يعتقد كثيرون ـ وربما أنا منهم ـ أن الزواج في بلادنا مشروع فاشل، في كل دول العالم هو “تأسيس” لحياة، بينما لدينا يمثل “نهاية” حياة، همُّ كل أسرة أن تزوج ابنها كي “يعقل” دون أن تدرك ذنب تلك التعيسة التي ترتبط بمجنون رسمي وبشهادة أهله، ومأساة كل أسرة أيضاً أن “تتخلص” من ابنتها بدعوى الستر، وخوفاً من شبح العنوسة الذي لا يفارق مخيلة أي فتاة وإن لم تتجاوز العشرين. لهذا كان الزواج بهذه الطريقة بعد أن تقع الفأس في الرأس فاشلاً بامتياز.. يدفع فيها الزوجان نصيباً وافراً كل حسب قدراته التسلطية وإمكانياته في النكد، ولتصبح الحياة الزوجية مثل عيشة “القراميط” وهي نوع من الأسماك التي يتم التعرف عليها فقط عندما تعكر صفو مياه النهر الجارية. وعن نماذج “الدلع” فحدِّث ولا حرج.. يوماً سألني صديقي ببراءة: ما هو الكائن الذي يزن 500 كيلوغرام بالنهار و50 غراماً بالليل؟ هرشت في عرق الخيابة وأجبت بخبث: المرأة. استغرب وقال: كيف يا فالح؟ فقلت ساخراً: لأن زوجها في الصباح يوقظها بقوله: اصحي يا بقرة.. أما في الليل فيناديها: تعالي يا كتكوتة! بين ضحكاتنا، كانت السخرية المريرة على واقع أكثر مرارة.. نتخفى وراء أقنعة ابتساماتنا الشكلية، بينما عذاباتنا كرجال أو نساء تبقى حبيسة جدرانٍ أربع بانتظار ثرثرة عابرة على وقع التدخين وكوب شاي على مقهى شعبي، أو مجلس نميمة نسائية معتادة يلتئم في إحدى الغرف سرعان ما يلعن الرجال والنسوان والزواج والاطفال وسنينهم. قطع الضحكات رنين الهاتف، لألمح المتصل على هاتف الصديق، وكان اسمه “متولي”، ظننت أنه الدكتور السباك، أو الكهربائي المهندس، واستغربت من نبرة صوته المنخفضة ولهجته الودودة، فقلت في نفسي: عادي.. أحيانا نضطر للنفاق الاجتماعي ولزوم مالا يلزم، لكن وصلة عصافير الكناريا وعبارات الغزل الصريح وإن كان بالهمس المسموع، مع ضحكات خجولة ووعود بالعودة مبكراً ـ لا أعرف لماذا بالضبط ـ جعلت كل فئران الشك تجول في صدري، يقطعها أيمان غليظة بعدم التأخر مع إحضار “الفستق” من أجل السهرة! تساءلت أكثر مع نفسي عن جدوى “التسالي” في موقف ضحك ولعب وجد وحب، على رأي عبدالحليم حافظ؟ فلم أجد جواباً غير “وأنا مالي”. أغلق الهاتف ونظر لي مندهشاً، ضحكت بسخرية دفعته للتساؤل: ماذا بك؟.. أجبت: أتغازل السباك أو الكهربائي يا رجل؟ وتحضر له “الفستق” أيضا؟.. انتفض غاضباً: سباك وكهربائي؟.. إنها زوجتي!
مشاركة :