بوبي فيرمينو.. المحارب الذي وجد الطريق إلى أوروبا بالصدفة

  • 4/26/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عاش فترة طويلة كمنبوذ، لا أحد يحبه أو يؤمن بموهبته، كان مجرد فتى صغير يحاول ويحاول دون أن يحقق شيئا يذكر، ليصبح بعد ذلك بطلا قد لا يتغنى الكثيرون باسمه لكن تأثيره كبير مع فريقه. حينما طلب من روبيرتو فرمينو أن يجيب عن سؤال :"ما رأيك في تعيين يورجن كلوب مدربا للنادي في شهر أكتوبر". أجاب بابتسامة عريضة على وجهه وسعادة كبيرة الأمر بدا وكأنه يعرف جيدا ما سيحدث مستقبلا. قبل انضمام محمد صلاح إلى ليفربول كانت الجماهير تتغنى بساديو ماني أو فيليبي كوتينيو. لكن فيرمينو كان وضعه مختلفا كان يعاني مع براندن رودجرز الذي أصر كثيرا على أنه جناح. والد فيرمينو هو جوزيه روبيرتو بائع متجول يبيع المشروبات من عربة خارج المهرجانات والاحتفالات، ووالدته كانت تعتني طيلة الوقت به وبشقيقته. لم يجد فرمينو أي كلمات لوصف عائلته سوى بلحظات صمت وقال :"كنا عائلة فقيرة للغاية". قصة فرمينو مع كرة القدم بدأت في سن مبكرة للغاية ومعتادة في البرازيل، فتى فقير مكروه من مدربيه بدون سبب واضح وأهله لا يريدون منه أن يلعب كرة القدم. في عمر الـ11 عاما حاول لعب الكرة، لكن رفض، وبعد ذلك بعام قبله نادي كلوب دي ريجاتاس البرازيلي والذي ينافس في دوري الدرجة الثانية. استمر معه لمدة 4 أعوام لكن عائلته كانت تحاربه ولا تترك له فرصة للتعبير عن نفسه. "كان من الصعب حقا على عائلتي أن نسافر إلى الجنوب، والدتي كانت تبكي كل يوم، منذ لحظة انضمامي لنادي ريجاتاتس كنت بعيدا عن عائلتي لمدة عام كامل لم أرهم حتى استقرت أوضاعي بعض الشيء". والدته ووالده كانا يضربانه ويحبسانه، كان عليه أن يرعى العائلة ولا يضيع وقته في لعب كرة القدم. قال بوبي فيرمينو :"حينما كنت طفلا صغيرا في بعض الأحيان كان والدي ووالدتي كلاهما لا يريدان مني أن ألعب كرة القدم، أرادا مني الدراسة وأن أرتقي مكانة كبيرة في المجتمع، في بعض الأحيان كانا يحبسانني في المنزل وكنت أضطر للقفز من الجدار وأخرج للعب كرة القدم وأتدرب". استمر فيرمينو على هذه الحالة حتى بلغ الـ16 من عمره، كان كل شيء صعبا على ذلك الفتة الصغير، لكنه كان يفعل شيئا آمن به. يطارد أحلام. "بالنسبة لي كطفل صغير في الـ16 من عمره كل شيء كان صعبا، لكن تلك هي الحياة يجب أن تطارد أحلامك، وأنا شاكر لأنني وصلت إلى ليفربول الآن". حصل فيرمينو على أول وكيل أعمال له في سنه الصغيرة، كان طبيب أسنانه الذي يقدره كثيرا وكلاهما يحب الآخر ويحترمه، أما الثاني فكان لوسيانو بيلو لاعب كرة القدم السابق. قضى فترة معايشة في نادي ساو باولو، لكن مدرب النادي وقتها قال لهم، إنه مجرد فتى لا يجيد لعب الكرة. "لا تمنحوه الكرة مرة أخرى، إنه لن يحصل حتى على فرصة أخرى، لا مكان لفرمينو في الفريق". في ذلك الوقت كان فيرمينو قد خضع لفترة معايشة ثم انضم إلى فيجيرينيسي، ووقتها تألق معه لعب لفريق الشباب عام ثم انضم إلى الفريق الأول الذي كان ينافس في الدرجة الثانية ليساهم في تأهله إلى الدرجة الأولى. ليس أبعد من ذلك. ليقول بوبي عن تلك الفترة :"في اليوم الأول سجلت هدفين من مقصيتين، الجميع وقف وكان يصفق لي، منذ ذلك اليوم علمت أنني لن أخرج من الملعب مع الفريق". مدرب الفريق كان بينتادو لاعب ساو باولو السابق قال :"لا أعلم من رفضه في ساو باولو لكنه مجنون، هذا اللاعب لن يغادر الفريق". امتلك فيرمينو طموحا كبيرا وكان عازما على إثبات نفسه طيلة الوقت، كانت وجهته التي يرغب في استكشافها هي أوروبا. كلفت إدارة هوفنهايم لوتز فانينشتيل رئيس العلاقات العامة واكتشاف المواهب بالنادي بالسفر إلى البرازيل لضم موهبة شابة في مركز صانع الألعاب. لعبة "فوتبول مانجر" كان لها فضل كبير على فيرمينو بشكل أو بآخر. لم يكن لوتز مدركا لطبيعة الكرة البرازيلية ووجد أن مهمته صعبة ليخبر إذاعة "توك سبورت" أنه قرر الدخول إلى اللعبة ومعرفة اللاعبين الشباب، ومنها وجد لاعب شاب متميز يسمى فيرمينو توقعت له اللعبة نجاحا كبيرا. "دخلت إلى اللعبة ووجدت شابا متميزا يسمى روبيرتو فيرمينو، اللعبة قالت إنه واعد ومتميز جدا، لم أمتلك الكثير من الوقت ودفعت مبلغ 3.5 مليون جنيه إسترليني للحصول على خدماته فورا". "إن كنت ستضم لاعبا من دوري الدرجة الثانية البرازيلي وهو في الـ17 أو 18 من عمره مباشرة فسيعتقد الناس أنه يجب أن يلعب في الفريق الأول مباشرة، كنت محظوظا في هذه المجازفة لأنه لم يخذلني". "كنت واثقا أنه لن يسأل أحد عن شيء، وقال الناس لي دفعت هذا الكم من أجل لاعب لم يشارك بعد في الدرجة الأولى وفتى صغير؟ لابد أنه موهبة كبيرة". أعلن هوفنهايم عن تلك الصفقة التي اكتشف فيما بعد أنها تمت بالصدفة لكنها مستحقة، لم يكن فيرمينو خائفا بل على العكس في قمة تركيزه لإثبات نفسه. "كنت في قمة التركيز أرغب في إثبات أنني أستحق تلك الفرصة، علمت أنني سأعاني مع الطقس واللغة والثقافة، لكنني محارب ويجب أن أتخطى كل ذلك وأثبت أنني على قدر التحدي". في موسمه الأول لم يشارك سوى في 11 مباراة أغلبها كجناح أيمن ثم كصانع لعب. أما في موسمه الثاني فلعب في مركز الجناح الأيمن والأيسر وصانع اللعب ثم كمهاجم ثاني ومهاجم في 36 مباراة صنع 4 أهداف وسجل 7، وهكذا بدأ يتطور ويلعب في أكثر من مركز مع فريقه. قال عنه إرنست تانر المدير الرياضي لهوفنهايم :"كان يستمع بحرص لمدربه ويتعلم من كل ما يقوله، كان ذلك يذهلني، لم أجد لاعبا ينفذ تعليمات مدربه بهذه الدقة والطريقة". لم يكن فيرمينو ذلك المهاجم الهداف أو حتى صانع اللعب الذي يصنع الكثير من الأهداف، كان مهاجما يمتلك متوسط تهديفي بمعدل هدف كل 3 مباريات لكن ذلك كان أكثر ما يميزه كذلك، المساحات وتطبيق تعليمات المدرب بسعادة. شبهه مدربه ماركوس جيسدول بـ لويس وساريز وأليكسيس سانشيز، إنه ذلك اللاعب الذي سيركض مسرعا من أجل الضغط على الخصم حينما يعود فريقه للدفاع ولن يقف منتظرا الكرة، في مباراة في الدوري وصفته "بيلد" بـ"لاعب ذكي وكان أول من يحاول استعادة الكرة من الخصم بالضغط من خلال أسلوب هوفنهايم". أما هولجار ستايسلافسكي مدربه الأول في هوفنهايم وصفه بـ"لاعب تكتيكي بشكل لا يعقل أو يوصف". الكثير من الأوصاف التصقت بفيرمينو بأنه "واحد من لاعبين قلائل يركزون طيلة الـ90 دقيقة بنفس الدقة والمستوى". أو "أستاذ التحرك حول خطوط الخصم دون أن يلاحظه أحد لكي صنع الأهداف أو يسجلها". يعد موسم 2013-2014 واحدا من أفضل مواسم فيرمينو ذلك الذي قرر جيسدول إخراج أفضل ما لديه، وجعله أفضل لاعب هجومي في الدوري تقريبا، وضمن أن يعمل ضمن منظومة الفريق بسعادة دون أن يتذمر بسبب تجاهل دوره. في ذلك الموسم سجل فيرمينو 16 هدفا في 33 مباراة بالدوري وكان ثالث الهدافين بعد ماركو رويس صاحب الـ30 هدفا مع دورتموند وروبرت ليفاندوفسكي صاحب الـ31 هدفا. كما صنع 12 هدفا في الدوري، وكان أكثر لاعب صنع فرص في الدوري الألماني على مدار موسمين بـ138 فرصة. انضم إلى ليفربول في 2015 قادما من هوفنهايم، وقتها كان براند رودجرز هو المدرب وأشركه على الأطراف أكثر وكان مهمشا لم تدم معاناة فيرمينو كثيرا، رحل رودجرز ليتولى يورجن كلوب مهمة تدريب الفريق لتبدأ أيامه السعيدة. "كنت سعيدا للغاية، لم ألعب بهذا المستوى في مسيرتي لكنني أعرفه جيدا ويعرفني جيدا، نتفاهم سويا بطريقة رائعة، العقلية الألمانية جيدة جدا وهو شيء تعلمت منه الكثير في بداياتي مع أوروبا". "أتحدث اللغة الألمانية مع كلوب، لكنني أفهم الإنجليزية كثيرا فعليا، لن يكون بحاجة للكثير من العمل معي إنه مدرب رائع، لقد درب دورتموند وفاز معه بلقب الدوري وهو أمر صعب، لطالما تمنيت اللعب تحت قيادته، إنه دائما يتنافس بقوة في دوري الأبطال، أعتقد أننا سويا يمكننا تحقيق الكثير من الأِياء". "صنعت أهدافا ضد دورتموند ولدي ذكريات جيدة، والآن منذ أن تولى كلوب المهمة أتمنى أن يكون بإمكاننا أن نفعل ذلك سويا". تحول فيرمينو بشكل تام مع كلوب وأصبح أحد أهم ماحور الخطة، في الوقت الذي تلاشى فيه دانييل ستوريدج والكل كان ينادي بضم مهاجم، كان كلوب يعمل بقوة من أجل إنتاج مهاجمه الخاص ذلك الذي يسمح لأجنحته بالإضافة الكاملة وأيضا يمكنه التعبير عن نفسه. فيرمينو أصبح العامل الحيوي والمؤثر في خطة يورجن كلوب حتى قبل قدوم صلاح، في موسمه الأول مع الحمر سجل 11 هدفا وصنع مثلهم في 49 مباراة بكل المسابقات، وفي الموسم التالي سجل 12 هدفا وصنع 11 آخرين في 41 مباراة بكل المسابقات. من الشائع دائما أنه إن وقعت مع مهاجم بمبلغ كبير فسيتم الحكم عليه بعدد الأهداف التي سجلها وصنعها، بالنسبة لفرمينو فهو أحد ركائز نظام ليفربول الذي بناه كلوب، لا يهم كم سيسجل لكن عمله الكثير هو أحد الأسباب التي تساهم في الفوز، خاصة بعيدا عن الكرة، في كثير من الأحيان لا نلاحظ تحركاته بدون الكرة لكنه واحد من أفضل اللاعبين الذي يتحركون بدونها. قال كلوب عنه :"البعض يقول إنه لا يسجل عددا كافيا من الأهداف، إنه أفضل لاعب من دون حتى أن يسجل وذلك بسبب الطريقة التي يقرأ بها المباريات من أجل منفعة الآخرين، إنه رائع". "ماذا لو بدأ في التفكير، حسنا أنا بحاجة للمزيد من الأهداف وبدأ التسديد من كل مكان، هل كان سيتحرك بذكاء ويلعب بذكاء ويمرر بذكاء؟ هل كنا سنرى كل ذلك؟". فيرمينو يرضى بدوره لأنه أفضل من يؤديه على الأطلاق هكذا يرى نفسه وهكذا يراه كلوب، واحد من أفضل اللاعبين وأذكاهم، ويستحق كل الثناء لأنه محارب ضد أي ظروف حتى وإن كان مهمشا.

مشاركة :