نقاش حول سمير فريد في مهرجان الإسماعيلية

  • 4/27/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لا يزال مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة - إلى جانب مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية - من المهرجانات القليلة جداً في مصر التي تحافظ على إصدار المطبوعات السينمائية التي تعتبر المتنفس شبه الوحيد لباحثي ومؤلفي الكتب السينمائية الذين لا يجدون أي دعم من دور النشر لا الحكومية ولا الخاصة، وإن كان يُحسب لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية حرصه - على مدار سنوات عمره القليلة - على ترجمة عدد من الكتب السينمائية المهمة التي تتناول السينما. ومع هذا، يتميز مهرجان الإسماعليلية بالحلقات البحثية التي تقام على هامشه. فمثلاً في دورة هذا العام، أقيمت حلقة نقاشية على مدار يومين عن الناقد الراحل سمير فريد تم جمع مداخلاتها في كتاب بعنوان «سمير فريد وتأسيس النقد السينمائي العربي». ورغم التحفظ على العنوان لأن سمير فريد لم يكن المؤسس الأول أو الوحيد للنقد السينمائي العربي، وهو بنفسه أرّخ لوجود ثلاث مراحل في مصر قبل ظهور جيله، كما أنه أكد أن النقد السينمائي المصري الحديث ظهر مع «ندوة الفيلم المختار» التي أسسها الأديب المصري الكبير يحيى حقي. نقول ربما يكون المقصود من العنوان الخارجي للكتاب أنه سيكون بداية سلسلة من الإصدارات التي تتناول النقد السينمائي العربي لأنه في الصفحة التالية مباشرة نجد عنواناً آخر مختلفاً «سمير فريد والنقد السينمائي في مصر». لكن حتى مع هذا التفسير المفترض، لا نجد أي مقدمة في الكتاب تُشير إلى أن السنوات المقبلة ستهتم بكتابة ذاكرة النقد السينمائي العربي وتأسيسه على أيدي الرواد واللاحقين من الأجيال المؤثرة. تضمن الكتاب ست ورقات بحث تختلف في مستواها وأهميتها، منها ما كتبه كمال رمزي تحت عنوان «مدخل إلى عالم سمير فريد: قراءة أولية»، ثم «مدخل إلى المشروع النقدي لسمير فريد» بقلم محمد بدر الدين - «سمير فريد إشكالية النقد» لأحمد عبد العال - «سمير فريد وتحديد المفاهيم في النقد السينمائي العربي» لصفاء الليثي - «بين الكتابة والفعل» لرامي عبد الرازق وهو عبارة عن حوار تخيلي مع سمير فريد من واقعه وتراثه النقدي. أما الورقة البحثية السادسة «سمير فريد رهان النقد مع الزمن... كابوريا نموذجاً» لأحمد شوقي، والتي أثار النقاش من حولها نقطة جوهرية لافتة تتعلق بالاختلاف الجوهري بين طبيعة شخصية المخرج خيري بشارة وبين سمير فريد - مثلما تمكن مقارنتها بآخرين - فقد طرحها المخرج مجدي أحمد علي الذي كان قريباً من شخصية خيري بشارة، بحكم الصداقة، وأيضاً كان مساعداً أول بفيلم «كابوريا» موضوع الورقة البحثية التي جاءت كمحاولة للمقارنة بين ثلاث قراءات نقدية للفيلم «كابوريا»، حيث اختار شوقي للمقارنة بين ما كتبه وسمير فريد ثم كمال رمزي وأخيراً سامي السلاموني. بين بشارة وفريد يمكن القول إن كلمة مجدي أحمد علي هي من أهم ما طرح في تلك الندوة ليس فقط لأنها طرحت فكرة مميزة، ولكن أيضاً للإضاءة التي طرحها المخرج/ الباحث أثناء نقاشه مبدياً ملاحظاته على المقالات الثلاثة، وعلى السيناريو وكذلك على الورقة البحثية ذاتها، موضحاً تلك الدرجة من الإحباط التي تجاوزها سمير فريد، بينما لم ينجح خيري بشارة في عبور أسوارها. فهو يُؤكد أن سمير فريد كان في أيامه الأخيرة يتحدث إليه قائلاً: «كل الذي آمنت به انهار، وكل مَنْ أحببتهم ووثقت فيهم خذلوني». ثم يضيف أحمد علي موضحاً: كان عند سمير درجة هائلة من الإحباط والمرارة، خيري أيضاً كان يعاني من هذا الأمر، لكن الفرق بين الاثنين أنه كانت هناك درجة من التماسك عند سمير، ويمكن أن يكون مبررها أنه ليس مبدعاً مسؤولاً بشكل مباشر عن إبداعه، وهذا طبعاً لا يقلل من قيمته لأنه كان يمتلك ميزة أساسية أنه ليس الناقد الذي يتلقى العمل، ولكنه أحد المشاركين في صنعه، ومن المهمومين به، وهذا هو الذي جعل كل الفنانين يحبونه، فكنا نرسل له سيناريواتنا يقرأها وكان يقرأها مجاناً، و«بجعدنة» وأنا شخصياً أعطيته سيناريو ليقدمه لسعاد حسني، وأحضر سعاد إلى بيتي لأنها كانت تبدي إعجابها الشديد بسيناريو الفيلم، وكانت متحمسة له، فسمير كان منخرطاً في صناعة السينما، لكن كان عنده قدر من التماسك والصلابة الفكرية التي جعلته يتجاوز الإحباط ويُكمل مشواره. بينما يبدو لي أن خيري كان قد قرر أنه لا بد أن يُغير طريقه، خصوصاً بعد أن شعر بأن كل ما آمن به من أفكار اشتراكية تميل إلى التصلب «شبه ستالينية» انهارت فقرر أن هذا «كلام فارغ» وأنه كان مخطئاً تماماً، وأن هذا النوع من السينما - الواقعية - لا بد أن يتم التخلص منه ويُلقي به. وهذا كان واضحاً تماماً عندما خرج مبهوراً من فيلم شريف عرفه «سمع هس»، وأنا الحقيقة لم يعجبني الفيلم فدخلت في نقاش مع خيري لأني كنت أرى أن فيه «خيبة» وفيه شكلانية شديدة في التناول والمعالجة. بينما كان رأيه أن هذه هي السينما الجديدة. الفرق بين سمير وخيري أن الأخير قرر أن يستسلم، وأرجو المعذرة لقول ذلك، لكن الحقيقة أنه استسلم لأنه فقد إيمانه، ولذلك أين خيري الآن؟ لقد ظل سمير فريد هو سمير فريد لكن خيري كان راح خلاص. فهذا الإحباط والقرار الداخلي بالتخلي عن ما آمن به كان بدايته مع «كابوريا»، وهناك أسباب في الأفكار والسيناريو جعلت الفيلم لا يبدو متماسكاً، لم يكن له أسلوب محدد، إلى حد ما ظهر هذا الأسلوب في «آيس كريم في جليم»... لكن في «كابوريا». الفرق الذي غاب ثم يضيف مجدي أحمد علي أن «الفرق الذي لم يتحدث عنه أي من النقاد الحاضرين للندوة ولم يكتب عنه أحمد شوقي صاحب الورقة البحثية سيناريو الفيلم. لأنه إذا كان صحيحاً أن العمل يُنسب للمخرج، لكن أيضاً الفيلم الذي يكتب له السيناريو ماهر عواد - في «سمع هس» مثلاً - بالتأكيد سيكون مختلفاً عن الفيلم الذي كتبه عصام الشماع مؤلف «كابوريا». فتأملنا هنا فيلمين لمخرج واحد لكن مع كتاب سيناريو مختلفين سيدفعنا الى طرح أسئلة هامة. فخيري كانت عنده «مواد» لم يكن قادراً على التحكم فيها، وكان غير قادر على صياغتها على النحو الذي يرى أنه تجديدي، لأنه أمام سيناريو تقليدي جداً وميلودرامي فكان من الضروري أن يقوم بأشكال من التقطيع والنقلات والإقحام الدرامي فيها درجة من الافتعال فبدا الفيلم وكأنه غير واقعي، لكن الحقيقة أن الفيلم بجسمه واقعي جداً، وميلودرامي أيضاً... كانت خيارات بشارة كلها تتركز في أنه يريد أن يعمل فيلماً مختلفاً من جسم أو من سيناريو غير مختلف، بينما الأمر عند شريف عرفة كان العكس، لأن ماهر عواد يكتب بهذه الروح التي تتميز بالفانتازيا فمن كان يجري وراء السيناريست هو المخرج شريف عرفه ليلاحق إبداع الأول، بينما في «كابوريا» كنا نحاول إصلاح وتعديل السيناريو.

مشاركة :