق العمل حيث يوضح التقرير «أن الهدف من التعليم هو تعليم الإنسان لنفسه وتحمل التحفيز الدائم إلى الرغبة في تعلم وتدريب نفسه «حيث إن وجهة نظر التقرير هو أن حب التعلم يخلق الرغبة في التعلم مدى الحياة والحفاظ على مجتمع التعلم وبالتالي فإن الهدف من التعلم المستمر مدى الحياة هو إعطاء الناس القدرة على ممارسة الرقابة الديمقراطية على التنمية الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية فكلما تعلم الإنسان وزاد وعيه كان قادرا على المشاركة الفاعلة في التنمية ومراقباً لتطورها ومسهما في معالجة مشكلاتها. العوائد الاجتماعية والشخصية غير المحدودة تؤكد أهمية التعليم المستمر الذي يساعد الإنسان على التكيف أكثر مع متغيرات عصره ويخرجه من إطاره الاجتماعي الضيق ليتعرف على أناس جدد ومهارات أخرى بما قد يفتح أبوابا جديدة له. لا ننسى أن التعليم المستمر في الغالب يكون خيارا للفرد نفسه في أن يتعلم وليس لأنه يجب أن يتعلم كما كان حين كان صغيرا. التعليم المستمر يتيح المجال لنا ككبار أن نختار ما نتعلم في الوقت الذي نريد وبالطريقة التي تناسبنا وحسب احتياجاتنا بما يؤكد حقنا في التعلم المستمر الذي يزيد من فرصنا على التمتع بالحياة التي وهبنا الله. العولمة والتكنولوجيا لم تبق ولم تذر ولذا لابد من محاولات جادة لاختراق جدار الصمت الذي يحيط بفكرة تعميم ضرورة وأحقية التعليم المستمر لكل فرد بما يمكن أن يقنع صانعي القرار بضرورة تطويره وتأكيد أهمية الاستثمار فيه لما له من عوائد طويلة المدى على حياة المجتمعات وخاصة في عصرنا الحاضر الذي يحذرنا بأن المهارات المطلوبة للمهن المتوقعة بعد عشرين عاما ليست معروفة الآن مما يعني أن المؤسسات التعليمية والتدريبية لن تتمكن من تقديمها ضمن برامجها الراهنة وهذا سيعني بالضرورة أن أطفال اليوم وهم رجال ونساء الغد ربما سيضطرون للعودة إلى مقاعد الدراسة وهم كبار لتعلم المهارات الجديدة التي ولدت وستظل تولد من رحم المرعب والتكنولوجي عصرنا المتجدد. تأتي أهمية فكرة التعليم المستمر وتحديدا في المملكة العربية السعودية من خلال الظاهرة التي نراها في عدم التوافق بين الكثير من مخرجات المؤسسات الجامعية واحتياجات سوق العمل حيث وحتى عام 1436 تصدرت التخصصات الإنسانية خريجي مستوى البكالوريوس في التخصصات الاجتماعية والشرعية ثم الأعمال التجارية ثم القانون في حين حلت الهندسة في المستوى السادس مما يعني أن الكثير من الخريجين لن يجدوا أعمالا تتوافق مع تخصصاتهم التي درسوها في الجامعات وهذا ما يعني أن أحد حلول البطالة بين الجنسين هو عودتهم ككبار للتعلم. يحب إيجاد مؤسسات (مجتمعية على نمط) (كليات المجتمع) في بلدان العالم المتقدم التي تقدم كافة أنواع المهارات والدروس والتخصصات بمدد زمنية قصيرة بحيث يستطيع أي راغب في أي زمن وفي أي عمر دراسة أن يتعلم ما يشاء بأثمانٍ زهيدة باعتبار خدمات هذه الكليات جزء من حقوق المواطنة. كم رأيت بعيني عشرات الطالبات والموظفات اللاتي أوصدت الأبواب في وجوهن مع رغبتهن العميقة في التعلم لأسباب إدارية أو وظيفية غير عادلة. نحتاج صناع القرار التربوي لتعديل المسار وإتاحة فرصة التعليم لكل راغب.

مشاركة :