قراءة ثقافية لدورات كأس الخليج الرياضية

  • 11/25/2014
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لعل ما دار بذهن الأمير خالد الفيصل (رئيس رعاية الشباب) منذ ما يزيد على أربعة عقود، عندما اقترح إقامة دورة رياضية للخليج، ينطلق من رؤية حضارية للمملكة تتمثل في تأصيل علاقة مثلى مع الأشقاء في الخليج، فالهدف من البدء ليس خلق فضاء صراعي أو تنافري أو استهلاكي، قدر ما هدف الأمير تحت مظلة الدولة إلى مشروع لم شمل وتعزيز إخاء وتنمية منهجية اتصال وتواصل، فالرياضة عموما، وكرة القدم خصوصا، لغة عالمية مشتركة تلتقي معها وعليها وخلالها كل شعوب وأمم الأرض، والخليج غني بثقافاته وموروثه وتعدد لهجاته وجمالية فلكلوره، وشباب الخليج ثري بالمواهب الفاعلة والمتفاعلة مع واقعها ومحيطها، وتحضر دورة كأس الخليج كأساس ثقافي لمعنى التعاون وإخراج الطموحات من عقال المثبطات والهواجس المكبلة للطموحات إلى برامج عمل ترنو إلى تحقيق مستقبل مشرق، وكرة القدم اللعبة المفضلة لجمهور عريض في خليجنا العربي، لكنها ليست ــ كما يفهمها البعض ــ تقاذف أقدام لطابة منفوخة بالهواء، بل هي معنى سامٍ للقاء إنسان بإنسان واستشعار القرب الجسدي، بعد أن قارب الله بيننا من خلال الدين واللغة والروابط الاجتماعية، فالخليج ليس بذرة طارئة على خارطة التاريخ وتفاصيل الجغرافيا، ولا جملة اعتراضية منزوعة من سياقاتها، بل هو ثقافات أصلها واحد وفروعها متنوعة وثمارها تبلغ أقاصي الأقاصي طافحة بالزهو وريا بالنضج والعطاء، والتواصل الإنساني مع إخوتنا في الخليج من خلال دورات الخليج ليس تواصل أجساد رشيقة وسيقان مرنة، بل هو اتصال اللغة، وكما قال أحد الفلاسفة (تكلم حتى أراك)، فالعزلة بين البشر هوة قسرية أحيانا يكسرها اللسان وتلغيها المشاعر، وتنتفي العزلة بتجدد الثقة بالآخر من خلال القرب لا حد الالتصاق كون مزيد القرب حجاب، والنخب الثقافية في الخمسين من عمرها وأكثر تدرك أن الخليج منذ عقود كان مهملا ونسيا منسيا، حتى حضر المنجز بحضور الإنسان، فتضاءلت المخاوف وتبدد القلق وعلا مفهوم الكرامة والاعتداد بالذات، وتنامى حضور شباب الخليج في محافل ومحاضر عالمية مبدعين ومخترعين ومؤلفين ومشاهير في كل فن تميل إليه النفوس وتعشقه القلوب، وتغيرت نظرة الآخر لنا بعد أن أثبت شبابنا أن الخليج ليس بئر نفط فقط، بل هو هوية إنسانية حية تتحدى ذاتها لتحيل الصحارى إلى واحات وتعيد إلى المجسمات المجوفة حركة النماء وروح الحياة ، وتحضر الرياضة بوصفها وسيلة لا غاية وآلية لخدمة فكرة التواصل والمثاقفة، فالمثقفون الهواة من فنانين ولاعبي كرة أغنى وأكثر أثرا من المثقفين المحترفين الجامدين والمتخمين بالأنا المعقدة، وكما يقول الراحل إدوارد سعيد «المثقف المحترف مكتفٍ بذاته وقوامه طقوس أقرب للكهنوتية يمارسها النخبة في فضاء معزول»، والمشاركون في دورات الخليج منهم المعلم والتشكيلي والمؤرخ والمطرب ودارس الموروث، ناهيك عن بعض المتخصصين في العلوم والطب، وتلاقي هؤلاء الهواة المبدعين يعزز إيجابية الإبداع ويطلع كل مجموعة على ثقافة وموروث وإنجاز جارهم الحميم، ومن خلال متابعتي للمباريات المنقضية من الدورة انقدح في ذهني وأنا أشاهد رقصة لاعبي منتخب سلطنة عمان كيف تتحول كرة القدم إلى التعبير عن هوية من خلال التعبير عن الفرح بالفلكلور داخل الملعب، وتمنيت من لاعبي منتخبنا الالتفات لهذه اللقطة، فالتعبير عن الفرح من خلال موروثنا هو مثاقفة مع الآخر ودمج الرياضة بغيرها من الثقافات والفنون، ولعل إدخال الموروث الشعبي في كرة القدم أبلغ وأبعد عن الشبهة والإثم في حال إدخال أمور مختلف عليها بين علماء الدين ومنها السجود، وأتطلع أن يكون تعبير لاعبي منتخبنا بعد كل هدف مستوحى من فلكلور منطقة من المناطق، وفي ظل تكتل دول العالم في اتحادات ومنظومات تحضر دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتحويل دول التعاون إلى دول اتحاد، والرياضة عموما، وكرة القدم باعتبارها الأكثر شعبية تعزز الاتحاد من خلال البطولات الموسمية والدورية بل والشهرية لمزيد من الالتقاء والتآخي، وهنا أيضا تتجلى رؤية مؤسس دورات الخليج الأمير خالد الفيصل باقتراحه تحويل دورة الخليج إلى أولمبياد سنوي يضم كافة الألعاب الفردية والجماعية التي من خلالها تنمو شراكة استثمارية لها مردودها الاقتصادي الوافر ربحيا، ونحن في الخليج أسرة واحدة بيننا مصاهرة وأنساب على مستوى الأمراء والشيوخ والأعيان والمواطنين، وكرة القدم وجه من وجوه التعارف والتكامل اقتصاديا واجتماعيا، فنحن شعوب وقبائل مسكونة بالحنين والحاجة إلى عضيد ومعاون وسند، والعلاقات الإنسانية عاطفية أو مصلحية تنمو في مجتمعات الإنتاج والعمل، والخليج نابض بالحياة، وشعب الخليج يرى في معرفة الآخر والتفاعل معه صورة إخاء حقيقي وتواصل معزز لمعنى المحبة وحسن الجوار، وسينجح شباب الخليج في تحقيق تطلعات آباء وأمهات بصناعة تاريخ يليق بنا، تحت مظلة عناية إلهية لا تضيع أجر من أحسن عملا.

مشاركة :