الحراك الذي تشهده السوق السعودية الداخلية - إيجاباً وسلباً - منذ إطلاق عدد من الأنظمة الجديدة أخيراً، وتحديداً من وزاراتي العمل والتجارة، التي وضعت - كما أعلن في حينه - لأجل إعادة هيكلة سوق العمل وتحريرها، هو في مجمله العام حراك مطلوب فرضته المرحلة بكل تداعياتها، بعد حقبة زمنية طويلة من الجمود في الأنظمة، وكذلك محاولات واجتهادات لم تلبث أن تختفي وتخضع للمقاومة والضغوط، سواء من المجتمع بحسن النوايا وجموح العاطفة، أم من خلال التكتلات التي كان يقودها رجال الأعمال، ويفتعلون من خلالها الأزمات، حتى ينجحوا وقتها في تجميد تلك التنظيمات الوقتية. ولعل السوق السعودية في أكثر من فترة وبعد كل تنظيم وإجراء تشهد رد فعل سريع في أكثر من اتجاه، أهمها - وهو ما أود أن أسلط الضوء عليه - ما يتعلق بأصحاب المؤسسات الصغيرة، أو رواد الأعمال الشباب، من الجنسين، بحيث ينطلقون على الفور مستغلين بعض التسهيلات الحكومية، التي تتواكب مع الفراغ الجزئي في السوق، بحكم توطين المهن أو نظام السعودة أو باستحداث أنشطة جديدة مخصصة للشباب، مثل عربات الأغذية، أو الأسر المنتجة، لنجد بعد فترة وجيزة، وبقدر ما هناك من نجاحات تحققت للبعض، أن هناك أعدادا كبيرة فشلت في التجربة وخرجت من السوق، وليتها خرجت سالمة، بل خرجت محملة بالديون المبكرة المحبطة! صحيح أن هناك خطوات جيدة وتنظيمات مرنة تتيح الفرص، وصحيح أن دور الحكومة لا ينبغي أن يستمر في الجانب الرعائي الكامل، وخصوصا في القطاع التجاري والاستثماري، بحيث لا يطلب منها أن تدير أعمال كل شاب وشابة بالنيابة عنهم، كون هذا يخلق حالا من التبلد والتحول من الاتكالية على العامل الأجنبي إلى الاتكال على الحكومة، كما كان يحدث منذ زمن في مشاريع شراء الحكومة لمحاصيل القمح من المزارعين. هذا لا ينبغي أن يحدث ولا نطالب بعودته، ولكن في المقابل، ومن أجل نجاح مشاريع توطين المهن وإيجاد الفرص أمام الشباب، نحتاج إلى السيطرة على الحماسة السلبية لدى الشبان والشابات في التوجه إلى الأعمال الحرة، وإيجاد آليات أكثر دقة للتأكد من جاهزيتهم وحملهم دراسات جدوى لمشاريعهم الناشئة، إلى جانب تأهيل مهني خلال دورات سريعة مختصة في التسويق والإنتاج والبيع المباشر، حتى يتمكنوا من دخول السوق بثبات أفضل. فالحماسة وحدها لا تكفي، والعمل بنظرية «الحركة بركة» لم يعد مجديا. صحيح أن بعض الانظمة الجديدة، وليس جميعها، مرهقة ومحبطة في بداياتها، لكن الشباب أيضا اتجهوا إلى السوق من دون تخطيط ومن دون دراسة، وعليهم أن يغيروا هذه السلوكيات ويتجهوا إلى بيوت الخبرة، التي تقودهم إلى التخطيط السليم، ولعل وجود النماذج الناجحة في السوق الآن يجعلنا نتفاءل بتوسع الدائرة لخلق جيل جديد من رواد الأعمال، في ظل سوق جديدة ومختلفة ومتغيرة. @khaliddarraj
مشاركة :