بعد إلغاء قرار منع «فئران أمي حصة»

  • 4/26/2018
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

ليلاس سويدان| حكم آخر ينتصر فيه القضاء الكويتي لحرية الرأي والتعبير، ويلغي قرار منع رواية «فئران أمي حصة»، للروائي الكويتي سعود السنعوسي. هي جولة أخرى رابحة ضد تعسف الرقيب ومفهوم الرقابة، الذي يظن البعض أن له مكاناً في عالم لم يعد يستطيع أحد فيه أن يلاحق فكرة أو رأياً، وإن ظن أن بإمكانه أن يتحصن خلف «قرار إداري» أو «فكر» أعور سائد، أو حتى استثارة مشاعر وطنية أو دينية أو أخلاقية بشكل غير موضوعي. ما هو مذكور في حيثيات حكم المحكمة الإدارية، برئاسة د. نواف الشريعان بحسب ما ورد في الزميلة «الجريدة»، مادة قانونية وحقوقية عظيمة ووثيقة، تؤكد على «كفالة حرية التعبير هي أصل في النظام الديموقراطي» التي أشار لها الدفاع وانتصرت لها المحكمة، فقد أكدت في حيثيات الحكم «إلى أنه لما كانت الرواية تحمل معاني هادفة حاصلها الدعوة إلى التوحد والتمسك بالقيم الأصيلة والعريقة والتراث الخالد ومقت الطائفية ونبذها، وأتت صياغتها سليمة وأفكارها منسقة متراصة في سرد قصصي متناغم يشير إلى إبداع متمسك بالثمين من الأفكار والمعاني، طارحاً الغث منها، وتسلسلت أحداثها في أسلوب روائي متناسق، فإن الخلاف على بعض ما قد يرد بها يظل في إطار تقييمها كعمل فني لا يعبر بالضرورة عن وجهة المؤلف بقدر ما هو رصد لواقع برؤيته قد يعتريه أي من الصواب أو الخطأ»، وكانت مذكرة الدفاع قد أشارت إلى إساءة استخدام السلطة بمنع رواية السنعوسي، واتهامها بخدش الآداب العامة، والتحريض على مخالفة النظام العام، ومخالفة القوانين وارتكاب الجرائم ولو لم تقع! فقد قالت في إحدى فقرات ورقة الدفاع «ولما كان السبب غير صحيح جملة وتفصيلا، حيث خلت الرواية السالفة الذكر من ثمة إساءة لنظام المجتمع في الكويت، فلم يتبين المعلن إليهم بصفتهم، الصفحات التي وردت بها تلك الإساءة المزعومة، وبما يجعل القرار المطعون عليه قد شابه عيب الإساءة في استعمال السلطة ومخالفة القانون». واضاف الدفاع أن «القرار الإداري لم يفطن إلى ذلك، وقضى بمنع الرواية من التداول، فعنه يكون قد أصابه عيب إساءة استعمال السلطة ومخالفة القانون»، ولفتت مذكرة الدفاع النظر إلى نقطة مهمة هي تجاهل إعلان الروائي سعود السنعوسي بمنع روايته خلال الفترة القانونية، التي تتيح له رفع دعوى إلغاء منع الرواية، وهي ستون يوماً من تاريح نشر القرار الإداري، وهي نقطة اخرى تشكل صفعة للجنة الرقابة، التي طالما اشتكى الكتاب من عدم تقديمها لهم كتاباً بحيثيات المنع، أو إعلامهم بشكل واضح بالمنع. مهمة الروائي مذكرة الدفاع، التي قدمها المحاميان بسام العسعوسي وفهد البسام، أشارت إلى هذه النقطة، والتي كانت شرطا لقبول الدعوى، ودافعا عن الرواية بقولهما «الرواية لا تمثل إلا رؤية وتوضيحاً للجانب غير المرئي في حياة المواطنين داخل دولة الكويت، وهذه هي مهمة الروائي». من اللافت أن تنتصر المحكمة لدور الروائي، بما ذكرته في ورقتها وورقة المحامين، ومن الجميل أن يكون جدل القاضي والمحامي حول معنى الإبداع والرواية والخيال ومهمة الروائي، وأن ينتصر الاثنان لحرية الرأي والتعبير والإبداع، فهناك قضايا يتبرع محامون برفعها لمنع كتاب، وأحكام تصدر لمصادرة حرية الكلمة. لن تنتهي قضية الرقابة بحكم الفسح لرواية أو عدة كتب، ولكن اللجوء للقضاء يضع القضية في مكانها الصحيح في ظل غياب رأي عام أو جماعات ضغط تجعل من موضوع حرية الكتاب قضيتها التي تشتغل عليها بقوة. هذه الجهود الفردية هي ما سيصنع يوما التيار العام والوعي بمعنى حق الكلمة، وهي الإرث الذي سيستند إليه يوما ما المنتصرون على الرقابة بمعناها العام الذي تتوزع تفاصيله على سلوكيات الأفراد وحرياتهم وخياراتهم الفردية. ما زال ملف الرقابة مفتوحاً الروائي الكويتي سعود السنعوسي صرح لـ القبس معلقا على قرار المحكمة: هذا حكم مهم لا شك، ولعل حيثيات الحكم جاءت أكثر أهمية من الحكم ذاته، رغم ضرورته، ورغم شعوري بالرضا الكبير إزاء حكم القضاء الكويتي، فإن الأمر الأهم بالنسبة لي ولزملائي ممن تعرضوا لتعسف رقيب وزارة الإعلام بل وللكويت التي عبث الجهاز الرقابي بسمعتها وتاريخ إسهاماتها الثقافية، الأهم هو ما جاء في حيثيات الحكم في قضية رواية «فئران أمي حصة» التي تصدى لها مكتب المحامين بسام العسعوسي وفهد البسام، وتأكيد المحكمة وإصرارها على أنها «تستند إلى قيم المجتمع وتقاليده، وتأكد حضارته وميراثه الفكري والفني والأدبي، مؤكدة حق ممارسة حرية التعبير وإن تجاوزت حد المألوف»، آملا أن يعي المسؤولون في وزارة الإعلام أهمية ما جاء في حيثيات الحكم، وحجم المسؤولية التي تقع على عاتقهم إزاء مستقبل الحريات في الكويت عوضا عن مصادرة الأعمال التي يُحتفى فيها في كل مكان عدا وطن المبدع من دون مسوغات حقيقية. الخلل في القانون لا شك، وفي آلية تطبيقه من قبل موظفي الإعلام رغم كل ما يُشاع حول التسهيلات التي تقدمها الوزارة مثل ما يسمى بلجنة التظلم التي حصنت قرارات المنع أكثر بأضعاف من إجازة بضعة أعمال لا تذكر، إذ من المعيب أن يكتفي ويعتمد أعضاء لجنة التظلم على تقارير لجنة الرقابة التي منع على أساسها العمل من دون تكليف أنفسهم بقراءة الأعمال المقدمة للتظلم وإعادة النظر في قرارات منعها. بالحكم في هذه القضية لا تنتهي مشكلة الرقابة، حيث يبقى ملف الجهاز الرقابي مفتوحا لحين يسترد زملائي حقهم في نشر أعمالهم داخل الكويت وتعديل القوانين الجائرة بمصادرة الحريات. الوقيان: حكم تاريخي وقد علق الأديب والباحث، د. خليفة الوقيان، على الحكم بقوله «هذا هو الحكم التاريخي الثاني، الذي يلغي فيه القضاء الكويتي قراراً جائراً لوزارة الإعلام، بمنع تداول رواية. وتأتي عظمة هذا الحكم وأهمية دلالاته بقوله إن المحكمة (تستند إلى قيم المجتمع وتقاليده، وتأكيد حضارته وميراثه الفكري والفني والأدبي، مؤكدة حق ممارسة حرية التعبير. وإن تجاوزت حد المألوف..). واعتقد أن الواجب المهني والأخلاقي والحصافة السياسية توجب تغيير الاتجاهات والقيادات، التي خالفت مبادئ الدستور، كما خالفت قيم المجتمع، التي أشار إليها حكم المحكمة، وأشاعت ثقافة كبت الحريات وقمع الإبداع الفكري والفني والأدبي. إن هذا الحكم، الذي يلغي قرار وزارة الإعلام بمنع تداول رواية الكاتب سعود السنعوسي، والحكم الذي سبقه، وقضى بإلغاء قرار منع تداول رواية الكاتبة دلع المفتي، يوجب تحرّك النواب ومؤسسات المجتمع المدني ورجال القانون لوقف وزارة الإعلام عند حدها في قمع الإبداع الفكري والفني. أما القضاء الكويتي الشامخ فقد انتصر للحريات التي كفلها الدستور. ومن قبل قيم المجتمع الكويتي وتقاليده القائمة على الانفتاح والتسامح ومقاومة ثقافة الغلو والانغلاق».

مشاركة :