صدمَ المدير الفني الألماني لنادي ليفربول الإنجليزي، يورغن كلوب، الكثير من عشاق ناديه قبل نحو أربعة أشهر عندما وافق على بيع أفضل لاعبي فريقه فيليب كوتينيو، الذي قدم أداءً رائعاً في النصف الأول من الموسم، ولم يستبدله بلاعب آخر، ما جعل أنصار النادي والنقاد يشككون في السلامة العقلية للمدير الفني الألماني. وبدلاً من البحث عن بديل لكوتينيو، تعاقد كلوب مع المدافع الهولندي فيرجيل فان ديك، وأعرب عن ثقته في أن الفريق سيتحسن نتيجة لذلك. ولو نظرت إلى التعليقات والتحليلات المتعلقة بنادي ليفربول في نهاية فترة الانتقالات الشتوية الماضية لوجدت كثيرين يتحدثون عن أن النادي سيتراجع بشدة، بسبب فقدانه لمهارة وبراعة نجمه الأبرز، ويتوقعون أن النادي لن يتمكن من تعويض هذا اللاعب الذي يتمتع بقدرات تجعله أحد أبرز اللاعبين في عالم كرة القدم في الوقت الحالي. لكن بحلول النصف من أبريل (نيسان) الحالي، لا يمكنني أن أتذكر أن ليفربول كان في موقف أفضل مما هو عليه الآن، كما ارتفعت توقعات جمهور النادي بشكل غير مسبوق، سواء على المدى القصير أو البعيد فيما يتعلق بالمنافسة على البطولات المحلية والقارية. لقد اعتمد كلوب في المقام الأول على تطوير أداء وفلسفة وهوية الفريق وفهم كل لاعب لمهام مركزه داخل الملعب، في إطار نظام عام يعمل في المقام الأول والأخير من أجل مصلحة النادي. وفي الحقيقة، يعد هذا أمراً هاماً للغاية في رياضة باتت تعتمد بصورة أكبر على المواهب الفردية ودفع أموال طائلة في التعاقدات الجديدة. ويجب الإشادة بكل ما قدمه ليفربول خلال الموسم الحالي، خصوصاً منذ رحيل كوتينيو إلى برشلونة، وتعاقد ليفربول مع مدافع ساوثهامبتون فيرجيل فان ديك، كما يجب دراسة ذلك من قبل الجمهور والنقاد والمحللين والمديرين الفنيين الواعدين لمعرفة أنه يمكن تحقيق النجاح رغم خسارة أحد أهم المفاتيح الهجومية للفريق، إذا كان المدير الفني يعتمد على أسلوب يمكن الفريق من تقديم أداء جماعي وتطويع أداء جميع اللاعبين من أجل مصلحة الفريق، بالإضافة إلى تحقيق نتائج جيدة وتقديم كرة قدم ممتعة ومثيرة في الوقت نفسه. لقد أظهر كلوب بما لا يدع مجالاً للشك أنه يمكن تطوير الفريق، رغم بيع أفضل لاعب لديك إذا كنت تستطيع مساعدة لاعبيك على تقديم أفضل ما لديهم، ولذا لم يكن من قبيل الصدفة أن يكون التعاقد مع أليكس أوكسليد تشامبرلين هو الذي مكن ساديو ماني وروبرتو فيرمينيو واللاعب الرائع محمد صلاح من تقديم أفضل ما لديهم، وتشكيل خطورة كبيرة على مرمى الفرق المنافسة. ورغم أن أوكسليد تشامبرلين يعد لاعباً موهوباً لكنه بكل تأكيد لا يمتلك مهارات وإمكانات كوتينيو، لكنه في الوقت نفسه يمتلك قوة بدنية وخططية لا يملكها كوتينيو، فضلاً عن تحركاته التي تخلق مساحات لماني وصلاح بين دفاعات الفرق الأخرى. وكان من الواضح للغاية خلال المباراة الأولى للدور ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا أمام مانشستر سيتي أن لاعبي ليفربول يقومون بعمل رائع واستثنائي من حيث الضغط على الفريق المنافس، وشن هجمات مرتدة سريعة، وهو ما جعلني أتساءل عما إذا كان من الممكن لليفربول أن يقدم مثل هذا المستوى من النشاط والحيوية والحركة في ظل وجود كوتينيو بدلاً من تشامبرلين! علاوة على ذلك، نجح كلوب في سد الثغرات الدفاعية لفريقه من خلال التعاقد مع فيرجيل فان ديك، وهو ما يعطي الفرصة للثلاثي الهجومي للقيام بواجباتهم على أكمل وجه وتسجيل وصناعة الأهداف. كما تجب الإشادة أيضاً بالطريقة التي يعتمد عليها كلوب، والطريقة التي يؤدي بها لاعبوه داخل المنظومة الشاملة التي يعتمد عليها، لأن كل لاعب يعرف بالضبط المطلوب منه. ويمكن القول بكل ثقة إن مستوى أندرو روبرتسون وترينت ألكسندر أرنولد وساديو ماني ومحمد صلاح وفيرمينيو يتطور من مباراة لأخرى، علاوة على أنهم قد لعبوا دوراً محورياً في تطبيق المبادئ التدريبية لكلوب، الذي يعتمد في المقام الأول على مجموعة من اللاعبين الذين يثق في قدراتهم بعيداً عن الأسماء اللامعة أو الأرقام الفلكية التي تُدفع في سوق انتقالات اللاعبين. وفي الواقع، يعود الفضل فيما يقدمه ليفربول خلال الموسم الحالي إلى الطريقة التي يلعب بها الفريق والخطة الهجومية التي يطبقها، ولم يكن من الممكن تحقيق ذلك من دون مدير فني يثق كثيراً في لاعبيه، ويلم بكافة التفاصيل الخاصة بطريقة اللعب التي يعتمد عليها، بغض النظر عن الانتقادات التي يواجهها في الأوقات الصعبة. لقد تعرض كلوب وجوسيب غوارديولا لانتقادات كثيرة في إنجلترا بسبب إصرارهما على تطبيق فلسفتهما الخاصة حتى في ظل الأوقات التي لم يحققا فيها نتائج جيدة، لكن الصورة الأكبر تُظهر أن التوظيف الجيد للاعبين داخل الملعب، وتطويرهم على المستوى الفردي، يزيد من قيمتهم النقدية، ويعطي نادي كرة القدم رؤية وخطة واضحتين على المدى الطويل. ويعد بيع كوتينيو مقابل 150 مليون جنيه إسترليني خير مثال على ذلك، خصوصاً أن ليفربول قد عوضه بلاعب أصغر سناً وأرخص ثمناً هو أوكسليد تشامبرلين، الذي يمتلك قدرات فنية مختلفة تماماً، لكنها تتناسب مع الطريقة التي يلعب بها الفريق. إنها عبقرية إدارية لا تسعد الجمهور فحسب، لكنها تسعد أيضاً مجلس الإدارة والمساهمين الذين يدرسون دائماً السجلات المالية للنادي. ويمكن القول إن رحلة ليفربول قد بدأت للتو، وأنا متحمس للغاية لمعرفة إلى أين ستصل، سواء خلال الموسم الحالي أو المواسم المقبلة. لكن ما حدث أيضاً يعد بمثابة درس يجب أن نتعلم منه أن ننظر إلى الصورة بشكل أكبر وأشمل، كجمهور وكمديرين فنيين وكمتخصصين في مجال الإعلام، وأن ندرك أن اللاعب الكبير قد يحسم المباريات في بعض الأحيان، لكن الأداء الجماعي للأحد عشر لاعباً داخل المستطيل الأخضر هو الذي يمكن أي ناد من تحقيق أهدافه وطموحاته. وأظهر ليفربول تطوره في الدفاع، بالإضافة إلى هجومه الرائع، بعدما صمد أمام هجمات مانشستر سيتي ليفوز 2 - 1 ويتأهل لقبل نهائي دوري أبطال أوروبا بالانتصار 5 - 1 في مجموع مباراتي الذهاب والإياب. ومنذ تولي كلوب المسؤولية باستاد أنفيلد قبل عامين ونصف العام تساءل النقاد هل يملك الفريق القدرة الدفاعية المماثلة لهجومه المذهل. وظهر الدفاع أكثر قوة منذ ضم الهولندي فيرجيل فان ديك في يناير (كانون الثاني) وتألق الأسكوتلندي إندي روبرتسون الظهير الأيسر. ويدين ليفربول بالفضل مرة أخرى لجيمس ميلنر لاعب الوسط. ولم يقم لاعب سيتي السابق، الذي أظهر أنه يلعب من أجل الفريق منذ بداية الموسم، بعمل رائع فقط فيما يتعلق بالمجهود والتدخلات المهمة، لكنه جعل خط الوسط أكثر هدوءاً وسيطرة.
مشاركة :