لو تفحصنا بشكلٍ بسيط - أو دونما ذلك - سندرك بأن عالمنا العربي اليوم، يعيش العديد من المشكالات، وأن جزءًا مهمًا من هذه المشكلات، وما يرتبط بها من قضايا، «متأتٍ من تعاملنا مع التراث»، هذا ما أكدته الباحثة والمفكرة التونسية ناجية الوريمي، في محاضرتها التي قدمتها بـ «مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث»، تحت عنوان «الفكر العربي الإسلامي واشكال التحديث، أي دور لإعادة قراءة التراث؟»، مساء الاثنين (16 أبريل)، ضمن الموسم الثقافي الموسوم بـ «قل هو الفن»، وبالتزامن مع «مهرجان ربيع الثقافية».صراعات ماضينا.. صراعات حاضرنا!شرعت الوريمي محاضرتها بتبيان المفاهيم وتعريفاتها، موضحةً أن كل حداثة «يجب أن تقيم حديثاً (اتصالاً) مع ماضيها»، فالحداثة التي تقطع الوصل بالماضي، «ليست بحداثة»، غير أنها لفتت إلى أن «ثقافتنا العربية، عاجزة عن مجارات الثقافة العالمية اليوم»، والسبب يتمحور في عددٍ من الموضوعات، منها: عجز الفكر العربي عن مراجعة المفاهيم، والقراءات الأيديولوجية للتراث، إلى جانب عدم تحليل الخطاب، والدوران في دائرة الحزن على الماضي، وعدم تفعيل القطيعة الابستمولوجية، وغير ذلك... إذ تلفت الوريمي إلى أن «دور القارئ للتراث، هو حماية الثقافة، وتعريضها للخطر في ذات الوقت»، ولهذا ليس تناقضاً، إذ أن النقد هو الوسيلة الأسلم للحفاظ على التراث، فتعريض التراث والثقافة الناتجة عنهُ للنقد والتحليل، يسهم في حفظها وصونها.مشيرةً إلى أن أهمال النقد والتحليل، جعل مخرجات التراث في العالم العربي الإسلامي، مزدوجة، «فطرفٌ يتشبث بالماضي، وآخر قطع كل صلة به»، لهذا تؤكد الوريمي بأن «العقل العربي لم يتخلص من المعايير التي يقيم بها الماضي، فهو تارةً ينظر له بمنظار مذهبي، وأخرى إثني، وثالثة أيديدولوجي... وكل هذه المناظير، تعيق تشكيل منظومة التفكير السلمية»، وهذا بطبيعة الحال، تسبب في اضطرابات، وأسهم بشكلٍ كبير في تشتت الواقع العربي اليوم، إذ «ما تزال الصراعات الماضوية هي نفسها صراعات القرن (21) فيما بيننا»!وترى الوريمي أن «العنف الاجتماعي الذي تتبناه كثير من التيارات، هو الوجه التطبيقي للفكر العربي في محاولته حل اشكالية التراث»، ولهذا هي تدعو لإعادة النظر في الفكر العربي، موضحةً أن المفكرين في عصور النهضة العربية، استعادوا النصوص التراثية كما هي، دونما تحليلٍ أو نقد، وهذا ما ترفض الوريمي أن يتم اليوم.الماضي ليس إنموذجاًتؤكد الوريمي أن الحداثة ليست مرحلة تاريخية، إذ ليست هناك حدود زمنية تقف عندها، فالحداثة تطرح مجموعة من الاختيارات التي لا تقطع الصلة بالماضي، فـ «مفهوم الحداثة مفهوم مرتبط عضوياً بالماضي والتراث»، لهذا تشكل العلاقة بين الماضي والحداثة، علاقة استمرار، إلا أن الحداثة لا تعتبر الماضي إنموذجاً، فهي تنظر إليه كشيء يمكن الاستفادة منه، وليس بوصفهِ إنموذجاً للتطبيق، و«اعتبار الماضي إنموذجاً هو الذي يعوق التقدم».إن تطبيق إنموذج الماضي، مسيطر على الذهنية العربية، بل أنه بمثابة الحلم، الذي يدغدغ مشاعر الكثيرين، ذلك لأن «القطيعة الابستمولوجية لم تحدث بعد في الفكر العربي»، كما تؤكد الوريمي، مضيفةً «حضور المقدس، في الفكر العربي، عائد لعدم إنجاز هذه القطيعة، التي خلصت إليها المجتمعات الأخرى»، لتضع حداً ابستمولوجياً بين واقعها اليوم، وماضيها وتراثها.تحليل الخطاب.. والإيديولوجياترى الوريمي بأن (الخطاب المكتوب) هو أكثر الحوامل الذي يمكن لها أن تخلد ثقافة الأمم، ولهذا تتسائل كيف يمكن أن نقرأ هذا الخطاب في سبيل تمثله تمثلاً نقدياً؟ بدايةً، تؤكد الوريمي أن دور القراءة «هو استعادة هذا المرجع، بالوقوف على الدلالات الخاصة بالنص في غياب كل المؤشرات المساعدة على الفهم، وذلك بالعودة إلى نصوص أخرى تساعد على تحديد معطيات المراجع». فالقارئ للنص يجب أن يغيب المنشئ، (المؤلف)، ونواياه وأهدافه، فالمؤلف وفق (بول ريكور)، «ميت»، وظروف إنتاج النص غائبة.على هذا الاساس، يتم تحليل الخطاب، ويكون عبر مقاربة الانفجار المعرفي الذي اسقط الحدود بين المجالات المعرفية، ما يجعلُ الخطاب «وحدة معقدة ذات أبعاد متعددة، وأهمها: البعد الألسني، الذي يستخدم اللغة ودلالاتها، والبعد الاجتماعي، والبعد التواصلي»، إذ تبين الوريمي أن عهود القراءات التقليدية التي تبحثُ فيما أراد الكاتب أن يقول، أنتهت، وأضحى السؤال مرتبطاً بما يريد النص أن يقول. وتلفت الوريمي إلى أن «القراءات الإيديولوجية تقدمُ نفسها على أنها تطابق مع الحقيقة، وتمثيل (خطابي) لها، بينما أهداف تحليل الخطاب هو تفكيك البعد الخطابي في الإيديولوجيا»، لهذا ترى بأن القراءات التي نعاني منها اليوم، تسقط أفكارها ورؤها على النص، وتتسبب في إرباك ثقافة المجتمع العربي، ولا تترك مجالاً لبروز أية قيم جديدة، لهذا تؤكد «ما لم نتخلص من هذه القراءات الإيديولوجية، فلن نستطيع الالتحاق بالقيم العالمية».وترى الوريمي بأن السبيل الأنجع لإيقاف هذه القراءات هو طرح سؤالين، الأول يتعلق بـ (كيف؟)، والثاني بـ (لماذا؟)، إذ يسأل الأول: كيف يمكن مقاربة هذه القراءات بالواقع؟ فيما يطرح الثاني: لماذا يُصاغ النص بهذه الطريقة؟ إذ بطرح هذين السؤالين على كل خطاب، نصل لـ (التنسيب)، والذي يعني تنسيب الحقيقة التي يدعي كل طرف امتلاكها، من حيث المواقف والرؤى الدينية أو المذهبية، وهذا التنسيب «شرط أساسي لقبول الاختلاف والتعدد والتسامح». وبذلك «يساعدنا تحليل الخطاب، على تهيئة الثقافة العربية للتفاعل مع القيم الإنسانية والعالمية، التي ما نزال نرفضها ونتعثر ونتخبط فيها».بين الحزن والحداد على الماضيتستعير الوريمي مفهومين يمثلان استرجاع التراث، الأول هو (الحزن على الماضي)، والثاني (الحداد على الماضي)، وبين هذين المفهومين، فارقٌ كبير، إلا أن العالم العربي الإسلامي، يقبع حبيس المفهوم الأول (الحزن) ولم ينتقل بعد إلى (الحداد)، إذ يمثل المفهوم الأول الشعور بأن شيئاً ما فقد، وعلينا أن نسترجعه، فيما يمثل المفهوم الثاني الإيمان بأن الماضي قد مات، لكن موتهُ لا يعني انقطاع صلتنا به، إنما يؤكد استحالة استرجاعه وتمثله من جديد!لهذا تؤكد الوريمي «أن الثقافة العربية بحاجة إلى الانتقال من مرحلة (الحزن) إلى مرحلة (الحداد)»، ومالم نقم بذلك، ستبقى الثقافة العربية في تخبطها ومشاكلها. وتتابع الوريمي منتقدةً الكثير من المفكرين العرب، الذين حملوا النصوص أكثر من طاقتها، كما حدث للنصوص الخلدونية، التي تحلمت أكثر مما تحتمل، وتسببت في «إرباك الثقافة العربية»، وهذا يأتي في سياق (الحزن)، وليس في سياق (الحداد).وتطرقت في خاتمة حديثها إلى واقع المرأة من منظور التراث، مؤكدة بأن هذا الواقع «يتميز بغياب صارخ في مراكز اتخاذ القرار، وعندما يستحضر التراث، فإنهُ يستخضر كخطاب غير مساعد على تمكين المرأة»، إلا أن تحليل الخطاب الإسلامي الذي قامت به الباحثة الوريمي، وجد «أن دور المرأة دور مهم في القيادة، غير أن تشكيل التاريخ، وكل ما تعرضت له المرأة، أعاق قراءة التراث بشكلٍ سليم».وعليه شددت الوريمي على أن «إعادة قراءة التراث، يمكن أن تكون النافذة التي نساهم بها في الثقافة العالمية، ذلك بعد أن نمرره بمراحل النقد والتحليل»، مؤكدةً على ضرورة أن «نتملك هذا التراث في سياق المسيطر، لا الحزين الذي يتمنى استرجاعه وتمثيلهُ في الواقع»، لهذا ترى بأن من المهم أن نربي الناشئة على فكر نقدي، غير أنها تلفت «إن القيام بذلك يرتبط بالسياسات الثقافية التي تخرجُ من إطار الفرد إلى الجماعة، وهو إطار الدولة».يذكر أن الباحثة ناجية الوريمي هي أستاذة في الحضارة العربية والإسلامية بالجامعة التونسية، والمعهد العالي للعلوم الإنسانية، وهي مهتمة بقراءة التراث وتحليل الخطاب، وقد صدرت لها مجموعة من الإصدارات، أهمها: «في الائتلاف والاختلاف: ثنائيّة السائد والمهمّش في الفكر العربي الإسلاميّ» (2010)، «حفريّات في الخطاب الخلدونيّ: الأصول السلفيّة ووهم الحداثة العربيّة» (2008)، «الإسلام الخارجي» وقد صدر ضمن سلسلة «الإسلام واحد ومتعدداً» (2006)، كما للوريمي العديد من المشاركات الفكية والبحثية المنشورة في العديد من الدوريات العلمية. الحداثة الممتنعة في الخليج العربيتأليف: باقر النجارتخبر منطقة الخليج العربي عن تحولات في عمق المجتمع وعلى أطرافه. تحولاتٌ ستقود إلى تغيّرات في نمط العلاقات الاجتماعية والسياقات الثقافية والهياكل الحاكمة لأنماط السلوك. تواجه هذه التغيّرات قدراً من الممانعة من قوى مؤسّساتية وأخرى اجتماعية، تأخذ أحياناً لبوساً دينياً وآخر إثنياً وثالثاً قبلياً. تجفيف منابع الإرهابتأليف: محمد شحروريلقي هذا الكتاب الضوء على معانٍ كثيرة لمفاهيم وردت في القرآن، سبّب تفسيرها غير الصحيح انحرافاً ملحوظاً عن الرسالة التي حملها الرسول لتكون رحمة للعالمين، كالجهاد والقتال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولاء والبراء. لعل هذا الجهد يشكل أثراً في تجفيف منابع الإرهاب، ويعالج هذه الظاهرة فكرياً. الفلاحون والعنبر رقم 6تأليف: أنطون تشيخوفيضم هذا الكتاب، روايتان، «الفلاحون» و«العنبر رقم 6»، في الأولى، حيث بؤس الفلاح الروسي وظلاميته. فيما تحكي الثانية قصة طبيب يزاول مهنته بشكل روتيني، مما يجعل الإحساس بالمسؤولية متبلد لديه، نظرًا للامبالاة الحكومة تجاه المستشفى، فينعكس هذا الواقع عليه متجهاً للقراءة الفلسفية والتأمل.
مشاركة :