دبي: سامي مسالمة يعتبر رأس المال المخاطر في الإمارات وسيلة بارزة ومبتكرة في عالم الاستثمار المعاصر لتمويل المشروعات الريادية والأعمال المبنية على أفكار لامعة وإبداعية، وتوفر عوامل النجاح لها ولا سيما في مراحل تأسيسها وانطلاقها، الأمر الذي ينعكس إيجاباً بلا شك على دعم مسيرة التنمية نحو تعزيز مفاهيم الابتكار والمعرفة في البيئة الاقتصادية للدولة، ويسهم في تحقيق المستهدف الحكومي الذي تضمنته مؤشرات الأجندة الوطنية، والمتمثل برفع مكانة الدولة، لتكون ضمن أفضل 10 دول في العالم في مجال الابتكار بحلول عام 2021.وقد عملت الإمارات على إقرار قانون متعلق بالاستثمار المخاطر في العام الماضي 2017، وذلك لإقرار الضوابط والالتزامات المتعلقة برأس المال المخاطر، وذلك نتيجة للتعاون الوثيق والشراكة الوطيدة بين القطاعين الحكومي، والخاص لتوسيع آفاق وفرص تمويل المشاريع القائمة على الابتكار في دولة الإمارات، في إطار المساعي الرامية إلى تحقيق رؤية الدولة بإرساء دعائم اقتصاد تنافسي متنوع مبني على المعرفة والابتكار بقيادات كفاءات وطنية متمكنة، كما يهدف النظام إلى تسهيل عمل المبتكرين، وتحفيز جذب رؤوس الأموال المخاطرة إلى الدولة، ويشكل إحدى الأدوات الرئيسية المشجعة على الاستثمار في المشروعات القائمة على الأفكار الجديدة والمبتكرة، ما يعزز من ممكّنات الابتكار في الدولة، ويسهم في تعزيز مكانتها على مؤشر الابتكار العالمي.ويعد رأس المال المخاطر شريان حياة لدعم نمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة خاصة في المجال التكنولوجي، وإضافة إلى فوائده لبيئة الأعمال فإنه يحقق عوائد كبيرة للمستثمرين، ففي أسواق الاستثمار المتقدمة مثل الولايات المتحدة حقق كل دولار مستثمر في الفترة من 1970 إلى 2010 عائداً مقداره 6.27 دولار، وهو عائد ضخم مقارنة بالاستثمار التقليدي وأشكال التمويل الأخرى.شركات حققت نجاحاً كبيراًوتعتبر الإمارات منطقة جذابة بالنسبة لأصحاب المشاريع الناشئة، كما أنها تكتسب الضوء من المستثمرين الدوليين وتحول تركيزهم إلى الشركات الناشئة الواعدة، وتشكل بعض قصص الشركات الناشئة التي تلقت تمويلاً من رؤوس الأموال المغامرة وقد وصلت إلى قمة النجاح، خير مثال على احتضان الدولة لمشاريع مبتكرة بدأت برأس مال مخاطر، من ضمنها «سوق.كوم» الموقع الإلكتروني الأكثر شعبية للبيع بالتجزئة في الشرق الأوسط، والذي يشكل أحدث قصة نجاح في المنطقة، حيث استحوذت عليه مؤخرا شركة «أمازون»، وتعتبر تجربة «سوق.كوم»فريدة ومهمة، فبداية هي تشكل نقلة نوعية لحراك ريادة الأعمال والمشاريع التقنية، على الرغم من وجود عدة قصص تخارج أخرى، ف«سوق.كوم» تعتبر البكر والطفل المدلل للمشاريع التقنية العربية، وقد تركت بصمتها في أحد أكبر الاستحواذات في المنطقة.كما أن العام 2017 شهد ولادة شركة «نون.كوم» باستثمار بلغ مليار دولار، والتي تعتبر الآن المنافس الأكبر لموقع «سوق.كوم»، إلى جانب شركة «فيتشر» أيضا المتخصصة بخدمات الشحن عبر الهاتف المحمول، والتي انطلقت في دبي في العام 2015، وتعتبر من أنجح الشركات الناشئة في المنطقة.إلهام لرواد الأعمالوتشكل هذه الشركات إلهاما لرواد الأعمال وخصوصا بعد تحقيقها للنجاح الكبير بسبب اعتماد التكنولوجيا الحديثة كأساس لها، وبذلك تفتح الباب أمام أصحاب الأفكار الابداعية إلى البحث عن تمويل لأفكارهم لتحويلها إلى واقع، وهنا تكون شركات الاستثمار المخاطر «VCs» في المرصاد، والتي بدورها تبحث عن مشاريع مبتكرة وأفكار إبداعية لخوض غمار المخاطرة فيها، إذ تشير كثير من الدراسات إلى أن أكثر من 90% من الشركات الناشئة تفشل خلال السنوات الثلاث الأولى من تشغيلها لأن مفاهيمها تفتقر إلى الأفكار المبتكرة لخوض المنافسات في صناعاتها.كما تشير بيانات موقع «ماغنيت» إلى أن الشركات الناشئة في مجال التجارة الإلكترونية واللوجيستيات تكتسب أرضية في المنطقة حيث توجد منافع وكفاءات فورية يمكن تحقيقها في هذا المجال، وقد كان ذلك جليا مع شركات من أمثال «كريم» و«سوق.كوم» بالإضافة إلى منصات أخرى على الإنترنت في هذا المجال.تحدي المشاريع الناشئةوكانت شركة «دو» التابعة لشركة الإمارات للاتصالات المتكاملة كذلك قد اطلقت بالتعاون مع جامعة زايد، أول تحد للمشاريع الناشئة الإماراتية، حيث سيحصل طلاب الجامعات الإماراتيون ممّن يتمتعون بحس إبداعي على فرصة استعراض أفكارهم ومهاراتهم بشكل مباشر أمام الجمهور ولجنة التحكيم للتنافس على الجوائز الأولى، فضلاً عن فرصة العمل مع إحدى مسرّعات الأعمال المحلية. وتشارك «دو» في تنظيم هذا التحدي مع كل من شركة «إي 11 غلوبال» المنصة العالمية للمشاريع الناشئة التي تزوّد روّاد الأعمال بالأدوات الضرورية لتطوير مشاريعهم الخاصة بنجاح، ومجموعة «ستيب جروب» وهي شركة إعلامية تُعنى بتنظيم الفعاليات وتتخذ من دبي مقرًا لها كما أنها مسؤولة عن تنظيم مؤتمر STEP.تشجيع المواطنينويأتي ذلك انطلاقاً من إيمان الشركة المطلق بالإمكانات الهائلة التي يمتلكها الشباب الإماراتيون، ليكون بذلك إطلاق أول تحد للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهي المبادرة التي تأتي ضمن إطار جهود الشركة لدعم رؤية الإمارات 2021 الهادفة إلى تعزيز رؤية الاقتصاد القائم على المعرفة. وسيتم لقاء المرشحين المحتملين من الشباب الذين يتمتعون بأفكار إبداعية ملهمة إضافة إلى المهتمين بالانضمام إلى شريحة المشاريع الناشئة محلياً، وتسعى «دو» من خلال هذه المبادرة، إلى تشجيع المواطنين وإلهامهم للتعبير عن أفكارهم وتطويرها من خلال التحلي بالجرأة وروح ريادة الأعمال، كما أن من شأن هذه المبادرة السماح برعاية ثقافة الابتكار والإبداع في دولة الإمارات، كما ستساعد في تطوير المهارات الاستثنائية التي يتمتع بها الطلابكما سيتم منح جوائز نقدية لأفضل 3 فرق، حيث سيحصل المركز الأول على 25 ألف درهم، والمركز الثاني على 15 ألف درهم، والمركز الثالث على 10 آلاف درهم، وسيكون بإمكان الفائزين عرض أفكارهم خلال مؤتمر «STEP» للعام 2019، وسيحصل طلاب الجامعات الإماراتيون ممّن يتمتعون بحس إبداعي على فرصة استعراض أفكارهم ومهاراتهم بشكل مباشر أمام الجمهور ولجنة التحكيم للتنافس على الجوائز الأولى، فضلاً عن فرصة العمل مع إحدى مسرّعات الأعمال المحلية.يزداد عدد الشركات الكبرى التي تخوض مجال الاستثمار المخاطر، إذ تخصّص ميزانيات كبيرة لدعم الشركات الناشئة وإدارة عمليات الدمج والاستحواذ، وقد بلغ عدد الشركات والمنصات التي تقدم الدعم المباشر للشركات الناشئة في منطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا 116، ويعتبر هؤلاء هم مستثمرو رأس المال المخاطر والحاضنات والمسرعات، وشركات رأس المال الاستثماري الاجتماعي وشبكات الأعمال.دور الشركات الكبرىوذكر تقرير ل«مختبر ومضة للأبحاث» و«إكسبو 2020» حول التعاون بين الشركات الكبرى والشركات الناشئة في المنطقة، بعض الأرقام الهامة عن دور الشركات الكبرى الإقليمية في دعم الشركات الناشئة، فمنذ العام 2011، انطلق 11 صندوق استثمار مخاطر من شركات كبرى في المنطقة لتعزيز الاستثمار في الشركات الناشئة والتفاعل معها، وفقاً للتقرير، وتشمل بعض هذه الصناديق «إم بي سي فينتشرز» في الإمارات، و«حكمة فينتشرز» في الأردن، و«أرزان كابيتال» في الكويت، و«إس تي سي فينتشرز» في السعودية، وغيرها.ويضيف تقرير «ومضة» أنّ الشركات الناشئة التي أبرمت شراكات مع صناديق الاستثمار المخاطر التابعة لشركات كبرى كانت تعمل في السوق لأكثر من ثلاث سنوات، ويضمّ فريقها المؤسّس رائد أعمال متسلسل، وفي حين تمتلك بعض هذه الصناديق أهدافاً مالية بحتة، وفقاً للتقرير، يسعى البعض الآخر إلى استثمارات استراتيجية في الشركات الناشئة وإضافة قيمة لها وللشركة الكبرى على حدّ سواء.ميزات تنافسيةوقد تستفيد صناديق الاستثمار المخاطر التابعة لشركات كبرى من الشركات الناشئة لتجعلها ميزةً تنافسية، بالإضافة إلى أنّ الشركات الناشئة بدورها تساعد الشركات الكبرى على تقليص تكاليف الأبحاث والتطوير، وذلك بالرهان على الابتكارات المتعددة التي توفرها الشركات الناشئة والسعي إلى التكنولوجيات التغييرية، والشركات الناشئة التي تعمل مع صناديق الاستثمار المخاطر التابعة لشركات كبرى، ستكون قادرة على اختبار أفكارها بشكل صحيح، والحصول على الأدوات المناسبة، بالإضافة إلى ذلك، ستستفيد الشركات الناشئة من شبكة واسعة من العملاء المحتملين.عملية تحول حقيقيةفي تقرير حديث لشركة «ماغنيت» أشارت إلى أن الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خضعت لعملية تحول حقيقية على مدى السنوات الأربع الماضية، ووفقًا لتقرير التحليلات لعام 2017، بلغ معدل النمو السنوي المركب للاستثمار (باستثناء الاستثمارات في كل من سوق وكريم) ما يقرب من 75٪ بين عامي 2014 و 2017، مما يشير إلى طفرة في النشاط في النظام البيئي لبدء الأعمال في المنطقة، وقد شهد العام الماضي وحده استثمار 579 مليون دولار في 284 شركة ناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما تبين أن عام 2017 هو عام قياسي بالنسبة لمنظومة بدء التشغيل في المنطقة من حيث إجمالي عدد المعاملات والمبلغ الإجمالي للتمويل المكشوف (باستثناء الاستثمارات في سوق وكريم).مصادر تمويل ذاتيةتعتبر محدودية مصادر التمويل الخارجية لتأسيس الأعمال واحدة من أبرز الثغرات في نظام دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في دبي والإمارات عموما، وينعكس هذا في واقع أن 80٪ من الشركات الناشئة تشير إلى أنها اعتمدت على مصادر التمويل الذاتية لتأسيس أعمالها، وأظهرت دراسة سابقة قامت بها مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى أن 10٪ فقط من الشركات الصغيرة والمتوسطة في دبي تمكنت من الحصول على تمويل طويل الأجل لتعزيز نمو أعمالها التجارية.ورغم النشاط التمويلي غير المعلن أحياناً والخاص بالمستثمرين التأسيسيين وحاضنات ومسرعات الأعمال إلا أن عدداً من المشاريع الناشئة نجحت في الحصول على استثمارات من مستثمرين تأسيسيين وحاضنات ومسرعات أعمال، ورغم عدم ظهور المستثمرين التأسيسيين للعيان تتجه الشركات إلى الوصول إليهم من خلال شبكاتهم الشخصية وعن طريق منصات شبكات المستثمرين التأسيسيين العالمية المتاحة على شبكة الإنترنت، وحصلت حوالي 48 % من المشاريع في مرحلة التأسيس على تمويل من مصادر متعددة (ممولين تأسيسيين وحاضنات ومسرعات ورؤوس أموال مغامرة).
مشاركة :