قبل سنوات قرأت عنوان الديوان الشعري للشاعر الغنائي المعروف علي عسيري، كان العنوان "كذبة اسمها المينا"، أعجبت بالاسم كثيرًا، ورسخ في ذهني واعتقدت حينها أن الحياة بلا موانئ، وأن وصول الإنسان للميناء الذي يبحث عنه كذبة كبرى، لا أعلم إن كان علي عسيري يقصد ما فهمته أنا من العنوان، لكن هذا ما فهمته واقتنعت به حينها، اليوم عندما أنظر للحياة أجد آلاف الموانئ لكل باحث عن ميناء أو أكثر، واليوم أفسّر أسباب قناعتي السابقة بمفهوم العنوان، أفسرها صادقًا مع نفسي، لقد كنت أبحر في سفينة من "جشع"، فلم أرى الموانئ ولا جمال السواحل ولا متعة الإقامة بها، لا أجلد نفسي ولكنني أفسر، كيف لم أشعر بجمال ما كنت به؟ ما الأسباب المقنعة التي جعلتني بعيدًا عن من أحبهم؟ دون الشعور باحتياجاتهم ودون الشعور بما يشعرون به، كيف أمضيت أوقاتًا طويلة متذمرًا دون التفاتة مني للموانئ الهادئة، أنظر اليوم إلى التجاعيد على يد أمي وأقول لنفسي أيها الأحمق أين كنت طوال هذه السنين؟ كيف حضرت كل هذه التجاعيد في الوقت الذي لم تحضر أنت فيه؟ ما الشيء الذي كان يستحق هذا البعد؟ كيف حجزت كل تذاكر السفر للمدن البعيدة وطافت بك الطائرة فوق كل مدن أحبتك.. فوق كل موانئهم أيها المسكين؟! الميناء هو الأرض التي تقف فوقها الآن، السعادة من حولك مليئة بالتفاصيل الممتعة، ولا يتوجب حضورها.. كل الأفكار التي أوهمت نفسك بها، بعض الأفكار "جشعة" لا تتوقف عن الركض، لن توصلك إلى شيء سوى فقدانك للموانئ، مؤلم ألا تبقى بين أحبتك، أن تسعى لما تعتقد أنه سيسعدهم ويسعدك فتمضي بعيدًا عنهم ودون ميناء، أجمل الموانئ هي تلك التي تقع في قلوب ووجوه أحبتك، الجشع ليس في البحث عن المال، هذا ما لم أكن أقصده هنا، الجشع هو ما يجعلك لا ترى قيمة ما تملك. شاعرنا الجميل علي عسيري أرجو سحب ديوانك من الأسواق حتى تغير العنوان، أو تفسر ما كنت تقصده، كما أنني أعتذر من كل أصدقائي الذين حاولت إقناعهم بكذبة وجود الموانئ، أرجو ألا أكون قد تسببت لهم في بعض النتائج السلبية، وآمل أنكم جميعًا تستمتعون بجمال موانئكم.
مشاركة :