لم يكن الراحل غازي القصيبي - يرحمه الله - يمتلك أدوات إعلامية ومصورين وتواصل اجتماعي، وحملات منظمة لتسويق منجزه الوطني، كان يعمل حبًّا بوطنه، وحرصًا على مواطنيه، تحت شعور كبير بالمسؤولية، لذلك كلما حلَّ في وزارة عمل فيها بما يمليه ضميره وحسِّه الوطني، وحظي ككل الناجحين بالمؤيدين والرافضين، وربما معظم الرفض والهجوم لم يكن بسبب أدائه، بل لأنه كان شاعرًا وروائيًا، وهذا ما يسبب القلق لدى الفئات التقليدية البسيطة من المواطنين الذين يتأثرون بخطباء الصحوة. لم يقترح القصيبي برامج، ولا خططًا طويلة أو قصيرة، كل ما هناك أنه عمل بصدق وأمانة، جعل صناديق الشكاوى والاقتراحات ذات جدوى وقيمة، وأصبح المواطن سيدًا وصاحب حق في المستشفيات، فمجرد أن يتعرض لظلم أو تقصير في الخدمة المقدمة له، يضع ورقة صغيرة في الصندوق، أو يقدم شكوى على علاقات المرضى، فتتخذ القرارات الصارمة إذا ثبتت الحالة والتقصير، فتفرض عقوبات، وتلغى عقود، حتى أصبحت المستشفيات في فترة وزارته من أفضل المستشفيات ذات الخدمات المتطورة. تذكرت ذلك وأنا أقرأ عن برنامج المتسوق السري المرتبط مباشرة بوزير الصحة الذي يعتمد على متسوقين سريين يسيرون جولات مستمرة لتقييم أداء المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية، ويكتبون تقارير دورية ترفع إلى وزير الصحة والإدارات المعنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة، من بينها إعفاء المقصرين من العمل وفقا للأنظمة المتبعة. وقد كتبت مرارًا في هذه الزاوية أن المواطن هو وسيلة الرقابة الأولى، سواء على المستوى الأمني، أو التجاري، أو الخدماتي، فهو قادر على التقاط الحالات المريبة أمنيا، والتجاوزات المرورية، والإبلاغ عنها، وهو قادر أيضًا على مراقبة الخدمات المقدمة له، ولغيره من عائلته، والإبلاغ عن أي تجاوزات أو قصور في أداء الخدمة، وهم - أي المواطنون - كانوا الأداة الحقيقية للرقابة على مستوى الخدمات الصحية في المستشفيات والمراكز في فترة القصيبي، وامتداداً لما كان، ها نحن أمام برنامج المتسوق السري لأهداف تقييم الأداء، علينا أن نثق به، وننصت له، إلى جانب من أثبتت منصات التواصل الاجتماعي أن من بين المواطنين العاديين من هو قادر على ضبط أي خلل في أي قطاع من خلاله، وأقدر منا، كرجال دولة وكُتَّاب وصحفيين، على كشف الخلل في الخدمات على المستويات كافة، فقط لننصت لهم قليلا إلى جانب الأفكار الجيدة كفكرة وزارة الصحة بإيجاد متسوقين سريين.
مشاركة :