"خرج ابن آدم من العدم قلت ياااه، رجع ابن آدم للعدم قلت ياااه، تراب بيحيا وحي بيصير تراب، الأصل هو... الموت.. والّا الحياة؟". هكذا عبَّر الشاعر الراحل صلاح جاهين، فيلسوف البسطاء، الذي تحل ذكرى رحيله اليوم، عن دهشته إزاء حياة مسكونة بالموت، وموت مضفور بالحياة، ذلك الشاعر الذي عبَّر عن أحلام وهموم المصريين البسطاء الذين لا يجدون من يتحدث بلسانهم. "محمد صلاح الدين بهجت أحمد حلمي"، شاعر، ورسام كاريكاتير، وسيناريست، وصحفي رحل في مثل هذا اليوم. ولد "جاهين"، يوم 25 ديسمبر عام 1930 في شارع جميل باشا بحي شبرا بالقاهرة، لأب يعمل رئيسًا لمحكمة استئناف المنصورة كانت ولادته متعسرة وتعرضت والدته أثناءها للخطر، فولد شديد الزرقة ودون صراخ حتى ظن المحيطون أن الطفل قد ولد ميتًا، ولكن صرخته كانت منبهة بولادة طفل ليس ككل الأطفال، وقد تسببت تلك الولادة المتعسرة في عدم استقرار حالته المزاجية، كما أدت إلى إصابته بالحدة في التعبير عن المشاعر – سواء كانت فرحًا أو حزنًا، حيث كان يفرح كالأطفال ويحزن لدرجة الاكتئاب عند المصائب. بدأ "جاهين" حياته في المجال الفني بالتحاقه بكلية الفنون الجميلة ولكنه لم يكمل دراسته ليتحول إلى دراسة القانون في كلية الحقوق، ثم تزوج وأنجب ابنه الشاعر "بهاء" من زوجته الأولى، وكانت زيجته الثانية من الفنانة "منى قطان". بعد أن انتهى من دراسته التحق جاهين بصحيفة "الأهرام" التي عمل فيها رساما للكاريكاتير، وكانت أعماله تحظى بشعبية كبيرة جدًا، وتأثير واسع أقوى من أي مقال صحفي وظلت رسوماته تقدم بانتظام، وقبل أن يعمل في الأهرام، كان جاهين يكتب الشعر العامي، حتى قام الضباط الأحرار بنزع فتيل ثورة 23 يوليو 1952، التي كانت مصدر إلهام لجاهين حيث قام بتخليد جمال عبد الناصر فعليا بأعماله، حيث سطر عشرات الأغاني. ولكن هزيمة 5 يونيو 1967م، خاصة بعد أن غنت أم كلثوم أغنيته راجعين بقوة السلاح عشية النكسة، أدت إلى إصابته بالاكتئاب، هذه النكسة كانت الملهم الفعلي لأهم أعماله الرباعيات والتي قدمت أطروحات سياسية تحاول كشفت الخلل في مسيرة الضباط الأحرار، والتي يعتبرها الكثير أقوى ما أنتجه فنان معاصر. ومن قصائده المميزة في هذه الفترة قصيدة "على إسم مصر"، وأيضا قصيدة "تراب دخان" التي ألفها بمناسبة نكسة يونيو 1967، كما ألف جاهين أوبريت "الليلة الكبيرة" أشهر أوبريت للعرائس في مصر. وكانت وفاة الرئيس عبد الناصر هي السبب الرئيسي لحالة الحزن والاكتئاب التي أصابته، وكذلك السيدة أم كلثوم، حيث لازمهما شعور بالانكسار، لأن عبد الناصر كان الملهم والبطل والرمز لكرامة مصر، بعدها لم يستعد جاهين تألقه وتوهجه الفني الشامل، حتى توفي في 21 أبريل 1981. رحل جاهين، ولكن أعماله ظلت حاضرة بقوة، سواء أشعاره، أو أفلامه التي كتبها وظلت خالدة في تاريخ السينما الحديثة مثل فيلم "عودة الإبن الضال"، كما كتب سيناريو فيلم "خلي بالك من زوزو"، و"أميرة حبي أنا"، و"شفيقة ومتولي والمتوحشة"، وقام بالتمثيل في "شهيد الحب الإلهي"، و"لا وقت للحب"، و"المماليك".
مشاركة :