بدأت مشوار النجومية من خلال الإذاعة المصرية، حتى أن برنامجها «العمة لولو» الذي تخطى عمره نصف قرن ما زال ينتظره المستمعون بشغف صباح كل جمعة، وكان فيلم «الوسادة الخالية» بوابة عبورها لقلوب الملايين، والذي جسدت فيه شخصية «سميحة» أمام العندليب عبد الحليم حافظ أيقونة الحب والهيام، إنها عروس النيل لبنى عبد العزيز التي استقبلتنا في منزلها بحي الزمالك الراقي في القاهرة.. وإلى نص الحوار: * الوسادة الخالية» كان أول تجربة سينمائية لك وراتبك فيه كان ألف جنيه وكان هذا الراتب ضخماً جداً في عام 1957.. هل كان شرطك؟ - ليس لي في الاتفاقات المالية، وضربت الرقم جزافاً دون استيعاب يمكن لأنني كنت أهرب، ولكنهم وافقوا، وقال لي المنتج رمسيس نجيب إنه باع الفيلم من جديد بمبلغ أكبر من الذي اتفق عليه بعد مشهد «التليفون». * كيف كنت تختارين أعمالك بعد «الوسادة الخالية»؟ - جاءني بعدها 70 وسادة، وطلب مني المنتجون العمل معهم، وانهالت علي العروض، ولكن الأستاذ رمسيس وضع نوعاً من «الحصار» عليّ، وبدأت بعدها مباشرة في «هذا هو الحب» ثم عملنا «أنا حرة» لإحسان عبد القدوس وشعرت أن كل الآباء غضبوا، لكن الجمهور تقبل مني رغم أني لم أقل كلمة واحدة حلوة في الفيلم، وكذلك «آه من حواء» رغم اللسان الطويل في الدور لكن صناع العمل اعتمدوا على أن الجمهور يقبل أي عمل مني. * قلت إنك لا تستمتعين عند مشاهدة أفلامك.. لماذا لديك هذا الشعور دائماً؟ - كنت في لندن لعمل فيلم، وكان في بلاتوه آخر الممثل العظيم بيتر أوتول بطل لورنس العرب، وكان اليوم مقسماً بشكل دقيق من حيث الوصول وبدء التصوير والاستراحات وكذلك الوقت المخصص لمشاهدة ما تم تصويره في اليوم السابق، وكنت في هذه الفترة أذهب للكافتيريا ولا أذهب لمشاهدة أعمالي، فكنت أجد هناك بيتر أوتول فسألته ماذا تفعل هنا؟ فقال لي: «لا أحب مشاهدة أعمالي»، فقلت له: «أنا أيضاً كذلك». وذات مرة أصر المخرج وألح أن أرى فيلم «عروس النيل» بالألوان، وعندما شاهدت جزءاً من الفيلم لم يعجبني ما شاهدته وغضبت جداً فخرجت دون أن يشعر أحد وعدت إلى المنزل، وعندما انتهوا من المشاهدة بدأوا يبحثون عني لاستكمال التصوير في هذا اليوم فلم يجدوني. * احكِ لنا عن تجربة لا تنسيها على مسرح الجامعة؟ - في العام الأخير للجامعة كانت رسالتي عن المثال المصري محمود مختار، وكان أستاذي قلقاً عليّ وكان لا يريد أن يكون لي أي ارتباط بشيء آخر خارج الرسالة، وفي الوقت نفسه كان هناك تجارب اختيار الأدوار لمسرحية جديدة وطلب مني مخرجها الحضور، ولكن رفض أستاذي ذهابي، فقررت أن أذهب للمشاهدة فقط وبالفعل كنت موجودة وسط الحاضرين وكانت المسرحية «الأخوات الثلاث» للكاتب الروسي أنطون تشيخوف، وعندما شاهدني المخرج طلب مني قراءة دور الأخت الصغرى في المسرحية فأصبت بفزع لأنني لا أريد هذا الدور ولكني قرأت الدور وعجب المخرج، فطلبت منه تغيير الدور واختيار دور البنت الوسطى، وبالفعل أخذت الدور، وكان من أجمل الأعمال التي أفتخر بها في حياتي، لأنه بعد ذلك وصلتني مراسلات من أمريكيين شاهدوها على المسرح في برودواي من كبار الممثلين وكتبوا لي إن تعبيري كان به إحساس كبير، ودوري كان حزيناً جداً، وعندما جاء والدي ووالدتي لمشاهدة العرض قال لي والدي بعد مشاهدة العرض إنه يجب بعد انتهاء الدور وعند تصفيق الجمهور أن أخرج من حالة الحزن وأبتسم، ولكن هذا بالنسبة لي صعب جداً، وحتى الآن أعيش الحالة والدور بشكل كامل، وقرأت بعد ذلك عن ممثل كان يعيش الدور أيضاً خارج التمثيل وعندما قدم دور الجزار كان يسير في الشارع بسكين ضخم حتى يعيش الحالة، فشعرت أنني لست بمفردي. * وماذا كانت مشكلتك مع اللغة العربية في التمثيل؟ - لغتي العربية ضعيفة لأنني كنت في مدرسة إنجليزية ولم أدرسها، وأتذكر عندما شاهد الأستاذ عزت أبو عوف السيناريو الخاص بي في «عمارة يعقوبيان» عندما كتبته بالحروف الإنجليزية حتى أستطيع القراءة بسهولة، فأخذ السيناريو ليتفرج الجميع عليه، ورغم أني أقرأ القرآن دائماً وأتمه في رمضان أيضاً ولكن يكون عبارة عن منتصف صفحة بالعربية والنصف الآخر بالإنجليزي حتى أفهمه، وحتى أنطق العربية أشعر بأنني أعمل مجهوداً، وتعلمت بعد ذلك وأصبحت سهلة، أم كلثوم تتعبني ولم أكن أعرف ماذا تقول وأنا صغيرة، ولكن أخيراً بدأت أفهمها بعدما عدت لمصر وفتحت التلفزيون واكتشفت أنها الهرم الرابع في مصر، وقلت لنفسي: «كيف فاتت كل هذه السنوات وأنا لم أستوعب وأفهم هذه العظمة بقدرتها واحترامها وصوتها والمعاني والاختيار»، ومع ذلك لا أفهم القصائد سوى فقط «الأطلال» لأن ابنة إبراهيم ناجي صديقتي فشرحتها لي. * «رسالة من امرأة مجهولة» مع فريد الأطرش.. احكِ لنا عن كواليس الفيلم؟ - كان الأستاذ فريد يشتكي لي طول الوقت أنه مضطهد من الأستاذ عبد الوهاب والأستاذ عبد الحليم، وأنا شخصياً أحببت الأستاذ فريد كفنان حقيقي كريم وبريء كالطفل لا يبحث عن الدعاية ولا عن أي شيء، وكان قريباً مني عندما عملنا في هذا الفيلم، وقبل البدء فيه كان هناك رغبة أن يقدم حليم فيلم ثانٍ معي، وحليم حاول منعي وأرسل لي نحو 12 من أصدقائه في الصحافة وأحدهم أستاذ كبير جداً وأخذوني لسينما «راديو» وكان معهم إحسان عبد القدوس، حتى أشاهد فيلماً لفريد الأطرش، وكان حليم منفعلًا، ولكني كنت مشدودة للقصة وأحببت دور البنت التي تضحي بكل شيء وتحب بوفاء، وأنا شخصية رومانسية فقدمت الدور ونجح وكان فريد سعيداً جداً. * تجمعك صداقة قوية بشويكار.. ما سر هذه الكيمياء؟ - كانوا يعتقدون أنني متكبرة، ولكن كسوفي يضع نوعاً من الستار الحديدي دون إرادتي، وأنا لا أتعود على الناس سريعاً، وما ينقص أي شخص يريد التقرب مني هو أنه ينتظر أنني أتخذ الخطوة الأولى، وأنا لن أتخذها أبداً لأن هذه شخصيتي، وما حدث أنها جاءت ذات مرة وطرقت باب غرفتي ودخلت مباشرة فوجدتني أمسك كتاباً فأخذته مني وألقته ثم طلبت قهوة وبدأت تحكي معي وتقول نكتة وقصصاً فشعرت أنها تركت علامة بداخلي، ومن هنا بدأ الحب. * ولماذا لم تكن لديك صداقات قوية في المجتمع السينمائي؟ - أنا كنت جامعية وإذاعية وبالتالي كان لدي أصدقاء بالفعل ولم أكن في احتياج تكوين صداقات في مكان العمل أو مكان ممارسة هوايتي، وكنت أشعر أنهم أصدقاء مع بعض، ولكني لم أشارك في أعياد الميلاد والسهرات، فأنا لست إنسانة اجتماعية، وكنت لا أعرفهم وبالتالي كنت أخاف منهم. وأتذكر أنه في أول يوم تصوير في السينما جاءت مدام فاتن حمامة كي تبارك لي، وكنت جالسة فقالوا لي مدام فاتن جاءت للمباركة، ولم أفهم لأنني لست من الوسط، ولا أفهم ما الذي من المفترض أن أفعله في هذه اللحظة، فوقفت وسلمت عليها وشكرتها ثم جلست، ومن الواضح أن هذا الموقف كان فضيحة، وأعتقد أن هذا الموقف أعطى صورة أنني متكبرة. * «آه من حواء» أمام رشدي أباظة كان كوميدياً.. ما الموقف المضحك الذي لا تنسينه أثناء التصوير؟ - في مشهد الحقنة، طلب منهم رشدي أباظة أن يربطوني، وبالفعل ربطوا قدمي ويديّ، ثم تركوني وذهبوا، واكتشفت أنه مقلب. رشدي كان في منتهى اللطف، كنت أدخل غرفتي أجد سقف الغرفة حتى به ورد لدرجة أنني لا أجد مكاناً لوضع المرآة على الحائط. * فيلم «عروس النيل» كنتِ مريضة أثناء التصوير.. كيف كانت الكواليس؟ - الفيلم تعطل نحو شهر بسبب وجودي في المستشفى، وعندما سمحوا لي بالعمل رافقني طبيب أو مساعد طبيب بصفة مستمرة، ووضعوا لي السرير على البلاتوه، وبعد كل مشهد أنام للارتياح، ومن حظي السيئ أن يدخل في قدمي مسمار. * دور الخادمة في «هي والرجال» كيف أديت الدور بهذه البراعة؟ - أشكرك.. هو من الأدوار التي أتعبتني جداً نفسياً، لكن أعجبتني البنت التي تتردد على الشقق ولها مناورات مختلفة، وما شعرت به، أن الشاب الذي ضحت بكل تعبها ومالها الذي تكسبه من أجله وتركها وبحثت عنه وذهبت وراءه في الإسكندرية وأغلق الباب في وجهها وقال لها: «أنا وكيل نيابة.. وأنتِ خادمة» وهذا أثر في ووجعني حتى اليوم، لأن الرجل ينسى المرأة التي تعبت معه ويتجه لامرأة صغيرة في السن وجميلة، وهذه ظاهرة في المجتمع مؤلمة وشعرت بها. * «آنتي لولو» حقق نجاحاً في الإذاعة لأكثر من 50 عاماً.. هل فكرت يوماً في تقديمه على التلفزيون؟ - فكرت كثيراً، ولم يطلب مني أحد ذلك. * لماذا رفضت العرض الذي قدم لك من لندن؟ - لم أكن حرة إلى حد ما، وكنت مرتبطة جداً بالعائلة، وكان العقد قاسياً جداً، فخفت لأنني كنت صغيرة وبمفردي، ورغم أنها شركة كبيرة تضم كبار نجوم إنجلترا ولكني رفضت. * قلت إنك تعتقدين أن الرجل خائن بطبيعته.. كيف تكونت هذه الصورة لديك عن الرجل؟ - من خلال قراءاتي ودراساتي، حتى في عالم الحيوان لم أجد إلا طيراً أو اثنين هو المخلص لوليفته. * وما الصفة الموجودة في جميع النساء؟ - أنواع النساء كثيرة جداً، وجميعهن لديهن طابع الغيرة والانتقام، والكيييييد. * عشت سنوات طويلة خارج مصر.. هل ستفكرين في مغادرة مصر مرة أخرى والعودة لأمريكا لأن أولادك وأحفادك هناك؟ - لا.. أريد أن أموت وأدفن في مصر.
مشاركة :