تغييب المرأة عن مفاوضات السلام يقود المجتمعات إلى الحروب

  • 4/22/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تحضر صورة المرأة الضحية والسبية والمغتصبة، وتتكرر في معظم البلدان التي تعاني من الصراعات، ومن دون أن تقوم السلطات في تلك المناطق بالإجراءات اللازمة للتصدي لتلك الجرائم. وفي أغلب دول العالم، حق المرأة في إبداء رأيها في قضايا بلدها مكفول بحكم القانون، إلا أن الرجال هم الذين يتصدرون الحديث خلال المؤتمرات ويتخذون القرارات خلال المفاوضات، ونتيجة لذلك ما يقرب من نصف اتفاقيات السلام التي يجري إبرامها هذه الأيام تمنى بالفشل، مما يجعل النساء يدفعن فاتورة النزاعات. وتتواتر التقارير من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعج بالاضطرابات والنزاعات المسلحة حول الأثمان الباهظة التي تدفعها النساء وما يعانينه من صعوبات، تتراوح بين العنف الجنسي والنفسي والعيش في مخيمات اللجوء والترمل لبقية الحياة. ومع انهيار المجتمعات وسيادة القانون وانتشار الأسلحة في أيدي الميليشيات وضعف الهياكل الاجتماعية والعائلية، يسود ما يشبه “الترخيص” للاغتصاب. وقدّم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مؤخرا، إلى مجلس الأمن الدولي تقريرا تضمّن “قائمة سوداء” محددة بأسماء حكومات دول وأطراف وجماعات ارتكبوا خلال العام الماضي، جرائم عنف جنسي واغتصاب في تسع دول تشهد صراعات. والدول التي ارتكبت فيها جرائم العنف الجنسي والاغتصاب، بحسب القائمة، هي كل من سوريا وليبيا والعراق والسودان والصومال وجنوب السودان والكونغو وميانمار وأفريقيا الوسطى. ويستخدم العنف الجنسي ضد النساء، في الغالب، كاستراتيجية عسكرية بهدف هتك عرض العدو وإذلاله وإضعاف معنويات الرجال، أو دفع المواطنين نحو الفرار. وبين تقرير الأمم المتحدة عن العنف الجنسي المتصل بالنزاعات لعام 2016، تواصل استخدام العنف الجنسي كأسلوب من أساليب الحرب، حيث سجل ارتكاب حالات اغتصاب شائعة وذات أهداف استراتيجية، بما فيها حالات اغتصاب جماعي، على يد عدة أطراف في النزاعات المسلحة، بالاقتران مع جرائم أخرى مثل القتل والسلب والنهب والتشريد القسري والاحتجاز التعسفي. وبقدر ما توجد مظاهر عديدة للعنف الجنسي المتصل بالنزاعات، توجد وصمات عار متعددة ومتداخلة تستتبعه. ومن بينها وصمة العار المتعلقة بتلويث الشرف بفقدان العفة المرتبط بالعذرية، ووصمة العار الناجمة عـن الإنجاب خارج إطار الزواج، وخاصة عنـدما يعتبر الأطفال الذين ولدوا نتيجـة الاغتصاب “أولاد العدو”. وغالبا ما يتم تجاهل ضحايا العنف الجنسي مع انتهاء الحروب، كما تعوز أغلب الضحايا الإمكانيات المادية المطلوبة لمقاضاة الجناة، بالإضافة إلى تراخي السلطات في التعاطي مع الجرائم التي يرتكبها الجنود أو عناصر الميليشيات، جراء القوانين التي تحميهم من المثول أمام القضاء. ومن المفترض أن منع نشوب النزاعات والحروب وإحلال السلام من القضايا التي تهم النساء أكثر من الرجال، لأنهن في العادة أول الضحايا، إلا أن العديد من البلدان ما زالت تستبعد النساء من مفاوضات السلام، ولا تتشاور معهن بخصوص المبادرات التي تتخذ لإنهاء الصراعات. وتواجه المرأة العربية تحديا صعبا أكبر بكثير من نظيرتها الغربية في طريق البروز كعضو فاعل في مجتمعها، بسبب المفاهيم الاجتماعية التي تحُول دون مشاركتها في بعض المجالات التي يمكن أن تُحدث فيها فرقا بشكل واضح، وعلى رأسها القضايا المتعلقة بالحروب والنزاعات. الرجل المستبد رغم أن العديد من الدول العربية قد سنّت في العقود الأخيرة مجموعة من التشريعات الرامية لتعزيز دور المرأة في الحياة العامة، وإتاحة الفرصة لها للمشاركة في عمليات حفظ السلام والأمن في المنطقة، إلا أن أبا القاسم القويري المتخصّص الليبي في تحليل المنظومات المعلوماتية يرى أن الخطابات السياسية لا تترجم في معظمها إلى واقع. وقال القويري في حديث لـ”العرب”، “المرأة الليبية والعربية عموما، ما زالت تعاني من إقصاء كلّي ومقصود، ولا يؤخذ برأيها في الأمور التي تتعلق بحياتها الشخصية، مثل الزواج واللباس والعمل، فكيف سيسمح لها بإبداء وجهة نظرها في مفاوضات السلام؟”. وأوضح “المرأة العربية مكبّلة بمجموعة من القيود فرضتها القوى الذكورية التي تستحوذ وتسيطر على المناصب العليا في السلطة وعلى مختلف مراكز صنع القرار، والقوى الدينية التي تروّج للقراءات المغلوطة للدين الإسلامي، بما في ذلك فتاوى شيوخ السلاطين ورؤوس الجهل، وكل ذلك جعل المرأة سلعة وسبية وخادمة، وأخضعها لسلطة الرجل المستبد السيد”. ورغم الصورة القاتمة التي رسمها القويري عن المرأة العربية، إلا أن العديد من الناشطات العربيات بتن أكثر وعيا بحقوقهن، ولم يعد يقتصر النظر إلى جنسهن على أنهن ضحايا ولا حول ولا قوة لهن، بل أصبحت هناك الملايين من الأصوات النسائية حول العالم يجمعها مطلب واحد هو إحلال السلام. وتفخر الدكتورة الفلسطينية نهى سالم الجعفري أخصائية أمراض النساء والتوليد والجراحة بالناشطة السياسية الفلسطينية حنان عشراوي التي اختيرت في عام 1991 لتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في محادثات السلام بمدريد. وقالت الجعفري لـ”العرب”، “المرأة الفلسطينية كانت وما زالت تسجل حضورا ملحوظا في صنع القرارات، ودخلت المعترك السياسي منذ سنوات عدة وشاركت في نشاطات سياسية مختلفة”. وأضافت “حنان عشراوي على سبيل المثال مثّلت الفلسطينيين في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، ورغم استقالتها عام 1993 ما زالت من المدافعين عن الحقوق المدنية، وتشغل أيضا مناصب هامة في عملية صنع القرار”. وتابعت “المجتمع الفلسطيني على قدر كاف من الثقافة والوعي بأهمية دور المرأة وحقها الكامل في صنع القرار ودعم السلام والأمن خاصة، لأنه يعيش وسط منطقة مليئة بالنزاعات والحروب، وهذا يجعله بنسائه ورجاله يدا واحدة متحدة ضد قوى الاحتلال، وأعتقد أن القهر والظلم والضغط النفسي الذي عاشته وتعيشه المرأة الفلسطينية، ما هو إلا جزء لا يتجزأ من سياسة الاحتلال الإسرائيلية التي تريد أن تسكت صوت الحق في فلسطين”. وشددت الجعفري في خاتمة حديثها على ضرورة أن تفسح المجتمعات العربية للمرأة المجال لتأخذ مكانتها الحقيقية في مجتمعها وتتيح لها الفرصة لإبداء رأيها في قضايا الأمن والسلام. منطق الحوار فيما اعتبرت الإعلامية العراقية صباح عباس الدليمي أن المجتمعات العربية لا يمكن أن تحقق نهضتها واستقرارها إلا بفتح الأبواب أمام النساء للولوج إلى مراكز صنع القرار والمشاركة في التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقالت الدليمي لـ”العرب”، “في ظل زيادة تنوع المجتمعات، وتعقدها، وترابطها، وزيادة احتياجاتها، أصبحت الحكومات في حاجة لأن تفتح الآفاق أمام المرأة لتلعب أدوارا أكثر فعالية، من أجل تحقيق السلام العالمي ومواجهة أخطار الحروب والنزاعات المسلحة واستبدال لغة التنازع بمنطق الحوار”.وأضافت “لطالما كانت للنساء العربيات إرادة قوية وجامحة في خوض المعترك السياسي، ليس لأهداف شخصية بقدر ما هي رغبة في خدمة الوطن والمحافظة على أمنه واستقراره والمساهمة في تطويره وإعلاء رايته، ولكن المشكلة تكمن في أن المجتمعات الذكورية ترفض منح الثقة للمرأة، رغم وجود الكثير من النماذج النسوية (كاتبة، صحافية، شاعرة، ناشطة مدنية) ممن برهنت وعلى مر التاريخ على أنها أكثر تعاونا وكفاءة في اتخاذ القرارات الصائبة التي تخدم المصلحة العامة أفضل أحيانا من الرجال”. وواصلت “ولكي لا أذهب بعيدا أظنني كنت واحدة من النساء اللاتي ناشدن السلام حينما التحقت من خلال عملي كمذيعة بجبهات القتال إبان الحرب العراقية الإيرانية على مدى سنوات الحرب الثمانية”. واستدركت الدليمي “ولكن لا يمكن تعزيز وجود المرأة في عملية صنع السلام حاليا، إلا إذا اتجهت النساء نحو الخطوط الأمامية، وعملت تحت مظلة واحدة متكاتفة ومتضامنة، للتصدي لقوى الردة وأبواق التخلّف التي تريدها أن تبقى مهمّشة وبعيدة كل البعد عن مراكز صنع القرار”. ويبدو أن الوقت قد حان لتحويل تجاهل وجود المرأة في الكثير من الدول إلى قوة مرئية في كل مجتمع، وإشراكها في كل عملية سلام، وكل حكومة، وكل مناحي الحياة. وخلال السنوات القليلة الماضية، تزايد عدد النساء في مجلس الأمن الدولي الذي يمثّل أعلى سلطة لإصدار القرارات في الأمم المتحدة، كما احتلت النساء مناصب مهمة على مستوى المنظمات التابعة للأمم المتحدة، إلا أن الرجال ما زالوا يسيطرون على معظم المناصب البارزة فيه. ويؤيد البعض من الرجال المؤمنين بالمساواة انضمام المرأة إلى طاولة الاتفاق، مرجّحين أن يساعد ذلك على سدّ الفجوات والثغرات بين المجموعات المختلفة، مما سيسمح بمناقشة مختلف القضايا التي تتخذ فيها قرارات أحادية الجنس ومتسرعة. وقال توفيق مجيّد، الإعلامي التونسي بقناة فرنسا 24 “لو أتيح المجال للمرأة لتقول رأيها ولم يتم استبعادها من مفاوضات السلام لما رأينا ما نراه اليوم من خراب ودمار في العالم”. وأضاف مجيّد لـ”العرب”، “العنف ارتبط بالرجل، والإحصائيات وحدها تؤكد هذه الحقيقة، أعطوني على سبيل المثال عدد المساجين بتهم الإجرام وقارنوه بنسبة السجينات… أو استمعوا إلى ما قالته أنجيلا ميركل وهي تذرف الدموع على اللاجئين وكيف اتخذت قرارا بفتح حدود بلادها أمام جميع اللاجئين عندما اشتدت أزمة المهاجرين السوريين الهاربين من الحروب نحو أوروبا، ثم استمعوا إلى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان وهو يهدد ببناء جدار لمنع اللاجئين من المرور عبر أراضيه، لتدركوا أن النساء يمتلكن صفات تجعلهن قادرات على اتخاذ قرارات من شأنها أن تجعل العالم أكثر أمانا إذا ما وضعن في مناصب قيادية”. وختم مجيّد بقوله “هناك من يقول إن كوندوليزا رايس أو هيلاري كلينتون من هواة الحرب، ولكن هذا يحصل عندما لا تكون المرأة في رأس هرم السلطة وإنما تتلقى التعليمات أو الأوامر من الرجل الذي يشغل منصب الرئيس”. قوة مرئية تبرز الأدلة المتزايدة، سواء المستمدة من الدراسات العلمية أو المستقاة من آراء الخبراء أن استشارة النساء حول تفاصيل المبادرات الرامية لتسوية النزاعات، يؤدي لمراعاة الكثير من الجوانب الإنسانية المهمة، التي لا يعيرها الرجال اهتماما في أغلب الأحيان. وقالت آية خانجي، خبيرة التنمية الذاتية ومديرة الأكاديمية الدولية للتدريب والكوتشينغ في لندن إن “التكوين الفيزيولوجي للمرأة ونمط تفكيرها وطبيعة المشاعر لديها، جميعها صفات تجعلها ميالة للسلام أكثر من الرجل، كما أن رغبتها بأن تعيش بأمان واستقرار دائمين، تؤهلها لأن تكون عضوا فعّالا في المفاوضات وإيجاد الحلول السلمية”. وأضافت خانجي في حديث لـ”العرب”، “المرأة طبعها مسالم وهي على عكس الرجل الذي يميل في كثير من الأحيان إلى العدوانية والعنف وإظهار القوة، وذلك بسبب تأثير الطاقة الذكورية الغالبة لديه، بالإضافة إلى مؤثرات التربية والبرمجيات المجتمعية، التي تعزز لديه مشاعر العنف وسرعة الغضب والنزعة العدائية والرغبة في تحقيق النصر بأي شكل من الأشكال حتى ولو كان ذلك على حساب المصلحة العامة”. وأوضحت “مخ المرأة يتميز بزيادة شبكات الاتصال أكثر من الرجل، وهذا يعنى أنها أكثر تأثيرا وقدرة على الاتصال والتعايش مع الآخر وإيجاد الحلول والتفاوض للوصول إلى ما تريده، بالإضافة إلى تمتعها بصفة الصبر وقدرتها على التأقلم بسرعة، وجميعها ميزات جيدة تساعدها على إيجاد مخرج دائما من أي مأزق تتعرض له”. وتابعت “المرأة لديها أيضا سرعة بديهة تجعلها تتفطن لمختلف التفاصيل، مما يجعلها دقيقة الملاحظة، كما أن قدرتها على التركيز والعمل على أكثر من محور بوقت واحد، يمنحانها امتياز العمل مع المجموعة أو في فريق العمل بنجاح”. وأكدت أن “الميزات الكثيرة التي تمتلكها المرأة تخوّل لها أن تلعب دورا بارزا في مفاوضات السلام على الساحة العالمية، إلا أنه يتم تلهيتها بالمطالبة بحقوقها الأساسية أو الاحتياجات اليومية”. وتساءلت خانجي في خاتمة حديثها “لماذا هذا الإقصاء لدور المرأة في المرحلة الراهنة التي نحن أحوج ما نكون للسلام أهو لخدمة المجتمع الذكوري أم لأغراض أخرى كأن تستمر الحروب لخدمة مصالح عليا”. ويبدو أن تمكين النساء لا يتعلق فقط بعملية إحلال السلام، بل هو أيضا استثمار في الاقتصادات القوية والمجتمعات الأكثر صحة. وهو في الأساس يعمل على إعطاء الحياة في العالم كله قيمة أكبر.

مشاركة :