مرت 100 عام على الفاجعة التي كادت أن تذهب بأهالي وسط الجزيرة العربية، حيث عم الجدب والقحط، وقلّة الأرزاق، وانتشرت المجاعة، وهلك الناس.. في «سنة الجوع» أُكلت الجيف، والجلود، والعظام، وطبخت المخلفات الجافة، ودار الأطفال في الشوارع والطرق بحثاً عن نوى تمر يمتصونه ليخفف عنهم الجوع، وأصبحت المنطقة في صدارة الأماكن الأكثر جوعاً في العالم. حكايات من الجوع لا تزال قصص «سنة الجوع» تتردد على ألسنة كبار السن، ينقلون ما سمعوه عنها من آبائهم، ويروي العم عبدالله بن محمد السليمان ما سمعه من أحداث في سنة الجوع، قائلاً: «الطعام في تلك الفترة كان كقيمة الذهب لا يملكه أي شخص، ولا يجدون ما يأكلون أو يشربون، وكان الجميع يعيش على التمر، وذُكِر لنا أن أحد الأشخاص كان يعمل حفاراً للآبار وأثناء عمله لدى صاحب منزل كان يحفر له بئراً، فقدم له صاحب البيت (الودكه) وهي عبارة عن قطعة من شحم الجمل ناشفة ويابسة تستخدم في السراج لإضاءة المساجد، وتدهن بها اليدين ليحميها من الحبل.. فأخذها العامل وأزال السواد ثم أكلها.. وعند سؤال صاحب المنزل العامل عن هذا التصرف أجاب العامل: معدتي أولى من دهن يدي!، حيث كان الناس يموتون بسبب الجوع في الطرقات والشوارع، وقيل إن بعضهم تخلى عن أبنائه». من الجوع إلى الهدر دارت رحى الزمن، توحدت المملكة، وبدأت سنوات الرخاء والعز، وعم الخير، واليوم تتصدر الدول الأكثر إهداراً للطعام في العالم! وحسب إحصائيات رسمية أعلنت عنها وزارة الزراعة تقدر أن نحو ثلث الغذاء بالمملكة يهدر، وهناك بعض الدراسات المحلية تؤكد أن نحو (90 %) من الأطعمة التي تقدم في الأفراح والمناسبات لا يستفاد منها؟، بعد أن تحولت الفعاليات الاجتماعية إلى تجمعات للتباهي والفخر الذي لا معنى له، وباتت المملكة تستورد (90 %) من احتياجها للغذاء، وتهدر ما يزيد على (30 %) منه، وهي معادلة في منتهى الخطورة يجب أن يوجد لها حل ناجع. خطر اقتصادي بيئي جاء تصدر المملكة لقائمة الأكثر هدراً متزامناً مع تزايد نقص الغذاء عالمياً؛ بسبب الحروب والأمراض وضعف الموارد، وتكرر التحذيرات المستمرة حول مخاطر هدر الغذاء بشكل يهدد الاقتصاد والبيئة معاً، حيث إنّ رمي الفائض من الغذاء في حاويات القمامة سبب أساس لإصدار غاز الميثان، والذي يعد أخطر بـ(21) مرة من غاز ثاني أكسيد الكربون؛ نتيجة لذلك بلغت البصمة الكربونية للنفايات الغذائية حوالي (3,3) جيجا طن من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وهو ما يعادل ثلث الانبعاثات السنوية من الوقود الأحفوري. ولم يقتصر التحذير من الإسراف في الطعام على الاقتصاد والبيئة، حيث شدد الدين الإسلامي على نبذه، وجعل المسرفين «إخوة الشياطين»، ومع ذلك إلاّ أنّ الفرد السعودي يهدر ما يقارب (427) كيلو غراماً من الطعام سنوياً، خصوصاً في المناسبات المتنوعة كالأعراس والأعياد، حيث يعد إهدار الغذاء مظهراً رئيساً فيها، لاتخاذها منحى التباهي بعيداً عن الحاجة للغذاء. المملكة الأولى عالمياً في إهدار الطعام
مشاركة :