أرجأ كبار المنتجين في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" حسم قرارهم بشأن سقف الإنتاج إلى الاجتماع الرسمي للوزراء المقرر انعقاده في فيينا غدا. وتضاربت الأنباء بشأن نتائج اجتماع عقد أمس بين وزراء النفط في كل من السعودية أكبر المنتجين وفنزويلا وروسيا والمكسيك. فقد أعلن رفاييل راميريز وزير خارجية فنزويلا أن الاجتماع لم يسفر عن أي اتفاق على خفض إنتاج الخام. وقال راميريز إن البلدان الأربعة اتفقت على أن الأسعار الحالية للنفط دون 80 دولارا للبرميل ليست جيدة وإنها اتفقت على الاجتماع مرة أخرى في خلال ثلاثة أشهر. ولفت إلى أن المحادثات لم تتمخض عن مقترحات محددة لدعم الأسعار. في المقابل ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أمس أن أعضاء "أوبك" يتجهون نحو اتفاق وسط على خفض الإنتاج يقضي بالالتزام بدرجة أكبر بالحصص الإنتاجية السابقة للدول الأعضاء. وقلصت أسعار النفط الخام خسائرها أمس بعد أنباء " وول ستريت جورنال" وبحلول الساعة 20:52 بتوقيت السعودية سجل مزيج برنت الخام 78.97 دولار للبرميل منخفضا 71 سنتا. وبدت روسيا أكبر منتج للنفط خارج "أوبك" متريثة في قرارها بتخفيض الإنتاج ،إذ أعلن إيجور سيتشين الرئيس التنفيذي لشركة إنتاج النفط الروسية روسنفت أن بلاده لا يمكنها خفض مستويات الإنتاج على الفور لأسباب خاصة بقطاع النفط الروسي لكنها قد تقللها في الأمد المتوسط أو البعيد. وذكر سيتشين أقوى مسؤول في قطاع النفط الروسي في بيان أن روسيا لا تعاني كثيرا الهبوط الذي شهدته أسعار النفط في الآونة الأخيرة، غير أنه أضاف أن نزول أسعار الخام قد يؤدي إلى تأجيل بعض المشاريع التي تتطلب روؤس أموال كبيرة. وقالت لـ"الاقتصادية" المحللة البلغارية بيتيا ايشيفا إن اللحظات الأخيرة تشهد دوما تبلور مواقف جديدة لوزراء "أوبك" ولكن الجميع متفق على ضرورة حماية استقرار السوق. من جانبها قالت مصادر في داخل المنظمة إن قرار السعودية بشأن خفض الإنتاج عبر عنه المهندس علي النعيمي وزير النفط السعودي الذي أكد أن اجتماع الخميس لن يكون صعبا، وهذا يعطي إشارات طمأنة للسوق باهتمام المملكة وحرصها على استقرار وتوازن السوق. ويقول المحلل العراقي عامر البياتى لـ "الاقتصادية" إن تصريحات النعيمى أمس بأن الاجتماع ليس صعبا خفف من حدة التوتر في الأوساط النفطية ولكن تنامت التوقعات من جديد بشان بقاء إنتاج "الأوبك" دون تخفيض. فيما قال قال الخبير الاقتصادي إبراهيم عزت لـ "الاقتصادية" إن النعيمي عكس قوة واستقرار اقتصاديات بلاده بعد أن روج البعض لوجود مشكلات تواجه ميزانيات دول الخليج في العام المقبل مشيرا إلى أن الصعوبات تواجه دول "الأوبك" الأقل ثراء مثل إنجولا وفنزويلا التى تحاول الضغط في اتجاه خفض الإنتاج. من جانبه قال وزير الطاقة الجزائري يوسف يوسفي إن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ستسعى لإيجاد "طريقة توافقية" في اجتماعها الذي تناقش فيه مسألة الهبوط الشديد في أسعار النفط الخام. وأضاف يوسفي لوكالة الأنباء الجزائرية "الطريقة التوافقية ضرورية للتوصل إلى حلول مستقرة" ولم يخض في تفاصيل عن إجراءات محددة ستتخذها المنظمة. وينقسم مراقبو سوق النفط بشأن الإجراءات التي ستتخذها "أوبك" خلال اجتماعها في فيينا فمنهم من يتوقع خفضا كبيرا في الإنتاج لدعم الأسعار ومنهم من يتوقع خفضا محدودا أو الإبقاء على مستوى الإنتاج دون أي تغيير. وقال الوزير إن المنظمة ستدرس "تطور السوق والاختلالات التي أدت إلى التراجع الحاد لأسعار النفط كما ستتناقش حول طريقة إعادة الاستقرار للسوق." وأشار يوسفي إلى أن هبوط أسعار الخام أثر سلبا في الاستثمار في قطاع النفط. وأضاف "لقد لاحظنا في بعض المناطق في العالم تراجع الاستثمارات في استخراج وتطوير حقول جديدة ما سينجم عنه انعكاسات في المستقبل". وتعتمد الجزائر اعتمادا كبيرا على صادرات الطاقة لتمويل البرامج الاجتماعية ومشاريع التنمية الاقتصادية. وتتوقع الجزائر وصول عائدات النفط والغاز إلى 60 مليار دولار هذا العام منخفضة 5.2 في المائة عن مستواها في عام 2013 بسبب هبوط أسعار النفط. وأنتجت الجزائر 1.2 مليون برميل نفط يوميا في عام 2013 ويقول بعض الخبراء إن الإنتاج يتراجع بسبب نقص الاستثمارات الأجنبية في البلاد. وبالنسبة لأسواق آسيا فقد سجلت أسعار البترول تراجعا في تعاملاتها المبكرة أمس، إذ تراجع سعر النفط الخام الخفيف تسليم كانون الثاني (يناير) ثلاثة سنتات ليصل إلى 75.75 دولار للبرميل فيما تراجع سعر نفط برنت بحر الشمال تسليم كانون الثاني (يناير) أيضا تسعة سنتات إلى 79.59 دولار للبرميل. وعلق مصرف يونايتد أوفرسيز في سنغافورة في مذكرة أن السوق "تتوقع أن تعجز "أوبك" عن التوصل إلى اتفاق على خفض الإنتاج، أو حتى إلى التزام بالحد من الفائض في إنتاج النفط". من جهة أخرى يترقب المستثمرون صدور أرقام النمو للفصل الثالث من السنة في الولايات المتحدة، المستهلك الأول للنفط في العالم، وكشف مصرف أوفرسيز بنك عن توقعاته لنسبة النمو بعد رفعها إلى 3.8 في المائة بالمقارنة مع 3.5 في المائة سابقا. وإن صحت هذه الأرقام فمن المتوقع أن "تعطي دفعا" لأسعار النفط التي تسجل انهيارا منذ حزيران (يونيو)، برأي دانيال آنغ المحلل لدى فيليب فيوتشرز. الى ذلك قالت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية أمس إن أسعار النفط الضرورية لضبط ميزانيات الدول المصدرة للخام تكشف عن مستويات شتى من المخاطر الناجمة عن انخفاض الأسعار. وأضافت فيتش أن انخفاض أسعار النفط سيؤثر في المقام الأول على العوامل الأساسية للتصنيفات الائتمانية السيادية بسبب تداعياته على الأوضاع المالية والتجارية لتلك الدول. وتتركز أكبر المخاطر في الدول التي تحتاج إلى أسعار نفط مرتفعة لتحقيق تعادل الإيرادات والإنفاق في ميزانياتها التي تعاني بالفعل عجزا ماليا في ضوء الأسعار الحالية مثل البحرين وأنجولا وفنزويلا. وصنفت الوكالة الكويت وأبوظبي والنرويج ضمن الفئة الأقل تضررا نظرا للاحتياطيات الضخمة التي كونتها في السنوات الأخيرة وقالت إنها ستواصل تحقيق فوائض مالية وخارجية قياسية وتعزيز الاحتياطيات حتى إذا استقرت الأسعار عند مستوياتها الحالية. وتخص الفئة الثالثة تلك الدول التي ستدفعها أسعار النفط المنخفضة صوب تسجيل مستويات عجز في 2015 بعد أن كانت تحقق فوائض أو كانت ميزانياتها شبه منضبطة. وبالنسبة لتلك الدول فإن تصنيفاتها قد تتعرض لضغوط متزايدة في 2015 ما لم تتعافَ الأسعار لكن سرعة حدوث ذلك ومداه ستتوقف على عوامل منها حجم الاحتياطيات القائمة وتأثير تراجع النفط في الاقتصاديات المعتمدة على تجارة السلع الأولية والإجراءات المتخذة في مواجهة ذلك.
مشاركة :