في خطوة جديدة على طريق الاندماج في المجتمع المدني أصدرت منظمة «إيتا» الانفصالية، التي خاضت نضالا مسلحا من أجل استقلال إقليم الباسك عن إسبانيا، بيانا طلبت فيه للمرة الأولى أمس الجمعة «الصفح» من ضحاياها، تمهيدا لحل المجموعة الانفصالية من جانب واحد.من جهتها، احتفلت حكومة رئيس الوزراء ماريانو راخوي المحافظة التي رفضت رفضا قاطعا منذ 2011 أي تفاوض مع المجموعة المسلحة وطالبت بحلها من دون تعويض، بانتصار دولة القانون. وقالت في بيان: «هذا ليس سوى نتيجة جديدة لقوة دولة القانون التي انتصرت على إيتا بأسلحة الديمقراطية». وأضافت، كما نقلت الصحافة الفرنسية: «كان يفترض بإيتا أن تطلب الصفح منذ فترة طويلة». واعتبرت الحكومة طلب إيتا الصفح مسألة «جيدة» «لأن ذكرى الضحايا وكرامتهم، كانتا حاسمتين في هزيمة إيتا».وقبل عام في أبريل (نيسان) الماضي أصدرت المنظمة بيانا من جانب واحد أعلنت فيه التخلي عن جميع أسلحتها لممثلي المجتمع المدني في الباسك، لتصبح «إيتا الآن منظمة منزوعة السلاح». إلا أن المنظمة قالت في بيانها قبل عام إن «أعداء السلام» قد يواصلون تعطيل تلك العملية، وكانت تقصد من ذلك بعض عناصرها أو حتى الحكومة الإسبانية التي رفضت التفاوض معها حول إلقاء سلاحها، واعتبرت العملية خطوة من جانب واحد. وأضافت أن «الضمان الحقيقي الوحيد للنجاح هو آلاف الأشخاص الذين يجتمعون في بايون (جنوب غربي فرنسا) دعما لنزع السلاح». كما أن المنظمة ستقوم الشهر الماضي بحل نفسها، كما وعدت، وبذلك ستطوى صفحة على أقدم المنظمات المسلحة الأوروبية.ومنذ عام 1968 حتى عام 2010، شاركت المنظمة في حملة دموية لإقامة دولة مستقلة في إقليم الباسك بأجزاء من شمالي غرب إسبانيا وجنوب غربي فرنسا، مما أسفر عن مقتل أكثر من 800 شخص. وفي نهاية عام 2011، أعلنت المنظمة انتهاء نزاعها المسلح. ولم ترتكب المنظمة أي هجمات منذ ذلك الحين، إلا أن نزع السلاح لم ينفذ حتى أبريل 2017.وكتبت «إيتا» أمس في بيان تاريخي: «ندرك أننا تسببنا خلال هذه الفترة الطويلة من النضال المسلح في كثير من الألم والأضرار التي يتعذر إصلاحها». وأضافت المنظمة في هذا البيان، الذي نقلت أجزاء منه الصحافة الفرنسية، ونشر بعد 60 سنة تقريبا على تأسيسها في 1959: «نريد التعبير عن احترامنا لقتلى وجرحى وضحايا العمليات التي قامت بها إيتا... نعرب عن أسفنا الصادق».ثم خاطب البيان مباشرة «الضحايا الذين لم يشاركوا مباشرة في النزاع»، أي المدنيين الذين لم يكونوا نوابا أو عناصر من الشرطة أو حراسا مدنيين، وطلب منهم الصفح مباشرة. وقالت: «نطلب الصفح من هؤلاء الأشخاص ومن عائلاتهم. وهذه الكلمات لن تحل ما حصل ولن تخفف كثيرا من الألم. نقول هذا باحترام، ولا نريد التسبب في مزيد من الحزن».وسيتيح طلب الصفح حل المجموعة قريبا كما يأمل أقارب المسجونين أعضاء إيتا، في تطور لسياسة السجون في إسبانيا وفرنسا، عبر تقارب بين المسجونين في سجون قريبة من منازلهم، وعمليات الإفراج المشروطة عن الذين لم يرتكبوا جرائم دموية. ويمكن أن تساعد نهاية إيتا أيضا اليسار الانفصالي الباسكي الذي يواجه انتخابات بلدية جديدة في 2019.تأسست إيتا في ظل الديكتاتورية في عهد فرانسيسكو فرانكو، وتسببت أيضا بسقوط آلاف الجرحى في اعتداءات استخدمت فيها القنابل في بلاد الباسك، وفي بقية أنحاء إسبانيا وفرنسا، ونسقت عمليات خطف وابتزت رؤساء مؤسسات، وتكثفت هذه الأعمال في الثمانينات والتسعينات، بعد عودة الديمقراطية إلى إسبانيا بعد موت الديكتاتور فرانكو.وترافقت هذه الحقبة المظلمة التي تميزت بتحركات يومية تقريبا، بعمليات إعدام خارج نطاق القانون وأعمال تعذيب ضد عناصر إيتا ومتعاطفين معهم، منسوبة إلى عناصر كوماندوز يؤيدون أجهزة الشرطة.لم تعرب المنظمة من قبل عن أسف من هذا النوع. لكن بيانها لا يشير إلا إلى «أسف» (وليس إلى طلب الصفح) للضحايا المتورطين فيما تصفه بأنه «نزاع»، كالحرس المدني أو رجال الشرطة.وردت ماريا دل مار بلانكو، من «جمعية ضحايا الإرهاب» على البيان بالقول: «أرى أن من المعيب وغير الأخلاقي إجراء هذا التمييز بين الذين كانوا يستحقون رصاصة في مؤخر الرأس، وقنبلة تحت السيارة، والذين كانوا ضحايا بالصدفة». وأضافت هذه النائبة عن الحزب الشعبي التي قتل شقيقها ميغيل أنغل بلانكو في 1997 بعد عملية خطف تابعت إسبانيا بأجمعها وقائعها، أن هذا البيان «لا يلبي أبدا توقعاتنا». وطالبت الجمعية أيضا بأن تتحمل منظمة إيتا «مسؤولياتها الفردية» بحيث يمكن إيضاح ملابسات الجرائم التي لم تُحل.ويقول المنتدى الاجتماعي، وهو منظمة قريبة من عائلات السجناء، إن لمنظمة إيتا نحو 300 عضو مسجون في فرنسا وإسبانيا والبرتغال، وإن 85 إلى 100 فارون، وإن فرنسا أبعدت اثني عشر شخصا «لا يحملون مستندات رسمية إلى أفريقيا أو أميركا اللاتينية».وتؤكد مجموعة الاتصال الدولية المؤلفة من خبراء في حل النزاعات، وتشارك في عملية حل إيتا، أن الإعلان عن حلها سيتم في بداية مايو (أيار) المقبل.
مشاركة :