كانت الإسكندرية لسنوات طويلة خاصة بدايات القرن الماضي، جاذبة للجنسيات المختلفة أو ما يعرف بـ«الإسكندرية كوزموبوليتانية» أي تضم الثقافات والجنسيات المتعددة لوجود تعايش سلمي بين ثقافات متعددة، فاحتضنت عروس البحر المتوسط العديد من الشخصيات التاريخية الهامة من بينهم «قسطنطين كفافيس».وولد الشاعر المصري من أصل يوناني في الإسكندرية عام 1863، بعد أن هاجر والداه من تركيا إليها في العام 1850 بدعوة من محمد علي باشا إلى اليونانيين لإقامة نهضة في مصر، وكان والده من أوائل أبناء الجالية اليونانية في مصر الذين أسسوا منشآتها الثقافية والتجارية، كما كانت عائلته من المؤسسين للجالية اليونانية في الإسكندرية، ويعرف عنه أنه من أوائل من أدخلوا صناعة حلج الأقطان في مصر بشكل عام، وعاش في منطقة بحري في أيامه الأولى.لكن أكثر ما يميز قسطنطين كفافيس أنه شاعر ومؤرخ ورائد في سوق البورصة المصرية، وصلت أعماله الفنية إلى مختلف دول العالم، وانعكس عليها عشقه للإسكندرية التي ولد وعاش بها فترة من حياته، إلا أن كثير من أبناء المدينة الساحلية لا يعلمون شيئًا عن ذلك العاشق لمدينتهم الذي اشتهر بعد وفاته.ووجد كفافيس خلال عمله مترجمًا غير مقيد بشروط وظيفية، وقتا كافيًا للعمل في مجال إخوته وأبيه سمسارًا في بورصة القطن المصرية بالإسكندرية، والتي كانت تتحكم آنذاك في أسعار القطن بالعالم كله في وقت عُرف بالعصر الذهبي لمصر، كما تفرغ أيضًا لهوايته في كتابة الشعر.وكان الشاعر اليوناني "كفافيس" على دراية جيدة بالتاريخ المصري متنوع الثقافات، بدأ بكتابة عدد من القصائد بصورة دورية بلغت 70 قصيدة في العام، إلا أنه كان ينتقى منها الخمسة الأفضل في كل عام ويهمل القصائد الباقية، إذ كان يحرص على مراجعة ما يكتب والتخلص من معظمه نتيجة عدم الشعور بالرضا، وقد نشر 174 قصيدة فقط على مدار حياته في مصر واليونان وإنجلترا، ولقب بشاعر المهجر عند اليونانيين الذين كانوا يمثلون جالية ضخمة بمصر بلغت 130 ألف شخص في الإسكندرية والقاهرة.وعاش "كفافيس" في منزله القائم حاليًا إلى جوار دار أوبر الإسكندرية لأكثر من 25 عامًا، نشر خلالها مجموعة من المقالات في العديد من الدوريات الصادرة في الإسكندرية، وأثينا، وإسطنبول، وبعض العواصم الأوروبية الأخرى، وعرف عنه أنه كان حريصًا على أن يظل الشاعر داخله مخفيًا عن العيون قدر الإمكان، معتبرًا كتابته الشعر هواية لا يبتغي من ورائها مالًا أو شهرة، وكان هذا سببًا في نشر أعماله خلال السنوات الأخيرة فقط من حياته، كما أنه رفض الجنسية البريطانية والسفر حبًا في الإسكندرية.وقبل وفاته بشهرين ازداد مرض "كفافيس"، ونقل على إثر ذلك إلى مستشفى "كوتسيكا" المواجه لمنزله آنذلك، وهناك وافته المنية في 29 أبريل من العام 1933، وهو نفس يوم مولده، عن عمر يناهز 77 عامًا، ووري الثرى في مقابر الجالية اليونانية في منطقة الشاطبي بالإسكندرية.
مشاركة :