الصلع مشكلة يمكن تحملها إلى حد بعيد، لكن بعض مشاكل زراعة شعر الفاشلة قد تكون فوق احتمال الكثيرين، إذ إن الأمر قد يصل في بعض الأحيان إلى حدوث تشوهات لا يمكن التعامل معها تجميليا بصورة علاجية أو جراحية، لذا فإن لسان حال عدد كبير ممن يسمعون عن ذلك النوع من جراحات التجميل يكون: نحن لا نزرع الشعر. ظهور جراحات زراعة الشعر التجميلية الفعلي كان في ثمانينيات القرن الماضي، حيث بدأت بخطوات بطيئة، معتمدة على تقنيات جراحية تقليدية، لم تلبث أن تطورت بعد ذلك بفضل البحث العلمي ومجهودات الأطباء الرواد، الذين جعلوا منها إجراءً جراحيًّا بسيطا. غير أن ازدهار زراعة الشعر في الآونة الأخيرة ورواجها لم يكن له وجه إيجابي فقط، بل جعل ذلك الكثير من “التجار”، الذين ليس لديهم الكفاءة العلمية المطلوبة يهرعون إلى المجال بغرض التربح، حتى وإن كان ذلك يمثل خطورة على المرضى ويعرضهم لأضرار بالغة. في هذا التقرير سنناقش مفهوم زراعة الشعر الأساسي، الذي تقوم عليه العملية، وأهم التقنيات الجراحية المستخدمة، إلى جانب التعرف على أهم المعايير التي تمكنك من اختيار المركز أو العيادة الموثوقة، والطبيب الذي يحقق لك نتائج مرضية. مفهوم زراعة الشعر يعتمد المفهوم الرئيسي لجراحات زراعة الشعر بمختلف أنواعها على نقل البصيلات من مناطق سليمة، ليس بها مشاكل في فروة الرأس أو في الجسم عموما، وهي ما يطلق عليه المناطق المانحة، إلى المناطق المصابة بالصلع وتساقط البصيلات، وتوزيعها بصورة علمية صحيحة، للحصول على تغطية ومظهر طبيعي مُرضٍ، مع عدم التأثير على كثافة الشعر بالمناطق المانحة. لهذا تعتبر عمليات زراعة الشعر التجميلية من أكثر الإجراءات الجراحية أمانا، حيث أنها تستخدم علاجا من جسد المريض نفسه، دون تعريضه لمخاطر المستحضرات الكيميائية أو الصناعية، كما أن النتائج التي يحصل عليها المريض تكون نهائية ودائمة، فلا يحتاج للمواظبة على العلاجات مدى الحياة، كما يحدث مع غالبية أدوية استعادة الشعر مثل الفيناسترايد أو الفيناسترايد. كما أن العلاجات سالفة الذكر لا يمكنها التعامل مع أنواع عديدة من أنماط فقدان الشعر، مثل الثعلبة والصلع الوراثي وفراغات الشعر الناتجة عن التعرض للحوادث والحروق، وهي مشاكل لم يكن لها حل فيما مضى، وتحديدا قبل ظهور عمليات زراعة الشعر. التقنيات الجراحية لزراعة الشعر كانت زراعة الشعر في بداية ظهورها تعتمد على ما يعرف بتقنية الشريحة FUT لزراعة الشعر ونقل البصيلات من المناطق المانحة، حيث يقوم الطبيب باجتزاء شريحة -كما هو الظاهر من اسمها- من مناطق فروة الرأس السليمة، لا يتجاوز عرضها 1 سم، ويتم بعد ذلك تجزئة هذه الشريحة إلى وحدات بصيلية، وتوزيعها على مناطق الصلع في فروة الرأس. لكن إحدى المشاكل التي كانت تواجه المريض في تقنية FUT لزراعة الشعر هي الجرح الناتج في المناطق المانحة، والذي كان يتم تقطيبه أو خياطته تجميليا من قبل الجراح، حيث أن هذا الجرح كان يحتاج إلى وقت طويل نسبيا حتى يلتئم، ناهيك عن الندبة التي قد تظهر للعيان عن قرب فيما بعد. كل هذه المشاكل تم تلافيها فيما بعد، حيث ظهرت تقنية FUE الأكثر تقدما، أو ما يعرف بتقنية الاقتطاف لزراعة الشعر، والتي اعتمدت على استخلاص البصيلات من المناطق المانحة بصورة فردية، واحدة تلو الأخرى، ومن ثم زراعتها بالمناطق المصابة، وهو ما جعل الجروح الناتجة عن العملية دقيقة وسريعة الشفاء، إضافة إلى عدم وجود أي أثر للعملية فيما بعد. وقد تطورت تقنية الاقتطاف FUE بعد ذلك عن طريق استخدام الأطباء لأدوات أكثر تقدما، مثل أقلام تشوي dhi وأجهزة بيركوتان وغيرها، ما قلل مراحل إجراء العملية وجعلها أكثر دقة، وأضفى على النتائج النهائية لمسة جمالية تجعلها أقرب للشعر الطبيعي الذي لم تتم زراعته من قبل. معايير اختيار مكان زراعة الشعر يحتار الكثيرون ممن يريدون إجراء العملية في كيفية اختيار أفضل مركز لزراعة الشعر والذي يحقق لهم النتائج المرجوة، ولا يعرضهم للمخاطر أو الأعراض الجانبية الخطيرة. وفي ظل ظهور سوق زراعة الشعر السوداء، تجد الكثير من المراكز والعيادات غير المعتمدة تروج لنفسها بدعايات غير حقيقية، كي تجذب عددا أكبر من المرضى، أو بمعنى أصح من الضحايا. وكي لا تقع في شباك مثل هذه العصابات عزيزي القارئ، رأيت أن أعرض عليك بعض المعايير التي يمكنك من خلالها الحكم على مركز زراعة الشعر بطريقة صحيحة، والتأكد من أنك لن تكون ضحية لزراعة شعر غير ناجحة: – وفقا لقوانين وزارة الصحة في كثير من الدول الأشهر في مجال زراعة الشعر مثل تركيا وغيرها، لا يمكن إعطاء تصاريح إجراء العملية إلا للمراكز والعيادات المجهزة بشكل مناسب، والتي تحتوي على غرف عمليات يمكنها التعامل مع أي ظرف طارئ قد يحدث، لهذا فإن كون المركز أو العيادة معتمدة من قبل وزارة الصحة فهذا يعني توفر معايير الأمان والسلامة، ويمكنك التواصل مع وزارة الصحة في الدولة التي ستقصدها، للتأكد من أن المركز الذي اخترته معتمد. – في مجال زراعة الشعر توجد منظمات دولية، مثل ISHRS وهي الجمعية الدولية لجراحي زراعة الشعر، والتي يتطلب اعتماد الطبيب فيها مرور 5 سنوات على الأقل من ممارسة وإجراء عمليات زراعة الشعر في مراكز ومستشفيات موثوقة، وهو ما يكفل لك خبرة مناسبة في الطبيب الذي سيجري لك العملية، لذلك عليك معرفة الطبيب الذي يقوم بالجراحة، والاطلاع على سيرته الذاتية في موقع الجمعية الدولية – إذا كان بإمكانك التواصل مع حالات سابقة ممن أجروا عملية زراعة الشعر في المركز الذي تقصده فذلك يعني ضمانا أكيدا للنتائج، وحتى إن لم تكن تريد الاستفسار من أحد المحيطين بك، فإن منتديات زراعة الشعر عبر شبكة الإنترنت الآن تكفل لك إمكانية التعرف على أشخاص جدد، والاستفادة من خبراتهم السابقة. – عمليات زراعة الشعر شديدة الخصوصية، أي أن نتائجها تختلف من شخص لآخر، بقدر اختلاف ملامح البشر وصفاتهم ونقاط الجمال لديهم، وكذلك اختلاف نمط الصلع لدى كل شخص وطبيعة المناطق المانحة للبصيلات، لذلك لا تتأثر بنتائج شخص ما، ولا تطلب من الطبيب إجراءً لا يتناسب مع حالتك، مثل تقديم خط الشعر الأمامي عن حدوده الأصلية السابقة. – لا تعرض نفسك للأزمات والاضطرابات النفسية إذا وجدت أن نتائج العملية بطيئة الظهور، حيث أن المعدل السائد لاكتمال نتائج العملية لدى الكثيرين يكون عاما كاملا، وهذا لا يعني أن لديك مشكلة ما، إلا أن الاكتئاب والحالة النفسية السيئة قد تؤدي فعليا إلى تأخر النتائج، من أجل هذا ننصح بالمتابعة المستمرة مع المركز الذي تقصده وفريقه الطبي متى تكون زراعة الشعر فاشلة؟ المعيار الوحيد الذي يمكنك من خلاله الجزم بأن زراعة الشعر التي أجريت لك فاشلة هو تساقط البصيلات المزروعة بعد العملية، وأؤكد على كلمة “البصيلات”، حيث أن تساقط الشعر المزروع هو إحدى المراحل التي يمر بها جميع من يجرون زراعة الشعر قبل الحصول على نتائج نهائية، وهو ما تفرضه طبيعة دورة نمو الشعر، التي تتم لدى البشر كل 6 أشهر، وتحدث بالتبادل بين جميع شعر الجسم. غير أن الحكم على النتائج التجميلية النهائية للعملية، وكون المريض يحتاج لعملية أخرى تكميلية أو تصحيحية، لا يمكن إصداره قبل مرور مدة تتراوح بين 6 أشهر إلى عام كامل، وهو الوقت اللازم لظهور النتائج الأخيرة والدائمة للجراحة. أخيرا.. فإن زراعة الشعر لها الكثير من الفوائد، إلى جانب الأضرار السالفة، شأنها شأن باقي عمليات التجميل، والتي يمكن تلافيها كما ذكرنا، مع تمنياتنا للجميع عملية زراعة شعر ناجحة، دون المرور بتجربة التعرض لأية أضرار أو آثار جانبية، والحصول على أفضل النتائج المرجوة.
مشاركة :