أبوظبي: «الخليج» أعلنت جائزة الشيخ زايد للكتاب عن منح لقب شخصيّة العام الثقافيّة في دورتها الثانية عشرة لمعهد العالم العربي في باريس في فرنسا. وجاء قرار مجلس الأمناء بناء على توصيات الهيئة العلمية للجائزة التي رأت أن معهد العالم العربي قد شكّل في باريس منذ تأسيسه عام 1980 جسراً ثقافياً بين فرنسا والعالم العربي، وقد كان للمعهد دور بارز في تعميق فهم اللغة العربية وثقافتها في فرنسا، وفي فهم جهود العالم العربي الرامية إلى التطوّر وفي تشجيع التبادل الثقافي وتنشيط التواصل والتعاون بين فرنسا والعالم العربي، ولاسيما في ميادين العلم والتقنيات، وقد كان له دور بارز في استضافة الكتاب والمثقفين العرب، إضافة للمحاضرات والمؤتمرات والأيام الثقافية والمشاركة بالمؤتمرات والنشرات والمطبوعات.قال سيف سعيد غباش، عضو مجلس أمناء الجائزة: «باتت الجائزة مثالاً حيّاً لرؤية أبوظبي في احتضان الثقافة والإبداع وبناء جسور التواصل مع المجتمعات العالمية وتنمية التواصل الحضاري البناء، وهو ما يترجم اليوم على هذا المستوى الرفيع في اختيار فائزي الجائزة بعناية ودقة، وفي هذا السياق فقد برز معهد العالم العربي كأبرز مستحقي لقب هذا العام لما له من علاقات وطيدة مع العالم العربي، ما أسهم في تنمية التعاون والتبادل الثقافي وتوطيد العلاقات الأوروبيّة - العربية».من جهته، قال الدكتور علي بن تميم، الأمين العام للجائزة «إن تاريخ معهد العالم العربي وإنجازاته في تفعيل حركة التبادل الثقافي مع العالم العربي وتنشيطها وإطلاقه المبادرات النوعية، تجعله جديرا بلقب شخصية العام الثقافية. ونحن اليوم إذ نفخر بإدراج اسم المعهد ضمن صفوف الفائزين لهذا العام، نتمنى له دوام التقدم في تحقيق رسالته الثقافية المتمثلة في دعم الثقافة العربية، ونبارك له الفوز، وهو استحقاق صادف أهله في عام زايد».ويحصل الفائز بلقب «شخصية العام الثقافية» على «ميدالية ذهبية» تحمل شعار جائزة الشيخ زايد للكتاب وشهادة تقدير إضافة إلى مبلغ مليون درهم إماراتي. أدوار تنويرية كان لإنشأ معهد العالم العربي في العاصمة الفرنسية باريس سنة 1980، دلالات كثيرة، في مقدمتها تأكيد انفتاح الثقافة الفرنسية على الثقافة العربية، حيث تم الاتفاق بين 18 دولة عربية مع فرنسا من أجل أن يصبح المعهد منصة تطل على العالم العربي، وجسراً يوصل بين ثقافتي الغرب والعرب، التي تجمعهما علاقة تاريخية ضاربة في القدم، حيث إن الثقافة العربية والمنتوج المعرفي المادي والروحي كان له تأثيره الكبير في حضارة الغرب.كان لفرنسا منذ عصور قديمة مكانة خاصة عند العرب نسبة للقرب المكاني، وللتواصل الذي تم عبر البعثات الدراسية، والتبادل الثقافي الذي نتج عن ذلك، فتكوّن مشهد ثقافي عربي داخل فرنسا، مولداً حاجة وضرورة لدى الفرنسيين في التعرف إلى العالم العربي، لذا فإن تأسيس المعهد بمثابة خطوة فعلية لبدء التعاون بين باريس والعواصم العربية، وهذا التعاون لم يقتصر فقط على الحراك الثقافي، بل شمل العلوم والتقنيات، وساهم في تمتين العلاقة بين العالم العربي وأوروبا عبر بوابة فرنسا.وضع المعهد على رأس أولولياته عدداً من الأهداف التي سعى إلى تحقيقها مع الدول العربية، وهي: تطوير دراسة العالم العربي في فرنسا وتعميق فهم ثقافته وحضارته ولغته، وفهم جهوده الرامية إلى التطوّر، وتشجيع التبادل الثقافي وتنشيط التواصل والتعاون بين فرنسا والعالم العربي، ولا سيما في ميادين العلم والتقنيات، والعمل على تعزيز العلاقات بين العرب وأوروبا، واستضافة الكتّاب والمثقفين، والأسابيع الثقافية مثل أسبوع المرأة المبدعة، وتنظيم المحاضرات والمؤتمرات الفكرية، وذلك ما نتج عنه حركة موازية على مستوى المطبوعات والمنشورات والحراك الإعلامي، الذي تطور هو الآخر مع تلك الثورة الكبيرة التي شهدتها وسائل الاتصال والإعلام.والحقيقة أن المعهد لم ينكفئ في تعامله مع العالم العربي ومنجزه الحضاري على التاريخ والتراث الحضاري فقط، بل اهتم كثيراً في القضايا والتخصصات الحديثة، وضم جميع أشكال التعبير الفني مثل الموسيقى والرقص والسينما والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وخصوصا عوالم الأدب، حيث ظل يستدعي الأدباء والشعراء والمفكرين ضمن أنشطته الأدبية والثقافية المستمرة، إلى جانب المنتديات الفكرية التي ركزت على الفلسفة العربية القديمة، وتأثيرها في المنجز الفلسفي الغربي، عبر أفكار وشخصيات معروفة.لا تنقطع الفعاليات التي تعرّف بمجمل الثقافة والفكر والعلم العربي في المعهد، وقد أسهمت هذه الاستمرارية في تغيير الصورة عن العالم العربي التي غذتها الدعاية والأفكار الغربية، وتراجعت نحو نمط جديد من الرؤية والفهم، الأمر الذي مهد لعلاقات من نوع جديد يسود فيها الاحترام لعالمنا العربي وحضارته التي شكلت رافعة معرفية وفكرية وعلمية كبيرة للحضارة الغربية، وهو الأمر الذي بدأ الاعتراف به اليوم في الغرب وكل العالم، وبفضل مثل تلك المجهودات المعرفية الكبيرة التي يقدّمها المعهد كبوابة تبرز الوجه الحضاري العربي، صار هنالك توق للتعرف بشكل أفضل وفهم أعمق لثقافتنا. يلعب المعهد دوراً تنويرياً في مسألة الحوار الحضاري، فقد هدف بشكل أساسي إلى زيادة الوعي بالعالم العربي عند الغربيين، وقد بذل في سبيل ذلك مجهودات جبارة، كما عمل على خلق مساحة للثقافة واللغة العربية ليتعرف إليها الجمهور الأوروبي، ضمن سعي حثيث لتعزيز الروابط والحوار بين العالمين، وترسيخ قيم التسامح والسلام، ليكون الحوار هو المراد والمبتغى وليس التصادم والحرب بين الحضارات.يجد المعهد اهتماماً كبيراً من الحكومة الفرنسية، إذ تعمل السلطات هنالك على تطوير شكله وتصميمه في كل مرة، ليتماشى مع التنوع الثقافي الموجود في العالم العربي، كما أن الدول العربية وبصورة خاصة الإمارات والسعودية والكويت، قدّمت دعماً مالياً كبيراً للمعهد، وفيما سبق كان هنالك اشتراك مالي سنوي من الدول العربية للمعهد وأنشطته المختلفة، غير أن الحكومة الفرنسية اليوم صارت تدفع دعماً سنوياً، لتسيير أعمال المعهد وأنشطته. إبراز الوجه الحقيقي للعرب للمعهد دور مهم في الانفتاح على الثقافة والحضارة العربية، وإبراز الوجه الحقيقي للعرب والدين الإسلامي، من حيث القبول بالتعدد والتسامح، فقد مثّل المعهد ترياقاً ضد الأفكار والصورة النمطية عن العرب والإسلام في الغرب، من خلال الأنشطة والفعاليات المختلفة والمؤلفات الكبيرة والضخمة للتراث العربي التي حفلت بها مكتبته الكبيرة التي تبلغ مساحتها 2500 م2، تضم مؤلفات وموضوعات متعلقة بالعالم العربي وحضارته وفلسفته، بل وكذلك قضاياه المعاصرة، مجموعة فيما يقارب 100000عنوان، وتتكوّن هذه المكتبة بصورة أساسية من قاعة مخصصة لشؤون الأحداث الراهنة، كما أنها تضم مركزاً ثقافياً حديثاً مجهزاً بأرشيف المعلومات الإلكتروني وقسم الوسائل السمعية والبصرية، إضافة للموقع الإلكتروني، وكذلك يوجد متحف يعكس حضارة العالم العربي تبلغ مساحته 5000 م2 ويقصده ملايين الزوار من كل العالم ليتعرفوا إلى نمط وصور الحياة العربية قديماً وحديثاً، حيث يعكس المعهد مشاهد حياتية من مختلف العصور العربية، وبذلك فإنه يعتبر من أهم الجسور الثقافية بين العالمين العربي والغربي. وجدت مجهودات المعهد الرضا والقبول في العالم العربي، ويتضح ذلك من خلال الزيارات المتكررة للشخصيات العربية الرفيعة للمعهد، والدعم المادي الكبير له من عديد الدول العربية، وذلك ما انعكس إيجاباً على تطور المعهد وزيادة أنشطته، عبر مناخ يسود فيه احترام الآخر والتعدد الثقافي والديني، لينعكس ذلك بمجمله على العلاقات العربية مع كثير من الدول الغربية خاصة فرنسا.
مشاركة :