تتناول رواية “حرب الكلب الثانية” لإبراهيم نصرالله والتي فازت أخيرا بالجائزة العالمية للرواية العربية، تحوّلات المجتمع والإنسان والواقع بأسلوب يفيد من العجائبية والغرائبية ورواية الخيال العلمي، مع التركيز على تشوهات المجتمع وبروز النزعة التوحشية التي تفضي إلى المتاجرة بأرواح الناس في غياب القيم الخلقية والإنسانية. وفيما يلي ننشر حوارا مع نصرالله حول روايته المتوجة. في الفيلم القصير الذي أنتجته الجائزة العالمية للرواية العربية يقول نصرالله إن روايته الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية هذا العام “حرب الكلب الثانية”، الصادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون، فيها محاور كثيرة تمس الإنسان بصورة مباشرة والطبيعة والبيئة، مضيفا “ربما نحن أهملنا كثيرا النظر إلى البيئة والاهتمام الذي تستحقه وعملنا كبشر على تدميرها بصورة رهيبة، للأسف نحن أشبه ما نكون بأناس في طائرة يحدث فيها خلل ما، لكن ليست لديهم مظلات، حتى الآن ليست لدينا أي مظلات تؤكد هبوطنا على أي كوكب آخر غير هذا الكوكب، لكن جهنمية ووحشية البشر اللتين يمارسهما الإنسان ضد المختلف عنه وصلتا في هذه الرواية إلى ممارسة العنف الشديد أيضا، هي مساحة تأمل فكرية، لا أريد أن أقول فلسفية، لكنها محاولة تأمل للبشر”. ♦ إبراهيم نصر الله من مواليد عمان عام 1954 من أبوين فلسطينيين اقتُلعا من أرضهما عام 1948، عاش طفولته وشبابه في مخيم الوحدات للاجئين الفلسطينيين في عمّان٬ الأردن. بدأ حياته العملية معلما في المملكة العربية السعودية، من ثم عاد إلى عمّان وعمل في الصحافة، ومؤسسة عبدالحميد شومان، وتفرغ للكتابة عام 2006. أشرف نصرالله على دورتين من الندوة “ورشة إبداع” التي تنظمها الجائزة العالمية للرواية العربية سنويا للكتاب الشباب الواعدين، في عامي 2014 و2016. ♦ ترجمت أربع من رواياته وديوان شعر إلى اللغة الإنكليزية، منها “زمن الخيول البيضاء” المرشحة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2009 و”قناديل ملك الجليل” المرشحة للقائمة الطويلة عام 2013. وفي مقال عن رواية “زمن الخيول البيضاء”، التي كتبت في العام 2012، أشادت صحيفة النيو ستيتسمان البريطانية بـ”صوت نصرالله الذي يلقي الضوء على حيوات المهمشين”. ♦ بفوز نصرالله بالبوكر العربية هذا العام، تعتبر رواية “حرب الكلب الثانية” أفضل عمل روائي نُشر خلال الـ12 شهرا الماضية، وجرى اختيارها من بين 124 رواية مرشحة تمثل 14 بلدا عربيا. ويضيف نصرالله “السؤال الذي تطرحه الرواية أرهقني وأرهق الكثير من القراء، هو: ما الذي يريده الإنسان فعلا؟ أعتقد أنه لم يستطع حتى اليوم أن يتعلم أي درس، فلا الكتب السماوية استطاعت أن تجعله أفضل؟ ولا كتب الحكماء والفلاسفة والشعراء والفنانين، وأحيانا أحس بأنه لا توجد لدينا مكتبات على الكرة الأرضية، بأنه لم يخلق شعراء ولم يخلق أي فنان، وبالتالي الرواية تذهب إلى هذه المناطق الواسعة لتأملها”. يقول نصرالله “إن الرواية تتحدث عن المستقبل وهي واحدة من الروايات التي لم أستطع الهرب منها وسأعترف بأنها كانت قاسية إلى درجة أنني لا أتمنى أن أعيد كتابة مثل هذه الرواية أبدا. ربما ما يعوض عن ذلك ليس التعب فقط، ولكن تلك الأزمة التي أدخلتني فيها هذه الرواية، ربما ذلك الاستقرار الذي لمسته من القراء بشكل عام، ومن الطريف أيضا أن كل المواقف التي تأزمت فيها تماما كنت أكتشف أن القراء كانوا يتأزمون فيها مثلي، ربما هذا الدرس الأساسي لنا ككتاب؛ اُكتب بكل قلبلك ليقرأك القارئ بكل قلبه لأنك لو كتبت بنصف قلب فلن يقرأك أحد”. ويضيف “حين تكتب عن شيء، تكتب عن ذلك الشيء الذي لا تستطيع الهرب منه، بمعنى لابد من مواجهة هذه الأفكار والهواجس، حين كتبت هذه الرواية كنت منشغلا برواية أخرى عن فلسطين لكن قطعت حبل هذه الرواية وعملت على هذه الرواية، لأنه لم يكن بالإمكان أن تؤجل. مع أنني من الناس الذين يخططون كثيرا لكل عمل، وليس هناك عمل بالمطلق كتبته قبل مرور خمس سنوات على التفكير فيه وكتابة ملاحظات، ووضع ملف خاص به، رغم كل هذا الترتيب إلا أن هناك دائما أعمالا تفاجئني، يعني عندما كنت أحضر كتابي ‘الكتابة‘ منذ أشهر كي أنشره، وكنت قد أصدرت رواية ‘شرفة الهذيان‘، وكان هناك سؤال صحفي: هل تعتقد أنك ستكتب روايات أخرى بعنوان ‘شرفات‘ بما أنك وضعت كلمة ‘شرفة‘؟ فقلت له أظنني سأكتب رواية أو اثنتين، بعد ذلك كتبت 6 روايات”. ويلفت نصرالله إلى أن “حرب الكلب الثانية” ليست عن العالم العربي فقط، ويقول “الرواية عن الإنسان وعن هذا الكوكب، ولذلك تعمدت ألا أطلق اسما على البلد أو المدينة التي تدور فيها أحداث الرواية، لأنني أرى أن ما يدور هو أوسع من أي بقعة يمكن أن يلصق بها هذا الخراب الشامل، حقيقة ما أقلقني فعلا حين كتبت هذه الرواية ما عشناه كلنا وليس ما عشته أنا فقط، إننا وصلنا إلى مرحلة من المراحل لم تعد قادرا على أن تعرف هل أن هذا الذي يسكن معك في عمارة واحدة وأبواب متقابلة سيكون قاتلك في اليوم التالي أم سيدافع عنك إذا تعرضت إلى أي خطر؟ ما يؤرقني أنه لم يعد الناس قادرين على قبول المختلف أبدا، حتى بعض الأحداث الكبرى التي عشناها ونحن لم نكن في داخلها مثل ما حدث في سوريا كان مجرد طرح رأي، وقد كتبت حيال الحرب في سوريا ‘كلما حاول أحدهم طرح رأي فيها فتح جبهة جديدة‘، نحن أصبحنا فعلا مثل القنابل الموقوتة”. يضيف الكاتب “هناك شيء جنوني في البشر أصبح مؤرقا لي وصعبا عليّ أن أفهمه بالطريقة التي اعتدت أن أشغل بها عقلي، ولذلك أنا وصلت فعلا في هذه الرواية إلى أقاصي الجنون، صحيح أنني استخدمت عقلي لأصل إلى هذا الجنون ولكن حين تكتب مثل هذه الرواية فعلا عليك أن تصل إلى أقصى الجنون، وصلت في فترة إلى درجة لم أكن أعرف فيها أن أتنفس، لأني فعلا لا أستطيع التنفس، أكتب ثم أذهب إلى الشباك وأفتحه لأتنفس ثم أعود لاستكمال الكتابة، نحن نعيش حالة عسيرة من الصعب أن تتعامل معها وكأنك تغطيها بطبقة مكياج خفيف أو ثقيل، هناك داء توغل في داخلنا وعلينا أن نقرأه بجرأة شديدة”. يؤكد نصرالله أن الأدب العربي الحديث كله أفضل من يمثل الصورة الحقيقية لمجتمعنا العربي وحركة هذا المجتمع على كل المستويات، بل يعتقد أنه التاريخ الفعلي للمجتمع العربي بعيدا عن التاريخ الرسمي الذي أصابه التزوير، التاريخ الرسمي يملك الإذاعة والتلفزيون والكتاب المدرسي والقنوات الفضائية والمؤذن، يملك كل شيء، فقط الشعوب العربية لديها هذا الصوت النقيض المتمرد الذي اسمه الكاتبة/ الكاتب العربي الذي قدم لنا الصورة الفعلية لما نعاني منه ونعيشه، هذا ما أعتقده قيمة الأدب العربي، وربما في الحالة الفلسطينية الحالة مركبة أكثر.
مشاركة :