قبل أيام من الذكرى السبعين للنكبة العربية الكبرى، بتأسيس المشروع الصهيوني فوق الجغرافية الفلسطينية..عاد خيار«الدولة الديمقراطية الواحدة» ليتصدر واجهة البحث عن حل نهائي للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، تأسيسا على أن «العيش داخل شقة واحدة» هو الحل «الوحيد والمتاح» وإن كان البعض يراه بعيدا، إلا أنه لا بديل عنه، من الزاوية البراغماتية، بعد انهيار عملية التسوية وما اصطلح عليه بحل الدولتين، وفي ظل التحولات الجارية على بنية الصراع، وانطلاقاً من مبادئ العدالة والتحرر والحرية، المناهضة للفصل العنصري والكولونيالية. وأطلقت أمس ـ الإثنين ـ مجموعة من المثقفين الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر، مع مثقفين وأكاديميين يهود معادين للصهيونية، حملة الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين، كتسوية للصراع.. وجاء في بيان المجموعة المؤسسة، إن المبادرة تأتي في ضوء عودة ظهور خيار الدولة الواحدة، كحل أكثر عدالة للقضية الفلسطينية، والمسألة اليهودية في فلسطين، وبعد وصول كل خيارات التقسيم والفصل إلى طريق مسدود، وما سببته من كوارث بشرية ومادية ومعنوية. وكشف البيان، أن مجموعهٌ من النشطاء والاكاديميين والمثقفين والكتاب وطلائع من الجيل الجديد، الفلسطينيين والإسرائيليين، تنادت وأعلنت عزمها على إطلاق حمله واسعة تدعو إلى تبني حل الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية، حيث يعيش فيها الفلسطينيون، بمن فيهم اللاجئون، والاسرائيليون، في ظل نظام ديمقراطي إنساني، يقوم على المساواة، وعلى أنقاض نظام الفصل العنصري الكولونيالي، وويلاته وإفرازاته الكارثية المستمرة. وكانت المجموعة فد التقت في حيفا، وفي مدينة إكستر البريطانية، لهذا الهدف، وقد اجتمعت أكثر من خمسين شخصية في مدينة «شفا عمرو»، أمس الإثنين، وتباحثت في وثيقة سياسية أولية، ذات عشرة بنود، تشكل خطوطاً عريضة لرؤية الحل المنشود. كما ناقشوا خطوات عملية تحضيرية لمؤتمر يُعلن فيه رسمياً عن إطلاق الحملة في كافه أماكن تجمع الشعب الفلسطيني، وفي المجتمع الإسرائيلي أيضا في الخريف المقبل. ويبدو واضحا قلق سلطات الاحتلال من خيار «الدولة الواحدة» في فلسطين، خشية التفوق السكاني الفلسطيني في المستقبل القريب، ويشكلون خطرًا ديموغرافيًّا علي اليهود ـ وبحسب تعبير المؤرخ العسكري والباحث الإسرائيلي، مردخاي بار أون، الضابط السابق المشارك في حرب 48 ـ وأن «مصدر المصيبة هو أن الإسرائيليين لا يرغبون بالسلام، واختار هذا الشعب حكومة لا تريد السلام. وهذا ليس من الآن،هذا منذ زمن بعيد، نظرا للتوجهات الديموغرافية والسوسيولوجية في إسرائيل». ويؤكد المبادرون من خلال حملة «الدولة الواحدة» في فلسطين، رفضهم لاستخدام الفكرة كعامل تخويف للإسرائيليين، بل كفكرة نبيلة تضمن تحقيق العدالة والتحرر من الاستعمار والعيش المشترك، وأن هذه الرؤية الإستراتيجية، تقتضي جهداً كبيراً ونضالاً منظماً ومتواصلاً على الصعيد الجماهيري والفكري والسياسي، والتركيز على دور الأجيال الشابة، الأكثر حاجة لرؤيةٍ تحررية إنسانية ولطريقٍ ينقلهم من واقع الصراع الدامي والحروب العدوانيه إلى مستقبل أفضل، وإلى حياة حرة وآمنة ـ بحسب تعبير منسق اللجنة التحضيرية للمبادرة، عوض عبد الفتاح، الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، داخل أراضي 48 المحتلة .. وقال في تصريحات لصحيفة القدس العربي، لدينا تقدير أن هناك مناخا بدأ يتشكل باتجاه هذه الحل، و نحن لا ننطلق في الأساس من دوافع براغماتية، بل من دوافع مبدئية أخلاقية تحررية وطنية وإنسانية لأن حل الدولتين أساسا غير عادل وغير منصف لأي من تجمعات الشعب الفلسطيني. لكن دون شك فإننا نستثمر هذا الواقع المستجد، أي سقوط الوهم، نهائيا، لإعادة تصويب البوصلة السياسية وفتح أفق جديد للفلسطينيين والإسرائيليين، لنضال سياسي مشترك ولمقاومة شعبية موحدة . وأضاف: ليس لدينا وهم بأننا سنقنع غالبية الإسرائيليين، وليس خيارنا النضالي مختزلا في عملية إقناع، بل النضال الشعبي بأشكاله الثقافية والإعلامية والسياسية والنضال الميداني الشعبي، هذا ما حصل في تجربة جنوب افريقيا وغيرها، وقد ظهرت أصوات يهودية جديدة مهمة تعبر عن قناعتها بأنه لا حل غير هذا الحل في نهاية المطاف ولسان حالهم يقول: لماذا نواصل الحروب والقتل والعدوان على شعب آخر، نقتله ويقتلنا، فلنبدأ بالتحضير والعمل في هذا المسار. ويؤكد الناشط اليهودي ضد النظام الصهيوني، جيف هيربر، وأحد المبادرين للحملة، أنه لا يمكن أن يكون المرء في صراع سياسي بدون لعبة نهاية، وخطة، ورؤية للمستقبل، واستراتيجية فعالة للوصول إلى هناك، ونحو هذه الغاية، اجتمع عدد من الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين لتشكيل ODSC ، حملة دولة ديمقراطية واحدة، وتم وضع برنامج سياسي قائم على إقامة ديمقراطية دستورية بين البحر المتوسط ونهر الأردن ستعزز المساواة في الحقوق وتحمي الحقوق الجماعية.. وقال هيربر، إنه يتطلع إلى عودة اللاجئين وإعادة إدماجهم في المجتمع والعمل نحو إنشاء مجتمع مدني مشترك والشروع في عمليات إنهاء الاستعمار الشامل والعدالة التصالحية والمصالحة في نهاية المطاف. وأوضح «جيف هيربر»، إن الحملة مدعومة ببرنامج سياسي مفصل واستراتيجية فعالة وناشطين ومثقفين صلبين.. ومن بين المبادرين الرئيسيين: الأكاديمي والمؤرخ الإسرائيلي البارز، ايلان بابيه، وعوض عبد الفتاح، وديانا بطو، وإيتان برونشتاين، وأسعد غانم، وسوار عاصلة، ودافنا برام، ومحمد يونس. ومن غزه تعذرت مشاركة بعض المناصرين للحملة بسبب الحصار، لكن هناك اتصالات مع أبرزهم في موضوع الدولة الواحدة، مثل حيدر عيد، وأحمد أبو رتيمة، وهو أحد أبرز الشباب المنظمين لمسيرة العودة. وكان الكاتب الصحافي والمحلل السياسي الفلسطيني، فؤاد أبو حجلة، قد طرح خيار «حل الدولة الواحدة»، في مقال نشر بموقع الإمارات 24 بتاريخ 19 مارس / آذار الماضي، مستندا إلى أن هناك مزاجا شعبيا يعبر عن نفسه بقوة في الضفة وغزة في هذه المرحلة، يتجاوز الخطاب الفصائلي ويذهب إلى ما هو أبعد كثيراً من صيغ الحلول المطروحة للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بل ويسخر من المبادرات الهزيلة القائمة على تنازلات كبيرة لم تقنع إسرائيل وأمريكا لأنها تدعو إلى شبه دولة في الضفة والقطاع، بينما المعروض إسرائيلياً وأمريكياً (في عهد دونالد ترامب) هو حكم ذاتي محدود. ويرى «أبو حجلة» أن هذا المزاج يتحول يوماً بعد آخر إلى موقف شعبي سيجد من يؤطره ويتبناه كمشروع بديل لكل الغث السياسي الراهن، وهو مشروع الدولة الواحدة ثنائية القومية، وهو مطلب إنساني وسياسي لا تستطيع القوى الديمقراطية الكبرى في العالم إنكاره على الفلسطينيين الذين يقدمون العقلانية السياسية على الخطاب التاريخي والسياسي المأزوم. وربما تبدو أوروبا والاتحاد الروسي الكتلتين السياسيتين القادرتين على حمل هذا المشروع ودعمه في مواجهة الرفض الإسرائيلي والصد الأمريكي. ومؤكدا، أن الذهاب نحو حل الدولة الواحدة يبدد الرهان الفاشل على حل الدولتين، ويواجه مؤامرة صفقة القرن ويضرب في مقتل مشروع الدولة اليهودية الذي يتبناه اليمين الإسرائيلي الحاكم واليمين المسيحي المتهود في البيت الأبيض.. وهذا الطريق « حل الدولة الواحدة»، يبدو السير فيه ممكناً، بينما كل الطرق الأخرى مغلقة بالوعود والأكاذيب والمؤامراتن بينما المرحلة لا تحتمل الانتظار، ولا تقبل الخوف من التشكيك والاتهامات التي يطلقها أصحاب مشروع تسووي فاشل وخطاب ثوري غير متحقق، وعلى النخب التي تتحمل مسؤولية فتح ثغرة في جدار الصد أن تتحمل مسؤوليتها وأن تجاهر ببرنامج نضالي يتبنى «حل الدولة الواحدة».
مشاركة :